ستندهش من معرفة أن المملكة العربية السعودية لديها أكثر من 2000 بركان خامد في المنطقة الغربية، كما يوجد بها 12 حقلا ضخما من الحمم البركانية تسمى الحرّات، تتوزع من شمال إلى جنوب المملكة على طول ساحل البحر الأحمر ويُقدر وقت نشوئها منذ نحو 25 مليون سنة.
وتستحوذ منطقة المدينة المنورة على النسبة الأكبر من هذه الحرّات والفوهات البركانية ذات الصخور السوداء، ويعد أحدث بركان انفجر في أرض الحجاز “بركان جبل الملساء” الواقع جنوب شرق المدينة وذلك عام 654هـ 1256م، واستمر ثورانه عدة أيام، وسارت الحمم البركانية لمسافة 23 كم، وتوقف أطول لسان للحمم البركانية قبل الوصول لمسجد الرسول الكريم بنحو 8.2 كم. وسمي ما أحدثه البركان آنذاك بـ “حرّة رهاط”.
ووصف ابن كثير هذا البركان في كتابه “البداية والنهاية” بقوله: “بقيت تلك النار على حالها تلتهب التهابا وهي كالجبل العظيم ارتفاعا والمدينة عرضا يخرج منها حصى يصعد إلى السماء ويهوي فيها ويخرج منها كالجبل العظيم نار ترمي كالرعد وبقيت كذلك أياما ووقفت أياما ثم عادت ترمي بحجارة خلفها وأمامها حتى بنت لها جبلين ولها كل يوم صوت عظيم آخر الليل إلى صحوه”.
– الحَرَّة: ظاهرة جغرافية يكتسي فيها سطح الأرض بالصخور النارية والطفح البركاني، كما يؤدي قرب الحمم من سطح الأرض إلى سخونتها، وقد يصاحبها وجود فوهات بركانية ظاهرة.
جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى”، ونلاحظ هنا قوله الشريف: “تخرج” في إشارة نبوية إلى أنها ليست النار المعروفة التي من طبيعتها الاشتعال، وإنما النار التي من طبيعتها الخروج من باطن الأرض، إذن فهي نار بركانية، وليست ناراً عادية، ونار البركان أشد إحراقاً من النار العادية؛ ولهذا فهي تذيب الصخر…! ويدل على أن هذه النار من نوع البركان, ما جاء في الرواية الأخرى التي أخرجها ابن عدي في الكامل عن عمر بن الخطاب أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا تقوم الساعة حتى يسيل واد من أودية الحجاز بالنار, تضيء له أعناق الإبل ببصرى” والنار التي تسيل كالوادي, هي نار البركان, وقد وقع ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل 776 عاما, وتحديداً في عام 654هـ, حيث زلزلت المدينة وما حولها, بشكل متتابع, ولأيام عدة, ثم ثارت نار في صورة بركان من أعماق الأرض, جهة الحرة الشرقية” يمكن مشاهدة آثارها بوضوح عبر موقع Google Earth وارتفعت النار إلى السماء, حتى أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى, وهي بلدة جنوب الشام, ثم سال البركان كالوادي, وقد جاء خبر هذه الآية المعجزة في كلام أهل العلم الذين عاصروها
قال ابن حجر في فتح الباري: (قوله “حتى تخرج نار من أرض الحجاز” قال القرطبي في التذكرة: قد خرجت نار الحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة “أربع وخمسين وستمائة” واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة, فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة.., لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر, أحمر وأزرق, له دوي كدوي الرعد, يأخذ الصخور بين يديه.., فانتهت النار إلى قرب المدينة.., وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام..، وقال أبو شامة: وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين – يعني وستمائة – كتب من المدينة الشريفة, فيها شرح أمر عظيم حدث بها, فيه تصديق لما في الصحيحين، فذكر هذا الحديث، قال: فأخبرني بعض من أثق به, ممن شاهدها, أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب.., ومن ذلك أن في بعض الكتب: أول جمعة من شهر جمادى الآخرة في شرقي المدينة، وسال منها واد مقداره أربعة فراسخ “تقريبا 19كم” وعرضه أربعة أميال “تقريبا 6.40 كم”, يجري على وجه الأرض..، قال أبو شامة: ونظم الناس في هذا أشعاراً، ودام أمرها أشهراً، ثم خمدت” أهـ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقد وصف ابن كثير(ت771هـ) في البداية والنهاية خبر هذه النار، فقال في أحداث سنة أربع وخمسين وستمائة: “فيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، كما نطق بذلك الحديث، وقد بسط القول في ذلك.. الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسي..، وملخص ما أورده.. : ورد إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان من سنة أربع وخمسين وستمائة كتب من مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ..، فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب. قال: وكنا في بيوتنا تلك الليالي، وكان في دار كل واحد منا سراج.., قال أبو شامة: وهذه صورة ما وقفت عليها من الكتب “أي الرسائل التي ترد إليه وهو في دمشق”: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ظهر في المدينة النبوية دوي عظيم، ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسقوف والأخشاب والأبواب، ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور، ثم ظهرت نار عظيمة في الحرة قريبة من قريظة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا.., وقد سالت أودية بالنار إلى وادي شظا.., والله لقد طلعنا جماعة نبصرها, فإذا الجبال تسيل نيراناً.., فسارت إلى أن وصلت إلى الحرة, فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجيء إلينا، ورجعت تسيل في الشرق, فخرج من وسطها.. نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى في كتابه: (إنا ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالة صفر) وقد أكلت الأرض، وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين وستمائة، والنار في زيادة ما تغيرت…! قال: وفي كتاب آخر لما كان يوم الإثنين مستهل جمادى الآخرة، سنة أربع وخمسين وستمائة وقع في المدينة صوت يشبه صوت الرعد تارة وتارة، أقام على هذه الحالة يومين، فلما كانت ليلة الأربعاء- ثالث الشهر المذكور- تعقب الصوت الذي نسمعه زلازل، فلما كان يوم الجمعة – خامس الشهر المذكور- انبجست الحرة بنار عظيمة.., نشاهدها وهي ترمي بشرر كالقصر.., وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، وهو صخر يذوب حتى يبقى, ويخرج منها أمهاد وجبال صغار، وتسير على وجه الأرض, وهو صخر يذوب حتى يبقي مثل الآنك، فإذا جمدت صار أسود، وقبل الجمود لونه أحمر..! قال الشيخ أبو شامة: ومن كتاب شمس الدين بن سنان.. قاضي المدينة إلى بعض أصحابه: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة حدث في المدينة في الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة, أشفقنا منها، وباتت باقي تلك الليلة تزلزل, كل يوم وليلة قدر عشر نوبات، والله لقد زلزلت مرة – ونحن حول حجرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم – اضطرب لها المنبر, إلى أن أوجسنا منه, إذ سمعنا صوتاً للحديد الذي فيه, واضطربت قناديل الحرم الشريف، وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى، ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف، ثم طلع يوم الجمعة في طريق الحرة في رأس أجيلين نار عظيمة, مثل المدينة العظيمة، وما بانت لنا إلا ليلة السبت, وأشفقنا منها, وخفنا خوفاً عظيماً.., ثم سال منها نهر من نار.., وفوقه جمر يسير إلى أن قطعت الوادي الشظا.., وتمت النار تسيل إلى أن سدت بعض طريق الحاج, وبعض بحرة الحاج، وجاء في الوادي إلينا منها يسير, وخفنا أن يجيئنا.., ولها دوي ما يدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدر أصف عظمها, ولا ما منها من الأهوال، وأبصرها أهل ينبع..، وبقيت تلك النار على حالها تلتهب التهاباً، وهي كالجبل العظيم ارتفاعاً, وكالمدينة عرضاً، يخرج منها حصى يصعد في السماء, ويهوي فيها, ويخرج منها كالجبل العظيم, نار ترمي كالرعد، وبقيت كذلك أياماً, ثم سالت سيلاناً إلى وادي أجيلين, تنحدر مع الوادي إلى الشظا، حتى لحق سيلانها بالبحرة – بحرة الحاج – والحجارة معها تتحرك وتسير, حتى كادت تقارب حرة العريض، ثم سكنت ووقفت أياماً، ثم عادت ترمي بحجار خلفها وأمامها، حتى بنت لها جبلين, وما بقي يخرج منها من بين الجبلين.., وهي تتقد كأعظم ما يكون، ولها كل يوم صوت عظيم في آخر الليل إلى ضحوة، ولها عجائب ما أقدر أن أشرحها لك على الكمال، وإنما هذا طرف يكفي..!
واليوم كل ما يقع في العيص وما حولها في منطقة المدينة، يذكرنا بتلك الزلازل المتتابعة والنار التي ثارت من فوهة إحدى الجبال الواقعة شرق المدينة، جهة الحرة الشرقية، وقد جاء في سورة الزلزلة ما يشير إلى أن الزلزلة قد تكون قرينة البركان، وربما كان هذا السر في الجمع بين هاتين الآيتين في سورة الزلزلة حين قال تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها…!) وتخرج الأرض أثقالها عبر البراكين الثائرة, وقد تخرجها بطرق أخرى” الله أعلم”, وقد ذكر أحد الباحثين في هيئة الإعجاز العلمي – كما في موقعهم على الإنترنت – أن (من المثير للتأمل والتدبر أن أول آيتين في السورة قد أوردتا إشارتين علميتين في غاية الأهمية، لم يتوصل العلم إليهما بشكل قطعي إلا في منتصف هذا القرن, وبعد تجميع كم هائل من القياسات والبيانات من أنحاء العالم كافة، استخدم في الحصول عليه أدق الأجهزة العلمية, وأكثرها حساسية، وما كان يمكن لبشر في زمن محمد عليه الصلاة والسلام أن يصل إلي أي منها, وهاتان الإشارتان هما: 1 ـ الربط بين ظاهرتي الزلازل والبراكين. 2 ـ أن مكونات جوف الأرض أثقل من مكوناتها السطحية…!) وهذا الإعجاز العلمي الذي أشارت إليه الآية الكريمة، وتلك المعجزة النبوية التي وقعت في القرن السابع كما جاءت في حديث “نار الحجاز” يذكرنا بحديث آخر, يشير إلى آية لم تقع حتى الآن، وهو حديث: (لا تقوم الساعة حتى تعود “أرض العرب” مروجاً وأنهاراً) رواه مسلم, فهل ما قد يقع من زلازل وبراكين في جزيرة العرب, يمهد لعودها مروجا وأنهارا, وذلك بفعل تغير تضاريس الأرض…؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.