الناس غاضبون وناقمون ومتعبون، ويشعرون بحنين غريب لعهد صدام حسين، الرئيس الذي تجمعت ضده كل دول العالم وفي نهاية المطاف أعدمه الشيعة انتقامًا.
في شارعٍ تمتدُّ الأوساخ والعشوائيات وعربات الباعة على جانبيه مثل خطين أبديين، يقف مجموعة من العراقيين، يبدو على ملامحهم كل تعب الدنيا، يصنعون هلالاً حول مراسل ميداني يسأل الناس عن أحوالهم وآرائهم في الحياة اليومية والبلاد. يقول له مواطن يرتدي دشداشة كأنه لم يخلعها منذ زمن بعيد، وعلى وجهه تنبت لحية مهملة: أقول لك شيئاً، أنا وفي كل صباح، عندما أركب سيارتي وأخرج على باب الله، أقرأ الفاتحة على روح صدام حسين. ثم يسكت. المراسل: لماذا؟ لأنه أشرف من هؤلاء اللصوص الفاسدين، انظر ماذا فعلوا بنا. ثم ينفجر بالغضب، ويسترسل بشتائمه على كل من جاؤوا إلى السلطة بعد 2003، العام الذي سقط فيه نظام صدام حسين واستولت الأحزاب الشيعية التي جاءت من إيران والحركات الوهابية التكفيرية التي توغلت في بلاد الرافدين ودول المنافي الأوروبية على الحكم، بدعم كامل من قوات الاحتلال (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا).
يحدث مثل هذا المشهد في شوارع ومدن كثيرة في العراق، كلما تجوَّل مراسل أو كاميرا قناة تلفزيونية لاستطلاع آراء الناس. إنهم غاضبون، وناقمون، ومتعبون، ويشعرون بحنين غريب لعهد صدام حسين
أمام الكاميرا، وفي إحدى مدن جنوب العراق، تقف امرأة وسط مجموعة من الرجال وتنتقد الحال الذي وصل إليه العراقيون: لو يعود صدام حسين، أقسم بالحسين أنني سأنتخبه بالدم”، وترفع إصبعها أمام الكاميرا، ثم تعيد الجملة بكل إصرار الغاضبين، وتعبر عن حسرتها لأنَّ صدام حسين رحل ولم يقتل هؤلاء السياسيين الذين جاؤوا بعد 2003. تقول إنهم ليسوا رجال، وجميعهم (المعمم والسياسي والعسكري) وقفوا ضد الشعب العراقي وسرقوه.
مواطنون آخرون، لا يترددون باستذكار عهد صدام حسين والتعبير عن مشاعر الحنين لتلك الأيام، في بغداد، وعشرات المدن العراقية التي عاشت القمع والجوع والخوف والحروب في عهد صدام الذي اتسم حكمه بالقسوة والقبضة الأمنية، ولكن كان العراق حينها قبلة للعلم والتطور والرفاهية بشكل عام. بينما نرى الآن الشعب يقف طوابير للحصول على الغاز والدواء والغذاء، وصار عادياً مشهد العوائل العراقية التي تُخرج أثاث منازلها وأجهزة التلفاز وتعرضها للبيع في سوق الخردة.
بعد ستة أشهر من الحصار الأممي الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على العراق في 6 آب/ اغسطس 1990، وكان القرار 661 ينص على فرض حظر اقتصادي شامل، ويحظر على جميع دول العالم أي تبادل تجاري مع العراق، انهارت الدولة، فرغت الأسواق والمخازن من الغذاء والدواء وكل ما يتعلق ببقاء الإنسان حياً في أي مجتمع، وبلغ حجم التضخم في العملة العراقية 24000 في المئة سنوياً. وكان العراقيون يهنّؤون بعضهم في الشوارع عندما يتوفَّر العدس في الأسواق ويتمكنون من شرائه.
استراتيجية “فرق تسد” في العراق
يشعر العراقيون بالإهانة دائماً من تحكم إيران في بلادهم، إنها تتدخل من خلال موظفي سفارتها وضباطها بأكثر القرارات السيادية حساسيةً. قبل اغتياله قرب مطار بغداد الدولي، كان قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، هو من يختار رئيس الوزراء، ولا يُنصب رئيس الحكومة إلا بمباركة إيران، وتدعم إيران وتدرب وتمول مليشيات مسلحة تفرض سيطرتها وسطوتها على المدن العراقية، وتنهب موارد الدولة، وتهرِّب النفط، وتأخذ الإتاوات من الشركات والناس، وتسهل عملية تجارة المخدرات والترويج لها، وتنشر الفساد والسلاح والفوضى منذ 2003
الولايات المتحدة لم تتعامل مع العراق بشكل مختلف، فالجيش الأمريكي وسلطة الاحتلال كانت طيلة وجودها في العراق، تتعامل باستعلاء واحتقار تجاه البلد سلطةً وشعباً. فمجلس الحكم الذي شكله الحاكم المدني بول بريمر كان يشبه 25 دميةً يحركها كيفما شاء ووقتما يشاء. وأكثر شيء يتذكره بريمر عن ذلك المجلس الذي شكله جيش الاحتلال على أساس طائفي، هو أن أعضاء المجلس في اجتماعهم الأول معه، ناقشوه أول ما ناقشوه وسألوا عنه هو مرتباتهم الشهرية. لذا فمن الطبيعي أن ينظر إليهم بالعين التي يرى بها مجموعة من اللصوص جاءت بهم الولايات المتحدة ليحلوا محل طاغية حكم العراق بالخوف والاستبداد.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
أما الجيش الأمريكي والشركات الأمنية فكانت تتعامل مع العراقيين على أنهم أشياء لا بشر، تماماً كما كان الجنود اليابانيون يتعاملون مع الصينيين في الحرب العالمية الثانية. كان الجنود الأمريكيون يقتلون المدنيين العراقيين في الشوارع من أجل تزجية الوقت والمتعة، ويدهسون بمدرعاتهم ودباباتهم على المركبات المدنية التي تسير أمامهم، ويقتحمون البيوت في أي وقت لاعتقال أو قتل من يشكون -لمجرد الشك – أنه مصدر تهديد. هذا ما قاله الجنود بعد أن شبعوا من القتل وممارسة العنف وعادوا إلى بيوتهم في الولايات الأمريكية الآمنة، وشكلوا مجموعة اسموها About Face: Veterans Against the War تضم عدداً من الجنود الذين يشعرون بتأنيب الضمير من جرائمهم التي ارتكبوها في العراق وأفغانستان.
الزمن بتوقيت الرئيس
“يكفي أنه وقف بوجه إيران، وحافظ على سيادة العراق، وكان العراقيون يحصلون على كامل مفردات البطاقة التموينية في أيام الحصار، ويستطيعون الذهاب إلى أي مدينة في الجنوب والشمال والشرق والغرب، دون أن يعترضهم أو يمنعهم أحد، لم تكن عندنا ميليشيات ولا تنظيم وهابي كالقاعدة ولا داعش”.
ما تزال الفوضى والفساد وانهيار البنى التحتية وانتشار الفقر والجريمة والمليشيات والسلاح والصراع الطائفي، هي السمات الأشد وضوحاً للبلاد. اقتصاد ما يزال ريعياً، يعتمد على النفط فقط، وقطاعات الخدمات الصحية والتعليمية والصناعية والزراعية كلها منهارة، بلد لا ينتج غير العاطلين عن العمل، مع ارتفاع مرعب لمعدل الفقر الذي تجاوز عام 2021 حاجز الـ 40 في المئة من تعداد السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة