منذ اشتعال الأزمة الروسية- الأوكرانية وقبل بدء الحرب والتدخل العسكري، يتحدث حلفاء كييف من الولايات المتحدة وأوروبا عن أحلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسعية لحدود الاتحاد السوفييتي أو الإمبراطورية الروسية، وبجانب حقيقة أن بوتين أقرب إلى جغرافيا الإمبراطورية الروسية منها إلى الاتحاد السوفييتي، فهناك حقيقة أخرى أن حدود وتاريخ الإمبراطورية الروسية مختلف عن حدود وتاريخ الاتحاد السوفييتي، مختلف أيضاً عن الجغرافيا الحالية لروسيا.
الفرق بين الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفييتي وروسيا الحالية
الإمبراطورية الروسية
كانت الإمبراطورية الروسية (1721-1917) أكبر دولة في العالم في أواخر القرن الـ19، وثالث أكبر دولة على وجه الأرض بعد الإمبراطوريتين البريطانية والمغولية، إذ كانت تمتد من البحر الأسود في أوروبا إلى مضيق بيرينغ في أقصى شرق آسيا، وكان الانتقال من بدايتها إلى نهايتها يستغرق 10 أيام على الأقل في حال السفر بالقطار.
وبحلول نهاية القرن الـ19 بلغت مساحتها ما يُقارب الـ22.400.000 كيلومتر مربع، وهو ما يُعادل سدس مساحة الكرة الأرضية، وكانت منافستها الوحيدة من حيث المساحة في ذلك الوقت الإمبراطورية البريطانية.
قبل أن تعلن إمبراطورية استمر حكمها لما يقرب من 200 عام، تشكلت على شكل إمارات سلافية صغيرة توحدت لاحقاً تحت ما تسمى روسيا الكييفية منذ العام 1537، لكنها كانت تعيش في عزلة بعد الغزو المغولي، والنظام الديني الصارم الذي يتبع الكنيسة الأرثوذكسية، قبل أن تبدأ توجهاتها التوسعية والاستعمارية نحو آسيا.
أنشئت الإمبراطورية الروسية مع انتهاء الحرب الشمالية مع السويد، والتي استمرت منذ العام 1700، ولمدة تزيد عن 20 عاماً، طلب أعضاء مجلس الشيوخ من القيصر بطرس الأول قبول ألقاب “بطرس الأكبر” و”إمبراطور عموم روسيا” و”والد الأمة”، ليتم إعلان الإمبراطورية ومنح بطرس الأكبر ألقابه الإمبراطورية الجديدة.
أعلن انتهاء الحرب الشمالية في العام 1721، وأقيمت احتفالات لذلك، كما أبرمت اتفاقية نيشتاد للسلام مع السويد، مكنت الإمبراطورية الروسية من السيطرة على مناطق مطلة على بحر البلطيق قرب عاصمتها الجديدة سانت بطرسبرغ، كما أصبح لها نافذة أوروبية، منها كما شرح موقع “روسيا اليوم”.
وصل عدد سكان الإمبراطورية الروسية إلى 125 مليون نسمة، وكان نصف السكان من العرق الروسي، لكنه شمل أيضاً ألماناً وسلافيين (شعوب شرق ووسط أوروبا) وآسيويين، وكان هناك حوالي 20 جنسية مختلفة داخل الإمبراطورية الروسية، ولكل منهم دينه وعاداته ولغته؛ إذ كان كثير من سكان الإمبراطورية لا يتحدثون الروسية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كان الغالبية العظمى من سكان الإمبراطورية من الفلاحين والأميين، وكان هناك نظام صناعي متواضع يتمركز في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبرغ التي كانت تعرف بـ “بتروغراد”، ثم “لينينغراد” التي ظلت عاصمة لروسيا القيصرية لأكثر من 200 عام، كما أنشأ بطرس الأول أسطولاً عصرياً، وأجرى إصلاحات للجيش وفتح مؤسسات تعليمية، لكن نظام الحكم كان ملكياً، يمنح السلطة المطلقة للإمبراطور.
من المعلومات المثيرة للاهتمام حول الإمبراطورية الروسية أنها كانت تستخدم التقويم اليولياني بدلاً من التقويم الغريغوري الذي تم اعتماده من قبل العديد من البلدان الأخرى في وقت مبكر من القرن السادس عشر، الذي كان يختلف في 13 يوماً في السنة، لذلك فقبل العام 1918 كانت الأحداث التاريخية لها تاريخان مختلفان، كما أشارت شبكة BBC.
في البداية؛ لم تقبل جميع الدول الأوروبية بسلطة الإمبراطور الروسي المطلقة، ولم يوافق عليها سوى هولندا وبروسيا الحليفين في الحرب الشمالية، لكن السويد اعترفت بحكمه بعد الهزيمة، ولم تعترف الدولة العثمانية بالإمبراطورية الروسية سوى العام 1739، وبعد أعوام تبعها اعتراف النمسا وإنجلترا، ثم إسبانيا وفرنسا، وبولندا بحلول العام 1764، لكن التوسع واستقرار الإمبراطورية انتهى مع قيام ثورة شيوعية على الحكم.
لكن مع دخول الإمبراطورية الروسية وانخراطها في الحرب العالمية الأولى، والأزمات الطاحنة وخصوصاً الاقتصادية التي حلت بالإمبراطورية، قام فريق “البلاشفة” (بلشفيك تعني “الأغلبية” بالروسية) من حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي بثورة على الحكم القيصري في روسيا.
إذ أدت ثورة قادها فلاديمير لينين في العام 1917 إلى وصول البلاشفة الشيوعيين إلى السلطة، وانهيار الإمبراطورية في عهد القيصر نيقولاي الثاني الذي أعدم وعائلته على يد البلاشفة الشيوعيين، وبعد نجاح الثورة الشيوعية، حاولت مناطق الاستقلال من طشقند إلى تبليسي، ومن كييف إلى هلسنكي، واستجاب قائد الثورة لبعض المطالب في البداية، قبل أن ينشر الجيش الأحمر الجديد لفرض السلطة السوفييتية في جميع أنحاء الإمبراطورية الروسية السابقة، وقد نجح في أوكرانيا وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى. لكنه فشل في فنلندا ودول البلطيق، ليؤسس في العام 1922 اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
الاتحاد السوفييتي
بعد انهيار الإمبراطورية الروسية، تأسس الاتحاد السوفييتي باعتباره دولة شيوعية نشأت بعد ثورة اشتراكية على روسيا القيصرية، وامتد حكم الاتحاد السوفييتي من عام الثورة في 1917 وحتى انهياره في العام 1991، وتوسع ليضم 15 جمهورية فصارت أكبر دولة في القرن العشرين.
وصلت مساحة الاتحاد السوفييتي إلى 22.402.000 كيلومتر مربع، أي نحو 15% من مساحة اليابسة، ووصل طول مساحته 10 آلاف كيلومتراً، بينما تراوح العرض بين 3000-4500 كيلومتر، وضم الاتحاد السوفييتي 12 دولة بينها دولاً إسلامية، وكان يحيط به 3 محيطات بخلاف البحار والأنهار.
وصل عدد سكان الاتحاد السوفييتي 293 مليون نسمة لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991، وقدرت أعداد المسلمين تحت حكمه بين 60 إلى 70 مليوناً من 120 قومية وعرقية ولغة مختلفة، إذ كانت السوفيتتي أي “المجلس” بالروسية يتكون من 15 جمهورية، شكل المسلمون أغلبية 6 جمهوريات منها.
كانت الجمهوريات السوفييتية يحكمها “مجلس السوفييت الأعلى” الذي ينتخب باقتراع عام للإدارة لـ 4 سنوات، وكان هذا المجلس يعين مجلساً آخر يُعرف بـ “مجلس رئاسة الدولة” وكانت مهمته ممارسة مهام رئيس الدولة بشكل جماعي، بالإضافة إلى تعيين مجلس الوزراء.
أعلن قيام “اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية” بقرار من مجالس السوفييت في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية، وجمهورية أوكرانيا، وجمهورية بيلاروسيا، وجمهورية ما وراء القوقاز، وتبنت الجمهوريات دستوراً موحداً، وفي العام 1922 اختيرت موسكو عاصمة للاتحاد بدلاً من لينينغراد التي صارت تعرف بسان بطرسبورغ منذ العام 1991.
بدأت الدول تعترف بالاتحاد السوفييتي بحلول العام 1924، بدأ الاعتراف من بريطانيا، ثم إيطاليا وفرنسا، لكن الولايات المتحدة لم تعترف بالاتحاد السوفييتي سوى العام 1933، وفي العام التالي انضم الاتحاد إلى هيئة “عصبة الأمم” التي حلت محلها منظمة الأمم المتحدة منذ العام 1945، كما حصل الاتحاد على عضوية دائمة مع 4 دول أخرى في مجلس الأمن بامتلاك الاتحاد لحق النقض “الفيتو”.
أما بالنسبة لأعداد القوات العاملة في الاتحاد السوفييتي، فقدرت بنحو 3.4 مليون فرد، فيما بلغت قوات الاحتياط 5.2 مليوناً، فضلاً عن أكثر من نصف مليون عنصر تابعين لجهاز الاستخبارات (KGB) ووزارة الداخلية.
اقتصاد الاتحاد السوفييتي كان الأول عالمياً في مجال الطاقة، إذ كان ينتج 20% من النفط العالمي، كما كان الاتحاد السوفييتي الثالث عالمياً في إنتاج الفحم، وبالنسبة للجمال الصناعي كان يشكل 70% من الإنتاج الوطني، وكان معظمه من الصناعات الثقيلة، كما كان متطوراً في الصناعات العسكرية والأسلحة النووية، وبحسب الإحصائيات السوفييتية الرسمية بالعام 1990، أي قبل عام على انهيار الاتحاد، فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي للاتحاد السوفييتي 2660 بليون دولار تقريباً، ومتوسط دخل الفرد 9130 دولاراً.
لكن مع حكم جوزيف ستالين أصدر دستوراً جديداً منحه سلطات مطلقة في الحكم، وفرض الشيوعية في مختلف أنحاء البلاد، وركز على التخطيط الاقتصادي، وإلغاء القطاع الخاص، كما بدأ حملات تطهير عرقي في الجمهوريات الإسلامية وإحلال بدل منها عرقيات روسية، كما حدث في عهده غزواً ألمانياً بقيادة أدولف هتلر، رغم توقيعهما معاهدة “عدم اعتداء”، لكن هتلر كان يسعى للكسب في الحرب العالمية الثانية، ثم دخل الاتحاد السوفييتي حرباً باردة مع الولايات المتحدة، وبدأت اضطرابات قومية أيضاً في الجمهوريات السوفييتية ومطالبات بالاستقلال، حتى تاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول 1991 حين أعلن انتهاء هذا الاتحاد بالكامل.
روسيا الحالية
أما روسيا الحالية تمتد 17,075,400 كيلومتر مربع، وتعتبر تاسع أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بأكثر من 143 مليون نسمة، وتمتدُّ روسيا عبر كامل شمال آسيا و40% من أوروبا، كما تغطي 9 مناطق زمنية مختلفة.
يحدها من الشرق بحر بيرنغ وبحر أخوتسك وبحر اليابان، وهذه البحار الثلاثة تتفرع من المحيط الهادئ. ومن الغرب تحدها بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، لاتفيا، إستونيا، خليج فنلندا، والنرويج، ويقع إقليم كاليننغراد الروسي بين ليتوانيا وبولندا. بينما يحدها من الشمال بحر بارنتس، بحر كارا، بحر لابتيف، بحر شرق سيبريا، وبحر تشوكوتكا، وجميع هذه البحار تتفرع من المحيط المتجمد الشمالي. أما من الجنوب فتحدها الصين، منغوليا، كازاخستان، أذربيجان، جورجيا والبحر الأسود. بينما تجاورها من أقصى الجنوب الشرقي كوريا الشمالية.
وفقاً للدستور الروسي، فإن الاتحاد الروسي دولة فيدرالية ذات نظام حكم شبه رئاسي، فيه رئيس الدولة، ورئيس الوزراء الذي يرأس الحكومة، والحكومة الفيدرالية تتكون من 3 سلطات تتمثل في سلطة تشريعية، وتنفيذية، وقضائية.