يقول المولى عزل وجل: “ولتَعْرِفَنَّهم في لحن القول”
ستعرف المنافقين بمنحى الكلام وبخلاصاته، وتكتشف زيف ما يدعون في كل حادثة جديدة، فتقارن بين المعطيات وتصل إلى أن الذي تستمع إليه كاذب، هكذا يجب أن تتعامل مع الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
يقول هربرت أ. شيللر في مقدمة كتابه “المتلاعبون بالعقول” ما نصه: “يقوم مديرو أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسس عملية تداول الصور والمعلومات ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها، تلك الصور والمعلومات التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا، بل تحدد سلوكنا في النهاية”.
إن مهمة الإعلام ليست تقديم الحقيقة كما يشاع، إن دورها الحقيقي يكمن في تحويل الناس إلى قطعان ماشية.
يلاحظ في العقد الأخير، تركيز الأنظمة على الإعلام، وليس من قبيل الصدفة تلقي إعلاميين لأجور ضخمة، مقابل تقديم برنامج من حلقة أو حلقتين في الأسبوع.
لا شك أن الإعلام اليوم لم يعُد في خدمة الأنظمة فقط، فمع شبكات التواصل الاجتماعي وطفرة المعلومات باتت الشعوب في مرمى نيران الكل، وخاصة المنظمات الأجنبية، ذات الأهداف الأيديولوجية، والتي غالباً ما كانت تعتمد على النظام الحاكم في توجيه الشعب إلى ما تريد.
في معظم الدول العربية تنكشف أهداف الأنظمة بسهولة، نشر للتفاهة والبذاءة والانحلال الأخلاقي، ووقوف في وجه كل من يحاول إصلاح المجتمع أو توجيه النقد لحملة الانحلال، فكم هم المفكرون والعلماء والشباب الذين زُج بهم في سجون الأنظمة العربية نظراً لوقوفهم في وجه الانحلال الأخلاقي؟!
منذ 11 سبتمبر/أيلول لم يعد العالم كما كان عليه سابقاً؛ وخاصة العالم العربي، فمشروع التضييق على المسلمين الذين تأثروا بسبب أتباع الدين الوهابي الذين تسببوا في الأحداث، لم يراهن على اجتثاث الفكر الوهابي المتطرف وحسب، بل شغل تغيير الإسلام محوره!
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
واليوم ونحن أمام واقع الحرب على أوكرانيا نشتم رائحة العنصرية المقيتة من الإعلام الغربي وحتى في إعلامنا، ونرى كيف يكيل العالم بالمكيالين، فمن جهة يعتبر دفاع الفلسطيني والعراقي عن أرضه إرهاباً وتنظيماً متطرفاً؛ بينما دفاع الأوكراني بطولة وشهامة، فيحتفى بالأوكراني وتنتشر صوره ويعده العالم سوبرمان، وينكَّل بالمسلم ويسخر منه ويتابع ويتهم بالإرهاب وإثارة الفتن!
تملأ صور الرئيس الأوكراني وهو يحمل السلاح منصات التواصل الاجتماعي؛ فلا وصفه أحد الخلائق بالتطرف ولا رُمي بالرجعية والتخلف، ولا طالب المتنورون العرب بمراجعة النصوص الدينية في أوكرانيا، بل فهم العالم أن الرجل يدافع عن أرضه ضد عدو خارجي (لسنا في مقام تفسير الأحداث)؛ وأدرك الكل أن الشعوب يحق لها استعمال القوة في مواجهة الأعداء الذين يريدون تخريب أرضهم والسيطرة على مدخرات الأمة، وفهم الجميع أن الدبلوماسية لا تنفع مع من رفع السلاح في وجهك وقصف مبانيك وهجر شعبك، لا شك أن الجميع تفاعل مع أوكرانيا من منطلق عقلاني.
لكن حين يتعلق الأمر بقضايا بلاد المسلمين تنقلب الصورة، فلن يعتبر المسلم مدافعاً عن أرضهم ولا الرئيس مجاهداً وبطلاً، ولن يصبح العنف حلاً، ولا حمل السلاح واقعاً؛ أبداً، كل هذا سيتغير، وعوض الاحتكام إلى العقل، سيفسرون الأمور من منطلق أيديولوجي بحت، فيقولون أنتم مسلمون متخلفون ونحن الأوربيين والأمريكان السادة المتقدمون، ووقوفكم في وجه جيوشنا إرهاب وتطرف، ونتيجته تدمير أرضكم وسجن وتعذيب مجاهديكم، وحلل وناقش!
لا يكف العالم عن إبهارنا في كل يوم وليلة، فالجنون بات قرينة ولصيق قرارات سياسية، وحتى مثقفين وأحداث رياضية، ولنأخذ كرة القدم كمثال، أليس ممنوعاً على لاعبي كرة القدم الحديث في الأمور السياسية؟ ألم يعاقب وينبذ اللاعب “مسعود أوزيل” لأنه تضامن مع الشعب الإيغوري المسلم؟ ألم يتم إيقاف لاعب جودو جزائري لأنه رفض اللعب مع لاعب من الكيان الصهيوني؟ ألم يغرم عمر كانوتي حين تضامن مع غزة؟
حدث كل ذلك، واعتبرت أعمالهم منافية للرياضة؛ واليوم يتعاطف الكل مع أوكرانيا وتقرر الدول مقاطعة روسيا رياضياً، بل يبكي الجمهور مع اللاعبين الأوكرانيين، وترفع الأعلام في الملاعب، وتعزف الألحان وتوقف المباريات دقائق حزناً على المأساة، ويضطر رئيس تشيلسي أبراموفيتش للاستقالة، ويفك فريق شالكه عقده مع شركة الغاز الروسية؛ وغير ذلك كثير؛ فهل خرجت فيفا بأي قرار يمنع هذا؟ هل غُرّم اللاعبون والأندية؟ هل نبذ ليفاندوفسكي لأنه قرر عدم مواجهة روسيا؟ هل ستعلق أنشطة شالكه لأنها أدخلت الرياضة في السياسة؟
لن يحدث أي شيء، فببساطة كل ألوان التضامن حلال إذا ما تعلق الأمر بدولة غير عربية وغير مسلمة، وكل ألوانه حرام وبإجماع فقهاء فيفا إن تعلقت ببلد مسلم وخاصة فلسطين، وأؤكد على فلسطين، لأن مسألة كون فلسطين بلاداً اغتبت من أصحابها تؤرق ضمائرهم ويريدون نسيانها، لأن كلهم شاركوا في صناعة هذه المأساة.
هذا المقال ليس موجهاً لهم، إنه موجه لك أيها العربي المسلم وغير المسلم، عليك أن تدرك مدى جنونهم وانحيازهم لكل ما هو غربي، وأن تكتفي من جلد ذاتك وأمتك وتاريخ أمتك في كل مرة، وكفاك من النفاق وعد لرشدك، فأنت لست بساذج، وإياك أن تدع الإعلام يرسم لك طريقاً أو يعبد لك فكراً، واحذر من الخطابات المعسولة التي يتقاذفها المتنورون في العالم العربي، فجلهم خدام الغرب، وجواسيسه وأقرانه، وهم معروفون.
في الختام نقول:
ما كل ما سبق لا يعني أبداً- مهما حاولت التذاكي- أننا لا نتعاطف مع مآسي العالم، فنحن نتابع الأحداث بحزن شديد، ونرجو ألا تستمر الحرب، فلسنا الشامتين إذا اُبتلي الناس، حتى لا يخرج علينا قوم يظنون أن الله لم ينزل الرحمة إلا في قلوبهم، وحتى لا يعتقد البعض أن المسلمين يشمتون في الآخرين ويتمنون الدمار للعالم، فقد علَّمنا ربنا “”من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”..
وأوصانا رسول الله، عليه الصلاة والسلام: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”.
ببساطة:
“نحن ضد الحرب وضد النفاق”..