Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
خلال جولته بالمدينة القديمة في طنجة، اكتشف المغربي علي اكويعدات لافتة صغيرة تشير إلى ضريح ابن بطوطة في المغرب وهو واحد من أعلام المدينة المشهورين في العالم.
يقول لـ “عربي بوست” إنه اندفع وسط أزقة ضيقة ومتعرجة، متتبعاً أسهماً إرشادية، ليصل إلى بناية صغيرة مغلقة لها باب خشبي كبير، وفي واجهتها لوحة مكتوب عليها معلومات عن ابن بطوطة.
تعرّف اللوحة بصاحب الضريح بثلاث لغات، هي العربية والفرنسية والإنجليزية، وتصف مسار رحلاته وخريطة الدول التي زارها، ومما جاء فيها: “هذه البناية تخلد ذكرى شخصية ذات صيت عالمي، اشتهرت بفضل رحلاتها عبر العالم خلال القرن الرابع عشر الميلادي، إنه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة”.
يعشق على اكويعدات المدن العتيقة، لذلك كلما زار مدينة مغربية تكون وجهته المفضلة الجزء القديم والتاريخي منها.
يلفت إلى أنه لم يكن يعرف من قبل أن المدينة القديمة لطنجة تضم ضريح ابن بطوطة في المغرب، ولولا الصدفة التي قادته إليه لَما اكتشف المكان.
ويقع ضريح ابن بطوطة في المغرب وسط المنازل السكنية القديمة، في بناية صغيرة الحجم، يشرف عليها رجلٌ بتكليف من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، السلطة المسؤولة عن تدبير شؤون الأضرحة والزوايا بالمغرب.
دروب ضيقة وضريح صغير
يستقبل المكان زيارات كثيرة لمغاربة وأجانب، يمرون عبر الدروب الضيقة والملتوية للمدينة القديمة ودكاكينها، التي تعرض الصناعات التقليدية للوصول إلى ضريح ابن بطوطة في المغرب.
ورغم الأسهم الإرشادية التي وضعتها السلطات فإن الزوار يحتاجون لاستفسار السكان عن ضريح ابن بطوطة في المغرب، قبل أن يهتدوا إليه في زقاق ضيق ومرتفع لا يتسع للوافدين في فترات الزحام.
وعرف ضريح ابن بطوطة في المغرب أعمال ترميم في السنوات الأخيرة، إذ خُصصت مليوني درهم ضمن ميزانية ترميم وتأهيل التراث المبرمجة في اتفاقية الشراكة المتعلقة بتثمين المدينة العتيقة لطنجة.
وتأتي أعمال الترميم هذه بعد انتقادات وُجهت للسلطات المحلية، لإهمالها ضريح ابن بطوطة في المغرب وعدم إيلائه الاهتمام الكافي بالنظر لأهمية شخصية ابن بطوطة، ابن مدينة طنجة، الذي جاب العالم، وترك أثراً وبصمة في كل بلد مر به، حتى إن مدينة صينية هي تشيوان تشو نصبت تمثالاً تذكارياً له في مدخل متحفها، لكونها تضم أول ميناء دخله ابن بطوطة عند وصوله إلى الصين.
يعتبر الباحث في تاريخ طنجة، رشيد التفرسيتي، الرحالة ابن بطوطة جزءاً من ذاكرة المدينة، وينبغي الاحتفاء به وبرحلاته التي نقلها في كتابه المترجم إلى عدة لغات.
ويقول التفرسيتي، وهو رئيس جمعية البوغاز لـ “عربي بوست”، إن الجمعية قامت بعدة مبادرات للتعريف بتراث ابن بطوطة وتكريمه ونشر رحلاته بين الناشئة.
ونظمت الجمعية أنشطة موجهة للأطفال، لتقريبهم من هذه الشخصية، وتعريفهم بمسار رحلته، وبالعجائب التي صادفها لجعلهم يفخرون بابن طنجة، الذي يعد رمزاً للمغامرة والسفر وأدب الرحلة.
ضريح ابن بطوطة في المغرب.. أين دُفن؟
يزور ضريح ابن بطوطة في المغرب الموجود في طنجة زوار من مختلف الدول من سياح وباحثين وشخصيات مهمة، مثل كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وملك وملكة السويد وغيرهم، إلا أن بعض الشكوك تتحدث عن أن الرحالة ابن بطوطة لم يُدفن في مسقط رأسه طنجة، مستشهدين بكونه عمل في آخر أيامه في القضاء في منطقة آنفا أي الدار البيضاء حالياً، قبل أن يدفن في مكان مجهول فيها.
غير أن الباحث رشيد التفرسيتي يفند هذا القول، ويقول إن تلك الشكوك لا تستند إلى أي أدلة علمية أو دراسات تاريخية.
ويوضح المتحدث أن “هناك من يدعي أن ابن بطوطة بعد عودته من سفره الأخير لإفريقيا نزل في مراكش ومات فيها، وهناك من يقول إنه مات في أنفا، أي الدار البيضاء، وهناك من يقول في تامسنا، على هؤلاء أن يقدموا أدلة على هذه الادعاءات”.
ويلفت إلى أن الروايات الشفهية المعتمدة تؤكد أن ابن بطوطة دفن في طنجة، والدراسات التاريخية تؤكدها، كما أن السلطان العلوي الحسن الأول عندما زار طنجة سنة 1889 حرص على زيارة ضريح ابن بطوطة في المغرب.
يقول التفرسيتي “لا يمكن للسلطان أن يزور الضريح زيارة رسمية إلا لأن هذا الرحالة الشهير دفن فيه بالتأكيد”.
وبعد ترميم ضريح ابن بطوطة في المغرب بوصفه واحداً من المزارات السياحية المهمة في طنجة، يأمل الفاعلون المدنيون أن يتحول عدد من المقترحات التي قدمت للسلطات المحلية لتكريم هذه الشخصية إلى واقع، ومن بينها إنشاء متحف يعرض التراث الثقافي لابن بطوطة ومسار رحلاته، وبناء تمثال له بوصفه جزءاً من أبناء المدينة، حيث تجاوزت شهرته ضيق ضريحه لتصل على العالم.
من هو ابن بطوطة؟
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللواتي الطنجي، ولد بطنجة في 17 رجب سنة 703- 25 أبريل/نيسان 1304.
جل المعلومات عن شخصيته مستقاة من رحلته المشهورة المدونة في كتاب “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.
وأملى ابن بطوطة مغامرته الطويلة على أحد أدباء البلاط المريني، هو محمد بن جزي الكلبي، بتكليف من السلطان أبي عنان المريني الذي أمره بتدوين رحلته، وانتهى من كتابتها بفاس سنة 1355م.
لا يعرف الكثير عن نشأته، إذ لم يهتم معاصروه من المؤلفين بكتابة سيرة حياته، ويرى بعض الباحثين أن عدم كتابة رحلاته بنفسه وتكليف ابن جزي بهذه المهمة دليل على ضعف مواهبه في الكتابة، غير أن قيامه ببعض الوظائف الدينية مثل القضاء، سواء في بعض الدول التي زارها أو بعد عودته للمغرب يشير إلى أنه متمكن من العلوم الشرعية.
عاصر ابن بطوطة الرحالة الإيطالي المعروف ماركو بولو، الذي خرج في رحلة طويلة مبحراً من البندقية في اتجاه الصين، حيث أقام ست عشرة سنة في ضيافة الإمبراطور المغولي كوبيلاي، حفيد جنكيزخان، ثم عاد إلى بلاده عن طريق البحر.
بيد أن ابن بطوطة تميّز عن ماركو بولو وتفوق عليه بكثرة البلدان التي زارها وأقام بها، وبطول المدة التي قضاها في رحلته، كما تميز عليه بكونه كمسلم استطاع أن يمتزج وينسجم مع سكان البلدان التي زارها وأكثرهم مسلمون، إذ اختلط بهم عن طريق المصاهرة والوظائف التي تقلَّدها، والعلاقات التي أقامها مع أعيان وعلماء تلك الدول وملوكها.
ما هو مسار رحلة ابن بطوطة؟
انطلق ابن بطوطة في رحلته الطويلة، في 2 رجب عام 725- 13 يونيو/حزيران 1325 من طنجة، قاصداً حج بيت الله الحرام، وكان في بداية عقده الثاني.
كانت الوجهة الأولى الجزائر، حيث زار تلمسان ومليانة والجزائر وبجاية فقسنطينة فبونة، ثم تونس فسوسة فصفاقس فقابس، ثم طرابلس، ووصل في النهاية إلى الإسكندرية، وبعد ذلك إلى القاهرة، التي يسميها مدينة مصر، واصفاً إياها “أم البلاد وقرارة فرعون ذي الأوتاد ذات الأقاليم العريضة”.
وبعد زيارة عدة مدن في صعيد مصر، اتجه إلى الشام فمَر بفلسطين، حيث زار مدينة القدس والخليل، ووصل لبنان فزار صور وصيدا وبيروت وطرابلس، ثم الشام وحمص وحماة فحلب واللاذقية ليصل إلى دمشق “التي تفضل جميع البلاد حسناً وتتقدمها جمالاً”.
ومن الشام اتجه إلى المدينة المنورة، فدخل الحرم الشريف، ثم اتجه بعد ذلك إلى مكة.
وفي 20 ذي الحجة 726- 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1326، غادر ابن بطوطة مكة متوجهاً نحو العراق، ومنها إلى بلاد الفرس، ثم عاد أدراجه نحو العراق، فمر على الكوفة، ثم بغداد، فالموصل، وزار اليمن حيث أقام في ضيافة سلطانها وشاهد مدنها، ثم اتجه إلى الساحل الشرقي في إفريقيا فزار مقديشيو ونزل في ضيافة سلطانها، كما زار مراسي أخرى في إفريقيا الشرقية، ثم عاد إلى البقاع المقدسة عن طريق عمان والخليج العربي، فأدى حجة أخرى عام 732/1332.
بعد ذلك قام برحلة ثانية إلى مصر فسوريا فآسيا الصغرى، حيث انتشرت الإمارات، ووصل في تجواله بلاد القرم والبلغار، وتجول في بلاد التتار، وزار بعد ذلك القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وحظي بمقابلة الإمبراطور نكفور، ثم اتجه بعد ذلك إلى بلاد خوارزم، وانتقل إلى ما وراء النهر، فزار بخارى وتحدث عن خرابها على يد التتار، واستقبله ملك ما وراء النهر كما زار أفغانستان.
وفي فاتح محرم عام 734- 12 سبتمبر/أيلول 1333 وصل إلى الهند وأقام بها تسع سنوات، وبعدها زار عدة جهات أخرى في الجنوب الشرقي بآسيا مثل جزر المالديف، وسيلان، والبنغال، وأسأم، وسمارة ثم وصل إلى الصين.
وكانتت أول مدينة نزل بها هي ميناء الزيتون، وزار مدينة شوان شوفو، ومنها إلى سومطرة ثم إلى ملابار، وزار بغداد مرة أخرى، ثم سوريا، فمصر، وحج مرة أخرى، وأخذ الطريق من جديد ماراً بمصر، فالإسكندرية، فتونس، فجزيرة سردانية، فالجزائر، ففاس، فغرناطة، وكان ذلك في سنة 750/ 1350.
لكن ابن بطوطة لم يطل الاستقرار أكثر من سنتين حتى اشتاق للرحلة من جديد، فخرج في محرم عام 753- فبراير/شباط 1352، من سجلماسة رفقة قافلة، فقطع الصحراء وزار الأفارقة وملوكهم ورجالهم ودرس عاداتهم ورجع في السنة الموالية إلى سجلماسة.
رحلة تفوق من سبقه وعاصره
لم يكن ابن بطوطة الرحالة الوحيد في عصره لكن رحلته التي قاربت مدتها الثلاثين سنة تفوق في أهميتها وقيمتها رحلات من سبقوه أو عاصروه، حيث قطع أكثر من 117 ألف كيلومتر وهي مسافة لم يقطعها أي رحالة في العالم.
ويظهر تفوق هذه الرحلة التي جمع غرائبها وتفاصيلها في كتابه الشهير في عدة عناصر متعددة، بحسب ما جاء في كتاب ” معلمة المغرب”.
ومن أوجه تميز رحلة ابن بطوطة اتساع البقعة الجغرافية التي زارها، وتمتد من المحيط الأطلني غرباً إلى بحر الصين شرقاً، ومن بلاد التتار شمالاً إلى أواسط إفريقيا جنوباً.
وتظهر أهمية رحلته في طول المدة التي قضاها في رحلاته، والتي تقترب من ثلاثين سنة، الشيء الذي مكنه من إغناء اطلاعه باستمرار وتعميق معرفته بالأشياء والأشخاص والأحداث، وأيضاً في أهمية اتصالاته، فهو لا يلج البلاد كأي مسافر، بل يهتم برجالها وكبرائها ويسعى للاتصال بهم والتعرف عليهم.
كما أن محصول الرحلة كان ذا أهمية بالغة بالنسبة لبعض العلوم مثل التاريخ والجغرافيا والاثنوغرافيا والتراجم، ففي كتابه تعريف بكثير من الدول الإسلامية المعاصرة وبدول أخرى غير إسلامية ووصف لكثير من العادات والتقاليد المحلية وإشارات متعددة للإنتاجات الزراعية والمعدنية، ووصف مشاهد الطبيعة من جبال ووديان وسهول، وذكر عدداً من الرجال من حكام وقضاة، وفقهاء وعلماء وصوفية.
كانت رحلة ابن بطوطة ولا تزال تثير الاهتمام وأيضاً شخصيته الميالة إلى الاستكشاف وسهلة الانسجام والاندماج في المجتمعات التي زارها على اختلاف عاداتها ولغاتها وثقافاتها، لذلك يزور ضريح ابن بطوطة في المغرب في طنجة سياح من مختلف دول العالم، خاصة من آسيا الشرقية، يبحثون عن مرقد هذا الرحالة القادم من وراء البحار، والذي زار بلدانهم البعيدة ووصفها للعالم في كتابه الذي يُقرأ اليوم بعدة لغات.