مع حلول عيد الفصح اليهودي من كل عام، يتصدر المسجد الأقصى الواجهة الإعلامية والحلبة السياسية، باعتباره هدفاً مستمراً للمستوطنين الإسرائيليين و”جماعات الهيكل” اليهودية.
فمن الدعوات لحشد أكبر عدد من المقتحمين للمسجد، إلى الدعوات لذبح قرابين الفصح داخله، تظل القدس أسيرة في حالة تأهب، والعالم في حالة ترقب.
وبينما تنفي إسرائيل الرسمية السماح بذبح القرابين داخل المسجد، فإن الاقتحامات الجماعية ما زالت قائمة، وهو ما ينذر بعودة مشاهد عنف عاشها “الأقصى” خلال رمضانات سابقة.
وأعلنت جماعات استيطانية إسرائيلية، عبر منصات اجتماعية، اعتزامها ذبح قرابين “عيد الفصح” (يبدأ اليوم الجمعة 15 أبريل/نيسان 2022 ويستمر أسبوعاً) في ساحات المسجد الأقصى، وحثت أتباعها على محاولة القيام بذلك.
وأفادت قناة “كان” بأن الشرطة اعتقلت مساء الأربعاء مستوطناً يهودياً كتب على أحد مواقع التواصل أنه يخطط لتقديم قربان الفصح في الحرم القدسي الجمعة خلال تواجد آلاف المسلمين داخله للصلاة.
ونفى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ صحة أنباء عن اعتزام مستوطنين ذبح قرابين “عيد الفصح” اليهودي في المسجد الأقصى، وقال إن بلاده تحافظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي (المسجد الأقصى)، بحسب وسائل إعلام عبرية.
ويُقصد بـ”الوضع الراهن” في الحرم القدسي ما كان عليه الحال خلال فترة حكم الدولة العثمانية، واستمر خلال الانتداب البريطاني على فلسطين (1917-1948) ثم الحكم الأردني (1948-1967).
كما نفت الشرطة الإسرائيلية، صحة “ذبح القرابين”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وتعهدت الشرطة في تصريح مكتوب أرسلت نسخة منه لوكالة الأناضول، الخميس، بعدم السماح بانتهاك النظم المتبعة في المسجد الأقصى.
وقالت الشرطة الإسرائيلية: “إن النُّظم المتبعة في الحرم القدسي وفي الأماكن المقدسة الأخرى في مدينة القدس كانت وستبقى محفوظة في جميع الأوقات، ولن نسمح للمتطرفين والمجرمين من أي نوع بانتهاكها”.
وأضافت أنها ستعمل “ضد أي شخص يحاول خرق النظام العام أو القانون أو التعليمات المتبعة والقائمة في الحرم القدسي وسائر الأماكن المقدسة الأخرى في المدينة”.
وفي ذات السياق، استبعد مراقبون تحدثوا لوكالة الأناضول، حدوث عمليات تقديم القرابين، داخل المسجد، لكنهم حذروا من أن التوتر الحالي واستمرار الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد، قد يؤدي لاندلاع صراع جديد.
ورغم النفي الإسرائيلي، قوبلت الدعوات لاقتحام الأقصى وذبح القرابين برفض فلسطيني وعربي وإسلامي واسع.
ومنذ عام 2003، تسمح إسرائيل أحادياً لمستوطنين إسرائيليين باقتحام المسجد الأقصى وترافقهم، ولكنها لم تسمح لهم بتقديم قرابين الفصح داخل ساحات المسجد.
وكانت الرئاسة الفلسطينية والفصائل، بما فيها حركة “حماس”، حذرت من مغبة السماح للجماعات الاستيطانية بتقديم قرابين الفصح اليهودي في المسجد الأقصى.
كما حذر علماء، يمثلون 40 منظمة إسلامية حول العالم بينها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الأربعاء، من “المخططات والتحشيدات الصهيونية لاقتحام المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان”.
وقالوا إن “الاقتحامات المتوقّعة يراد منها ترسيخ ما يصبو إليه العدو الصهيوني من جعل المسجد الأقصى حقاً مشروعاً للصهاينة، وخاضعاً لكل مخططاتهم”.
اقتحامات بلا قرابين
صحيح أن ذبح القرابين اقترب تدريجياً خلال السنوات الماضية، وباتت طقوسه تقام قريباً من القدس، لكن الإقدام على الذبح داخل المسجد، قد يفجر المنطقة، وفق محللين تحدثوا لوكالة الأناضول.
ويتوقع الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي عطا القيمري، استمرار المستوطنين في اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، لكن “ليس بالآلاف” كما تسعى الجمعيات التي تدعو لذلك.
وأضاف أن “الاقتحامات ستكون عادية كما في باقي الأيام، وإذا كان هناك جماعات ستقدم قرابين داخل المسجد ستمنعها الشرطة الإسرائيلية”.
وتجري اقتحامات “الأقصى” على فترتين: صباحية وبعد الظهر من الأحد إلى الخميس من كل أسبوع.
واقتحم أكثر من 34 ألف مستوطن إسرائيلي المسجد الأقصى خلال 2021، مقارنة مع نحو 30 ألفاً عام 2018، وفق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية.
وتتم اقتحامات المستوطنين من خلال باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد الأقصى، والذي تستولي إسرائيل على مفاتيحه منذ احتلال القدس الشرقية والمسجد عام 1967.
ويُرجح القيمري استمرار الوضع القائم في المسجد، لأن “أي تغييرات شاملة ستفجر الأوضاع، خاصة في رمضان”.
وأشار إلى أن التلويح بذبح القرابين يحدث كل عام، وفي كل عام يحاول المتطرفون الوصول إلى الأقصى، وتوقفهم الشرطة الإسرائيلية وتمنعهم.
أساس التخوف
مع ذلك، يشير الكاتب الفلسطيني القيمري إلى وجود “أساس للتخوف” الفلسطيني والإسلامي؛ نظراً “لاستمرار محاولات تغيير الوضع القائم، ونظراً لأن الجماعات الصهيونية الدينية التي تدعو لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى كانت هامشية، واليوم هي صانعة قرار في الحكومة، من خلال الأحزاب التي تمثلها”.
وأضاف: “بعد أن كان كبار حاخامات إسرائيل يحظرون دخول المسجد الأقصى قبل عشرات السنين، فإن الاقتحام ليس موضع نقاش بينهم الآن، بل تحوّل جزء كبير منهم إلى تأييده وحتى أداء طقوس دينية فيه”.
وتابع: “من حق الناس أن تتخوف، لأن اليمين والصهيونية الدينية اليوم في الحكومة”.
دواعي منع القرابين
ويرى الكاتب الفلسطيني أن الحكومة الإسرائيلية لن تسمح بذبح القرابين “ليس احتراماً للمكانة والوضع القائم، وإنما بسبب التخوف من النتائج الميدانية، وخطورة القرار استراتيجياً، وحفاظاً على علاقاتها في المنطقة، وخاصة دول الخليج المطبّعة، والأردن الذي يقوم بدور الرعاية للمقدسات في القدس”.
وعلى أية حال، لا يستبعد القيمري عودة مشهد المواجهات التي جرت في المسجد خلال شهر رمضان في السنوات الماضية، ووصلت في مايو/أيار 2021 إلى مواجهة عسكرية في غزة.
نذير خطر
من جهته، يتوقع محمود أبو عطا، الباحث المختص في شؤون المسجد الأقصى، بدء اقتحامات إسرائيلية واسعة للمسجد، بدءاً من الأحد القادم.
لكنه يستبعد إمكانية أن تقوم الجماعات المتطرفة فعلاً بذبح قرابين في المسجد “لأن في ذلك تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء ونذير خطر كبير قد يُشعل المنطقة كلها، ولأن إسرائيل غير جاهزة للإقبال على هذه الخطوة”.
في المقابل، يقول إن فلسطينيي القدس والضفة و”الداخل” (العرب المقيمون داخل إسرائيل) مستعدون للرباط في المسجد الأقصى والتواجد فيه، وإفشال خطوة من هذا النوع.
وخلال الأيام القادمة، رجّح أبو عطا تسيير عشرات الحافلات من المدن العربية في إسرائيل نحو المسجد الأقصى.
مأسسة التطرف
ويلفت الباحث الفلسطيني إلى أن الدعوات لاقتحام المسجد الأقصى كانت في السابق فردية منعزلة، “لكنها اليوم باتت مُمَأسسة وممثلة في الحكومة”.
وأشار إلى أن حظر الحركة الإسلامية في إسرائيل بقيادة الشيخ رائد صلاح (عام 2015) ومنع مسيرة البيارق (قوافل حافلات تقل مصلين إلى الأقصى) وحظر مؤسسات كانت تخدم المسجد الأقصى، “شجع إسرائيل وجماعات يهودية مدعومة من الحكومة، على تأسيس مرحلة أخرى من الاقتحامات”.
خطورة التدرج
بدوره، يقول المحلل المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش، إن خلافات تدور داخل الحكومة الإسرائيلية بالنسبة لخطوة “ذبح القرابين”، بين اتجاه يسعى لتشريع هذه الخطوة وآخر يراها خطوة مبكرة.
وأضاف أن “الجماعات اليهودية المتطرفة، ظلت حتى سنوات قريبة على هامش الحياة السياسية، وهي الآن في مركز الخارطة السياسية بل في الحكم”.
وتابع: “حتى موقف الحاخامية الكبرى في إسرائيل، بدأ ينتقل من الإهمال إلى التماشي معهم أو الصمت عمّا يفعلون”.
ولا يرى أبو غوش في الدعوات لاقتحام الأقصى وذبح القرابين خطوة معزولة، “إنما هي اختبار لردود الأفعال، تمهيدا لهدم المسجد وإقامة الهيكل المزعوم مكانه”.
الاقتراب أكثر
وتابع أبو غوش: “كل عام يتقدمون خطوة إلى الأمام، فقد ذبحوا القرابين في قرية لِفتا المُهجّرة، ثم في جبل الزيتون، ثم في القصور الأموية (بمحاذاة الأقصى)، كل عام يقتربون أكثر من المسجد”.
ومع استبعاده أن تسمح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين بتنفيذ تهديداتهم “تجنباً لاستفزاز العالم”، يُذكّر أبو غوش أن “محكمة إسرائيلية سمحت قبل ذلك لليهود بالصلاة في الأقصى”.