منذ بداية شهر رمضان المبارك، وعلى وقع التصعيد في الأراضي المحتلة، تصاعدت الدعوات والتهديدات من قبل “جماعات الهيكل” المزعوم الصهيونية وحاخاماتها لاقتحام المسجد الأقصى المبارك خلال ما يعرف بـ”عيد الفصح” العبري، الذي يتزامن هذا العام مع منتصف شهر رمضان، وذلك لتقديم ما يسمى بـ”قرابين عيد الفصح” وذبحها داخل باحات المسجد لأول مرة. فما هي جماعات الهيكل؟ وماذا سيعني نجاحها بذبح “قرابين الفصح” داخل الأقصى؟
ما هي جماعات الهيكل الصهيونية المتطرفة؟
ظهرت أولى مجموعات ما يعرف بـ “جماعات الهيكل” الصهيونية المتطرفة في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد احتلال جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس في عام 1967، والتي تدعى “جماعة أمناء جبل الهيكل”، وهي أبرز “جماعات الهيكل” المنتشرة اليوم في إسرائيل التي يصل تعدادها إلى العشرات.
و”أمناء جبل الهيكل” هي حركة يهودية أرثوذكسية متطرفة مقرها القدس، وهدفها الأساسي بناء ما يسمى بـ”معبد هيكل سليمان” مكان المسجد الأقصى وإعادة معهد ممارسة التضحية الطقوسية. وتأسست الحركة عام 1967 على يد غيرشون سالمون وهو ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أعضاؤها يدعون علناً إلى هدم المسجد الأقصى، إضافة إلى طرد جميع المسلمين والمسيحيين مما يسمونه “أرض إسرائيل”.
وخلال العقود الماضي، نشأت وتطورت العديد من جماعات الهيكل الصهيونية، وخصيصاً بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، وبشكل عام، تعتبر هذه الجماعات أن إقامة ما يعرف بـ”هيكل سليمان” المزعوم مكان المسجد الأقصى بمثابة جوهر الوجود الصهيوني على أرض فلسطين.
ومنذ عام 2003، وهو العام الذي بدأ فيه اقتحام اليهود المتطرفين للمسجد الأقصى بقرار قضائي، أصبحت هذه المنظمات تمتلك نفوذاً كبيراً داخل مؤسسات دولة الاحتلال وحصة متنامية داخل الكنيست الإسرائيلي، لتحدد السياسات العامة في الدولة وتحقق العديد من المكاسب في تهويد القدس.
وتعمل الجماعات على بناء سياسات بهدف طرد الفلسطينيين من أرضهم والنيل من صمودهم عن طريق اتباع كافة السبل التي تهدد حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم؛ وذلك بدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وحتى التشريعية في دولة الاحتلال، كما يقول مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
وتبرز العشرات من الجماعات الصهيونية المتطرفة، لتشكل كتلة داخل اليمين الإسرائيلي وتشارك في تكوين الحكومات اليمينية المتعاقبة، وتضم أتباع التيار القومي الديني الذي يقوم على مزج مبدأي القومية والدينية اليهودية.
أعدادها بالعشرات.. أبرز “جماعات الهيكل” الصهيونية
إلى جانب حركة أمناء الهيكل، التي تتخذ من مدينة القدس المحتلة مقراً لها، ولها فرع في الولايات المتحدة يقوم من خلاله مسيحيون صهاينة من كاليفورنيا بدعمها مالياً، فيما يلي أبرز المنظمات والجماعات الصهيونية التي تستهدف على وجه الخصوص مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، وتسعى لإقامة الهيكل المزعوم، وعددها يتجاوز الـ60 جماعة، بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني:
1- منظمة “إحياء الهيكل”: وهي جماعة يهودية تعتبر من أكثر الجماعات تطرفاً، وتسعى لضم الجماعات اليهودية المهتمة بهدم الأقصى في جماعة واحدة، وتمثل الإطار العام لمعظم المنظمات المعنية بما يدعونه “جبل الهيكل”، ويتزعمها الحاخام “هليل وايز”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
2- جماعات “حراس الهيكل”: وتضم عدة منظمات صهيونية أبرزها “معهد الهيكل” التي تأسست عام 1983 على يد الحاخام “يسرائيل أرييل” في الحي اليهودي بالقدس، ويؤمن قادتها بأن بناء “الهيكل” لن يتم عن طريق المعجزات بل من خلال مبادرات عملية فعالة. وتتلقى هذه المنظمة دعماً من الحكومة الإسرائيلية وبعض المنظمات الصهيونية القومية؛ إضافة إلى بعض الجماعات المسيحية الأصولية. واشتهر الحاخام أرييل بفتاواه التي تبرر تدمير ممتلكات العرب وإبادتهم وتصفية وجودهم في فلسطين المحتلة في الثمانينيات.
3- “الاستيلاء على الأقصى”: أعضاؤها يدعون علناً إلى هدم المسجد الأقصى، إضافة إلى طرد جميع المسلمين مما يسمونه “أرض إسرائيل”، ومن أهداف هذه الحركة أيضاً تهويد مدينة الخليل، والاستيلاء على المسجد الإبراهيمي الذي أطلقوا عليه اسم “كنيس ماكفير”، ومن أبرز رموزها: يسرائيل أرييل، والحاخام كورن الذي يعد المرشد الروحي لعدد من اليهود الذين قاموا بالاعتداء على المسجد الأقصى عام 1986.
4- “صندوق تراث جبل الهيكل”: وهي جمعية مسجلة أسسها الحاخام المعروف “يهودا جليك” عام 2012 وسجلت كجمعية رسمية عام 2013. ومن أهدافها الرئيسية “تقوية الترابط بين الشعب الإسرائيلي و”جبل الهيكل”، وكذلك تقوية التوعية بمركزية ومحورية “جبل الهيكل” في التراث الإسرائيلي، وتشجيع الصعود إلى “جبل الهيكل” بحسب الشريعة اليهودية.
5- متطوعون من أجل تشجيع الصعود إلى جبل الهيكل (يرائيه): نشط وظهر اسم هذا التنظيم عام 2015، ويقوم بتشغيل متطوعين يستقبلون ويرشدون المقتحمين للأقصى، كما يقومون برصد الاقتحامات ونشر أخباره وتعميم الفتاوى والشعائر المتعلقة بـ “الصعود إلى جبل الهيكل”، وتنظيم اقتحام دوري يقوده الحاخامات.
6- مجلس “السنهدرين الجديد”: أو “مجلس اليهود الكبير”، حيث ينظر إليه على أنه محكمة عليا للأمة اليهودية، والذي أسسه مجموعة من حاخامات التيار القومي- الديني بقصد إحياء الهيكل المزعوم وإقامته في مكان المسجد الأقصى، وإحياء كامل عباداته التوراتية، ومن أبرز مؤسسيه الحاخام “أرييه ليبو”، والحاخام يهوذا كروز.
ما هي “قرابين عيد الفصح العبري” التي تنوي “جماعات الهيكل” تقديمها في باحات الأقصى؟
منذ بداية شهر رمضان المبارك في مطلع إبريل/نيسان الجاري، نشرت جماعات الهيكل المتطرفة دعوة مركزية لاقتحام المسجد الأقصى طوال أيام “عيد الفصح” الذي يبدأ يوم الجمعة 15 وينتهي يوم السبت 23 إبريل/نيسان، وذلك بعدم تقديم “قرابين الفصح”، وهو ما تعهد بفرضه زعيم جماعة “العودة إلى جبل الهيكل” رفائيل موريس.
وقال موريس في رسالته لشرطة الاحتلال في مطلع رمضان: “سأصل كما هو مخطط مع رفاقي عشية عيد الفصح لتقديم القربان… لنوضح للعالم بأن هذا هو ردنا الصهيوني الأصيل على موجة الإرهاب، أن نعلن السيادة اليهودية الكاملة على جبل الهيكل”.
من جانبه، قال الحاخام يهوذا كروز، أمين سر مجلس “السنهدرين الجديد”، في كلمة ألقاها خلال اقتحامه للمسجد الأقصى يوم الثلاثاء 5 نيسان/إبريل، إن “كل شيء جاهز لتقديم ذبيحة الفصح في جبل المعبد، وفي الوقت المحدد هنا مكان المذبح”، مشيراً إلى “قبة السلسلة”.
ووفقاً للتعاليم التوراتية، فإن قرابين الفصح يجب أن تُذبح عشية عيد الفصح، وأن ينثر دمها عند قبة السلسلة التي يزعم المتطرفون أنها بُنيت داخل ساحات المسجد الأقصى لإخفاء آثار “المذبح التوراتي”.
ويقول الباحث في شؤون القدس زياد إبحيص، لوكالة الصحافة الفلسطينية “وفا”، إن إحياء “جماعات الهيكل” طقوس “القربان”، تحد كبير لكل مسلمي العالم تحت حماية سلطات الاحتلال، ويشكل إحياءً لـ”الهيكل” المزعوم؛ إذ ترى هذه الجماعات أن” القربان هو الطقس اليهودي المركزي الذي اندثر باندثار الهيكل، وأن إحياء طقس القربان يشكلّ إحياءً معنوياً للهيكل بالتعامل مع الأقصى باعتباره قد بات هيكلاً حتى وإن كانت أبنيته ومعالمه لا تزال إسلامية”.
وأوضح إبحيص أن تلك الجماعات المتطرفة عقدت بالفعل محاكاة كاملة لـ”قربان الفصح” في منطقة القصور الأموية الملاصقة تماماً للأقصى من جهة القبلة، وذلك يوم الإثنين 11 إبريل/نيسان. وتظهر مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية ومحلية فلسطينية، أن أعضاء جماعات الهيكل قاموا مساء الإثنين بذبح قرابينهم خلال المحاكاة تمهيداً لفعل الأمر ذاته خلال عيد الفصح الذي سيبدأ مساء يوم الجمعة.
وفي تصعيد خطير، أعلنت حركة “العودة إلى جبل الهيكل” اليوم الثلاثاء 12 نيسان/إبريل، عن تقديم مكافأة مالية لمن ينجح بتقديم “قربان الفصح” في المسجد الأقصى المبارك. وجاء في نص الدعوة التي نشرتها الحركة أن “هذه المسابقة جاءت في ضوء تهديدات حركة حماس ومنع شرطة الاحتلال لإدخال القرابين إلى المسجد الأقصى خلال عيد الفصح”.
وبيّنت الحركة المتطرفة في دعوتها أن “من يُحاول تقديم القربان ويفشل سيحصل على 400 شيقل، ومن يحاول وينجح قليلاً سيحصل على 800 شيقل، أما من ينجح في ذبح القربان في الأقصى فسيفوز بمبلغ مالي قيمته 10 آلاف شيقل”، أي ما يعادل حوالي 3100 دولار أمريكي.
ويتضمن “عيد الفصح العبري” طقوساً توراتية يتخللها إدخال “فطير العيد” للأقصى، وقراءة جماعية لمقاطع من “سفر الخروج”- الذي يتحدث عن خروج بني إسرائيل من مصر- بالإضافة إلى دخول طبقة “الكهنة” بلباس “التوبة” البيضاء لتكريس قيادتهم للطقوس التوراتية في الأقصى باعتباره مركزاً للعبادة التوراتية، كما تزعم هذه الجماعات.
برميل بارود.. تحذيرات من انفجار الأوضاع في القدس بالتزامن مع تهديدات “قرابين الفصح”
يحذر مراقبون من خطورة ما ينتظر المسجد الأقصى خلال “عيد الفصح اليهودي”، على ضوء تلك الدعوات والتهديدات باقتحامه وتقديم القرابين بداخله، حيث حذر نائب مدير دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة الشيخ ناجح بكيرات من أن “حكومة الاحتلال بكافة أذرعها ومستوياتها تريد من خلال تلك التطورات والأحداث، تسخين الوضع واستفزاز المقدسيين والمصلين والوافدين للأقصى”.
وبحسب الشيخ بكيرات، فإن حكومة الاحتلال تريد تحقيق ثلاثة مسارات، أولاً: ترويض المجتمع المقدسي والمحلي والعالمي على قبول الانتهاكات الصهيونية داخل القدس عاصمة الشعب الفلسطيني، سواء كان من خلال المظاهرات أو اقتحامات الأقصى قبل المتطرفين وغيرها، حتى يصبح الأمر وكأنه مقبولاً.
وأما المسار الثاني، وفقاً لبكيرات، فإن حكومة الاحتلال تريد إرسال رسالة بأنه “لم يعد هناك شيء مقدس لديها، والمسجد الأقصى ليس مقدساً عند المتطرفين اليهود، وكذلك رمضان، لذلك تتعدى على كل المقدسات لترسل رسالة للعالم الإسلامي بانتهاء قضية القداسة العربية والإسلامية على الأقصى”.
وفي المسار الثالث، فإن الاحتلال يحاول من خلال إجراءاته، تفريغ المدينة المقدسة من الفلسطينيين، عبر الاعتقالات والإبعاد، ونشر عناصر الشرطة، من أجل تهيئتها للأعياد اليهودية.
ويشير بكيرات خلال حديث لوكالة “صفا”، إلى أن هناك صراعاً مستمراً، ومستقبلاً غامضاً ينتظر القدس، نتيجة ممارسات الاحتلال وإجراءاته الممنهجة، في مقابل زيادة التلاحم والمواجهة مع المحتل.
ويقول الشيخ بكيرات: “إذا حلم الاحتلال يوماً أنه استطاع أن يفرض الصلاة الصامتة في الأقصى كما يظن، وأن يدخل المقتحمون من باب المغاربة، فلا يحلم بأن يقدم قرابين الفصح بداخله، لأن ذلك سيؤدي إلى تقديم قرابين بشرية، فالأقصى عبارة عن برميل بارود، والمساس بقدسيته وعقيدته يُنذر بحرب دينية لها بداية دون أي نهاية”.
من جهتها، حذرت فصائل المقاومة الفلسطينية الإثنين، من أن مخطط “جماعات الهيكل” لذبح القرابين المزعومة في المسجد الأقصى يعد تجاوزاً للخطوط الحمراء، وبمثابة “لعب بالنار”، مضيفة أن خطوة المستوطنين المخطط لها هي استفزاز لمشاعر العرب والمسلمين، وبداية “أيام سوداء” للاحتلال ومستوطنيه، بحسب تعبيرها.