فن العالم الإسلامي القديم يصل لإنكلترا بعد رحلة طويلة تمثّل الأهمية الثقافية والفنية للعالم الإسلامي واتساع نطاقه وتأثيره. يتم عرض الأعمال الفنية المذهلة جنبًا إلى جنب مع أشياء من الحياة اليومية، بما في ذلك الآلات الموسيقية والألعاب والسيراميك والزي التقليدي.
تمثل هذه المقتنيات الفنية منطقة تمتد من غرب أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، من القرن السابع حتى يومنا هذا. وتحتفي بشعوب العالم الإسلامي وبالأفكار والتقنيات والتفاعلات التي شكلت ثقافتهم.
كيف تصل للمعرض المذهل عبر الزمان والمكان؟
أفضل طريقةٍ للوصول إلى معرض الفن الإسلامي الجديد داخل المتحف البريطاني هي عبر المرور بمعرض ساتون هوو. بهذه الطريقة، ستأخذ أولاً رحلةً تمر بإنكلترا الأنغلوسكسونية، لتتجاوز الذهب الكلتي وجواهر الفايكينغ، مروراً بكنوز مقبرة ملكٍ من القرن السابع. تعود تلك القطع الأثرية القابعة في الظل إلى فترةٍ من الزمن يُطلق عليها -أوروبياً- “العصور المُظلمة”، ثُم تَخرُج من هذا المعرض لتدخل عالماً من النور، لكننا نقدم لك لمحة عن هذه المقتنيات القيّمة هنا، كما يشرح لك الفيديو التالي
ابتكارات المسلمين التي تشبه العصر المسمى بالتنوير الأوروبي
يَدخُل الضوء من خلال الشاشات المزخرفة والزجاج الملون، لينعكس على الأواني المصقولة والخزفيات اللامعة التي ابتكرها المسلمون في العصور الوسطى وتميزت بجودتها المُتَقَزِّحة. ويبدو هذا الجلاء البراق وكأنَّه يلمع من خلال الفن الإسلامي: ما تراه هنا يُشبه عصر التنوير في أوروبا في القرن الثامن عشر، عصر المنطق، الذي بدأ في هذه الحالة خلال القرن الثامن، كما تشرح صحيفة The Guardian البريطانية.
الكمال الرياضي والهدوء التجريدي يلتقيان في إبداعات الفن الإسلامي
لا نحاول هنا التقليل من الغرب لمجرد الاستمتاع بالأمر، لكن الواقع هو أنَّ الفن الإسلامي حَلَّق في الأعالي وارتقى إلى مستوياتٍ من الكمال الرياضي والهدوء التجريدي، في وقتٍ كانت فيه أعظم إبداعات أوروبا كامنةً في همجيتها. وتُعتبر خوذة ساتون هوو بمثابة رمزٍ صارخٍ للقوة البدائية، وعلى النقيض فإنَّ أول ما ستراه في المعرض الإسلامي الجديد هو لوحةٌ جصيةٌ وألواحٌ خشبيةٌ منحوتةٌ ومحفوظةٌ بعناية من سامراء في العراق. وبتاريخهما الذي يعود للقرنين التاسع والعاشر على الترتيب، يُعتبر الاثنان شاهدي عيانٍ على حضارةٍ غنيةٍ ومتحضرة.
من مصر وحتى الأندلس: المجد الفني للأراضي الإسلامية
ليس من السهل أن يرسم متحفٌ صورة المجد الفني للأراضي التي دخلها الإسلام وفتحها بدايةً من القرن السابع الميلادي، من مصر وحتى إسبانيا. ويُعد الشطر الأكبر من أعظم إنجازات الفن الإسلامي عبارةً عن مجموعةٍ من المعالم في الهندسة المعمارية والديكور، مثل: مدرسة ابن يوسف في مراكش، وقصر الحمراء في غرناطة. فكيف لمتحفٍ أن يُحاكي التلاعب بالضوء والهندسة على البلاطات المنفردة والقطع الفخارية التي تُذهب العقل في تلك المواقع.
عندما انهرت روما وحلت إسطنبول مكان القسطنطينية
في أوروبا الغربية حينها، كانت الإمبراطورية الرومانية قد انهارت. لكنَّها في الشرق نجت بحياتها في بيزنطة. ويأتي تاج العمود الرخامي البيزنطي (أعلى العمود المزخرف) المحفور بكُتَلٍ من العنب وأوراق الشجر المتداخلة والمتموضعةٍ بعناية، ليُظهر كيف ساعد تحويل الطبيعة إلى فنٍّ في روما وبيزنطة على منح الحرفيين المسلمين نموذجاً على فن التماثل والأنماط.
هنا تكتشف أن الإسلام لم يحظر كل أشكال التمثيل
وانهارت الفكرة السائدة عن أنَّ الإسلام يحظر كل أشكال التمثيل، إذ توجد لوحات للبشر والحيوانات على حد سواء داخل هذا المعرض، لكنَّنا نلحظ جيداً كيف فُضِّل استخدام الفن التجريدي في المساجد. وتُعد بعض القطع مثل الأسطرلاب المصنوع عام 1240 شاهدةً على اضطلاع العالم العربي بمهمة الحفاظ على الرياضيات اليونانية القديمة خلال العصور الوسطى ونقلها إلى الأجيال التالية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
إنه إبداع فني
هذا المعرض هو نوعٌ من الإبداعات، إذ ينظر إلى أبعد من القطع المنفردة، ويهدف إلى فهم ونقل المبادئ والقوة الفكرية التي تمنح الفن الإسلامي تناغمه ووفرته المُعدِيَة، لكنَّه يفعل ذلك دون المبالغة في التبسيط، فمع استمراريته يبدو أنَّ هناك العديد من التفاصيل التي لا تنتهي. إذ تُحكى قصة الإسلام زمنياً في وسط المساحة المرسومة على شكل حرف L باللغة الإنكليزية، مع خزانات جانبية تحوي كل شيءٍ من آثار المدن المفقودة وحتى الأحذية المميزة للإمبراطورية العثمانية. ويُمكنك مُطالعة سيرة تيمورلنك الذاتية، الفاتح المعروف في الغرب بتامبورلين، أو التعرف على تقنية الخزف المصقول.
ويوجد هناك أكثر مما يُمكننا استكشافه في نقدٍ واحد، لكن هذا أيضاً ليس من المعارض التي تُقطع تذكرته ويُزار مرةً واحدة. هذا المعرض هو جزءٌ من العروض الدائمة لدى المتحف. وبالنسبة لي يبدو وكأنَّ هذا المعرض هو محور تلك العروض، إذ يربط خطوط التأثير والتبادل في التاريخ العالمي داخل الأرابيسك الذي يمر عبر الزمن والقارات المترابطة، ليجعل تكاملها جلياً كضوء الشمس.