بات مشهد القتل والدمار الشامل معتادا في بلادنا الإسلامية؛ في العراق، في فلسطين، في اليمن، وفي مختلف البلاد الإسلامية. وبات هذا المشهد اليومي في سوريا، إلى درجة أن البعض بات يعتبر شهداء سوريا مجرد “أرقام”.
لكنّا نتذكر كل واحد منهم، فكل واحد منهم كان محبوباً، وكل واحد منهم كان غالياً، وكل قطرة دم مسلم تسيل هي أغلى عند الله من الأرض بما فيها.
جعل المصطفى ﷺ هذا الأمر في غاية الوضوح عندما خاطب الكعبة المشرفة قائلاً: “مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ”. قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً).
ومثل هذه المشاهد ليست بالجديدة، لا على الأمة الإسلامية، ولا على المسلمين والموحدين عبر التاريخ. فلطالما تكالبت الأمم على أمتنا في أوقات الضعف، بدءاً من الصليبيين، مروراً بالتتار ومحاكم التفتيش الإسبانية، ووصولاً للفرنسيين، والإيطاليين، والأمريكان. فلكلٍ من هؤلاء جرائم عظيمة راح ضحيتها الملايين في كل مرة. ومن أكثر الأمم بطشاً بالمسلمين خلال القرون الثلاث الأخيرة هم الروس، فارتكبوا عبر القرون مجازر بشعة، كلٌ منها يوازي أو يزيد بشاعةً عن أفاعيلهم في سوريا اليوم.
القرم ١٧٨٣ – ١٩٧٦ م
استطاع الروس أن يبتلعوا أجزاء كبيرة من بلاد المسلمين خلال القرن الثاني عشر للهجرة، مثل القرم، ومغول الشمال ،وتركستان والقوقاز. وبمجرد دخولهم لأي من هذه المناطق، كان الروس دائماً ما يرتكبون أبشع المجازر للتنكيل بالمسلمين، التي فاقت في بشاعتها محاكم التفتيش بالأندلس! فكانوا يراسلون الإسبان ليتعلموا منهم طرق التنكيل بالمسلمين.
كانوا في القرم يبدأون بالقتل العشوائي وهتك الأعراض، ويتفننون في تعذيب المسلمين. وكما كان في الأندلس، كان الروس يعتبرون اعتناق أي ديانة غير الديانة المسيحية الأرثودوكسية جريمة تستحق عقوبة الإعدام. فاضطر المسلمون إلى كتمان إسلامهم، وتوريثه لأبنائهم سراً، كما كان الحال مع المورسكيين بعد سقوط الأندلس. كما كانوا يُنَصِّرون المسلمين عن طريق اختطاف أطفالهم، وتربيتهم في مدارسهم النصرانية، لينشئوا بعزلة عن أهاليهم ودينهم الأصلي.
من أصل خمس ملايين مسلم في القرم، لم يتبق فيها اليوم إلا ما يقارب نصف المليون مسلم فقط!
تركستان ١٨٧٦ – ١٩٩١ هـ
في عام ١٢٩٣ للهجرة خرجت تركستان من الحكم الإسلامي عندما أطبق الروس السيطرة على أغلب مناطقها، باستثناء تركستان الشرقية، التي سيطرت عليها الصين، وما زالت إلى اليوم تعاملهم بأبشع الطرق وترتكب فيهم المجازر.
فما أن دخل الروس تركستان حتى واصلوا ما بدأوه في القرم من جرائم بشعة. وكلما قامت ثورة إسلامية، انقضّ عليها الروس -والشيوعيون لاحقاً-، وأخمدوها بأبشع الطرق.
ومع سقوط الاتحاد السوفيتي في عام ١٩٩١، استقلت الولايات المختلفة في إقليم تركستان، وتكونت دول مثل أوزباكستان وطاجكستان وغيرها. ولكن ما زالت روسيا قائمة إلى اليوم على إيجاد نفوذ لها في هذه الدول، حتى واجهت هذه الدول مشاكل زيادة الوافدين الروس إليها، فوصلت نسبتهم في كازاخستان مثلاً إلى أكثر من ربع السكان، وبات المسلمون فيها اليوم أقلية!
الاتحاد السوفيتي ١٩٢٢ – ١٩٩١ م
كان من أبرز سياسات السوفييت تشريد وتهجير المسلمين من أراضيهم، حتى هاجر الكثير من مسلمي تلك المناطق إلى البلاد الإسلامية المختلفة. أما من تبقى منهم فكان يوزع على مختلف المدن السوفيتية، فيكونوا أقلية أينما عاشوا.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
بالإضافة إلى ذلك فكان السوفييت يوطّنون الروس في البلاد الإسلامية الضعيفة التي تقع تحت سيطرتهم، وينتزعون ملكيات الأراضي الزراعية من مسلمي تلك المناطق ويُهدوها للروس، فيُمسي المسلم فقيراً والروسي سيداً عليه. وكانوا أيضاً يُوَطِّنون غير الروس في البلاد الإسلامية، مثل توطين اليهود في القرم.
ومن أبشع ما فعله السوفييت كان تهجير شعوب مسلمة بأكملها “مثل القرم والشيشان والباشكير وغيرهم” إلى مناطق يستحيل العيش فيها، مثل سيبريا -المعروفة بجوها شديد البرودة-، حتى أُبيد في عهد ستالين أكثر من ١١ مليون مسلم بهذا السبب.
كما اعتاد السوفييت على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس، والبعض الآخر إلى اسطبلات للخيول، وغيرها إلى مسارح ودور للخمر. وكانوا أيضاً يسرقون الأموال من الأوقاف الإسلامية ويصادرونها الأوقاف بأكملها، وكانوا يحوِّلون المدارس الإسلامية والقرآنية إلى دور للتنصير.
وفوق كل ذلك، كانوا يخصّون المسلمين بضرائب عالية جداً، عامِلين على خفض مستواهم المعيشي، بالإضافة إلى التجنيد الإجباري لهم، إلا لمن يرتد عن دين الإسلام!
ومن الظواهر التي عانى منها مسلمو الاتحاد السوفيتي في الأعوام الأخيرة قبل سقوطه كان إفرادهم بالمعاملة السيئة وغير العادلة. فكان السوفييت يَمنعون المسلمين من أداء فريضة الحج، ويمنعونهم من جمع الزكاة، وحتى من ارتداء الحجاب واللبس الإسلامي المحتشم. وأجبروا المسلمين على العمل لساعات إضافية خلال شهر رمضان ليشقّوا عليهم دينهم. بالإضافة إلى ذلك فرض الروس تعليم الفكر الماركسي وحظروا تعليم الإسلام في المدارس. وقاموا بفرض اللغة الروسية ومنع الحروف العربية، لطمس ثقافتهم الإسلامية. وحرصوا على التعليم المختلط، لما فيه من فساد للأخلاق. واستخدموا الآلة الإعلامية للسخرية من الدين الإسلامي، للتصغير من شئنه ومن شأن المسلمين.
وكانوا أيضاً يحرصون على زرع الفتن بين مسلمي الإتحاد السوفيتي لتفريق كلمتهم، وكانوا يقسّمونهم إلى وحدات صغيرة لتسهل السيطرة عليهم.
كل ذلك، رغم المزاعم الشيوعية أن “الدين أفيون الشعوب”، وأنهم “لا يؤمنون بأي دين”، إلا أنهم خصّوا المسلمين بهذا الاضطهاد والبطش دون غيرهم.
أفغانستان ١٩٧٨ – ١٩٨٩ م
في عام ١٩٧٣، تمكن محمود داوود بالتنسيق مع الروس من الانقلاب على الحكم الملكي في أفغانستان. ثم في عام ١٩٧٨، قام الحزب الشيوعي بقيادة محمد غلاب بالانقلاب عليه. وما أن تمكن الشيوعيون من أفغانستان حتى بدأوا في عدوانيتهم للإسلام مجدداً، فقتلوا في أول يوم من الانقلاب أكثر من ١٥ ألف مسلم، وقُتل أمام محمد داوود أبناؤه الـ٢٩، ثم قُتل هو وباقي أفراد أسرته.
ثم بدأ الشيوعيون بالاتفاف حول موسكو والمناداة بالشيوعية العالمية، وفتحوا بعد ذلك الأبواب أمام الجيش الروسي لاحتلال أفغانستان بحجة “حماية النظام”. فسيطر الروس على كابُل وعلى باقي أقاليم أفغانستان. وفي عام ١٩٨٠، أُبيد ما يقارب المليون مسلم على يد الروس في أفغانستان، وقوبل ذلك بالمواقف المخزية للحكومات الإسلامية.
لكن لسوء حظ الروس، كان الأفغان وما زالوا من أكثر الشعوب تمسكاً بالإسلام، ومن أكثرها عداء لأعدائه. فبدأت مقاومة المجاهدين الأفغان ضد الروس، وألحقوا بهم خسائر فادحة. ثم مع تطور الجهاد الأفغاني وتوفر الأسلحة المتطورة، ومع توافد المجاهدين العرب للذود عن بلاد الإسلام (وهنا نستثني المقاتلين التي انشأتهم الولايات المتحدة الأميركية أصحاب الدين الوهابي الذين ذهبوا إلى هناك لخدمة أجندة باتت معروفة الآن*، كانت الغلبة للمسلمين في نهاية المطاف، فتمكنوا من طرد المحتل الروسي من أفغانستان عام ١٩٨٩. وكان لهذه الهزيمة سبباً مباشراً في سقوط الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١.
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)