تشهد الهند منذ نحو أسبوع موجة جديدة من الاشتباكات العنيفة بين هندوس متطرفين ومسلمين، تفجّرت بعد اعتداءات شنتها مجموعات هندوسية على مصلين يؤدون صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، حيث احتشدت مجموعةٌ من المتعصبين المتشحين بأوشحة الزعفران التي تميز الجماعات القومية الهندوسية، مُلوّحين بالسيوف والمسدسات في الهواء أمام جامعٍ تُقام داخله صلاة التراويح مساء السبت 16 أبريل/نيسان 2022، في بلدة جاهانجيربوري شمال دلهي في الهند. وبدأ المتطرفون الهندوس في ترديد هتافات مسيئة، وتشغيل الموسيقى بصوتٍ مرتفع عبر مكبرات الصوت، ورفضوا المغادرة.
ومع حلول الليل، بدأ السكان الغاضبون -يُرجح أنهم من المسلمين الغاضبين بالحي مختلط الديانات- في رمي المتطرفين بالحجارة، وفقاً لشهود عيان وتصريحات الشرطة، ما أدى لاندلاع معركة شوارع ضخمة لم تهدأ حتى اجتاحت قوات مكافحة الشغب الحي، وسط تحذيرات ومخاوف من تفاقم موجة العنف في البلاد، كما تقول صحيفة Washington Post الأمريكية.
وتساءل الشيخ بابلو، صاحب متجر وأحد قادة الحي: “يُعقد موكب هانومان الهندوسي في الحي كل عام، فلماذا اختاروا الوقوف أمام الجامع في هذا العام تحديداً وإجبارنا على ترديد هتاف (جاي شري رام)؟”، في إشارةٍ إلى هتاف “المجد للإله رام” الذي يردده القوميون الهندوس في ذلك اليوم. وأضاف الشيخ بابلو: “لقد فعلوا ذلك من أجل استفزازنا”.
الهند.. صمت رسمي على اعتداءات الهندوس ونطاق موجة العنف يتسع
كانت هذه الواقعة هي الحلقة الأخيرة في سلسلة اشتباكات الهندوس والمسلمين التي ضربت الهند في الأسابيع الأخيرة. إذ جرت الوقائع في أيامٍ مختلفة، ومناطق مختلفة من البلاد، لكنها تشابهت في نمطٍ واحد: مجموعات من الشباب القومي الهندوسي تنضم إلى الاحتفالات أعياد دينية، ثم تقود المواكب الصاخبة إلى داخل الأحياء المسلمة وتشعل الموسيقى أمام مساجد المسلمين، ما يؤدي لاندلاع مواجهات عنيفة.
وربما شهدت البلاد، ذات الأغلبية الهندوسي التي تقدر بـ 80% مع أقلية مسلمة تمثل 14% فقط، موجات عنفٍ ديني أكثر دموية على مدار تاريخها. لكن نطاق وكثافة اشتباكات الشهر الجاري أثارت قلق المراقبين.
حيث قالت صبا ناكفي، مؤلفة كتاب “درجات الزعفران Shades of Saffron” الذي يقدم تأريخاً معاصراً لحكم حزب بهاراتيا جاناتا: “ليست أعمال الشغب ظاهرةً جديدة. لكنني لم أشهد هذا العدد الكبير من الوقائع في وقتٍ واحد من قبل. ويبدو وكأن الناس على استعدادٍ لقتل بعضهم البعض”.
“احملوا السلاح واقتلوا المسلمين”
في الـ 10 من أبريل/نيسان، عيد الاحتفال بميلاد “الإله الهندوسي رام”، اندلعت اشتباكات واسعة النطاق بين الهندوس والمسلمين في ست ولايات هندية: ماديا براديش، وجهارخاند، وكجرات، وغوا، والبنغال الغربية، وأندرا براديش. وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على الشبكات الاجتماعية في كثيرٍ من الحالات نفس المشاهد التي عُرِضَت لأحداث دلهي. وقد أُصيب المئات في الاشتباكات حول البلاد الشهر الجاري، بينما جرى الإبلاغ عن عدة حالات وفاة في خارغون بولاية ماديا براديش.
ويقول المراقبون إن ما يزيد الهواجس أكثر هي سلسلة الخطابات التحريضية التي تفوّه بها القادة الهندوس المتطرفون على مدار العام الماضي، ومن بينهم كاهن دعا رفاقه من الهندوس في ديسمبر/كانون الأول لحمل السلاح “وشن حملة تطهير” لقتل المسلمين. وقد وُجِّهَت إلى رجل الدين المذكور، ياتي نارسينغاناند، تهمة خطاب الكراهية قبل أن يُلقى القبض عليه. لكنه خرج بكفالةٍ ليظهر الشهر الجاري في شمال دلهي، قرب جاهانجيربوري، ويحذر الحاضرين من أن نصف هندوس الهند سيُقتلون في حال انتخاب رئيس وزراءٍ مسلم للبلاد.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
بينما قالت صبا لـ “واشنطن بوست”، إن رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا، الذي له صلاتٌ بالجماعات القومية الهندوسية المتورطة في الاشتباكات، لم يُحاول حتى أن ينزع فتيل التوترات. ما منح تلك الحشود إحساساً بالحصانة. وأوضحت صبا: “في الهند، تستطيع إرادة الإدارة العليا أن تُوقف أعمال الشغب الطائفية”، مشيرةً إلى وجود أحزابٍ أخرى حرّضت على العنف الديني في الماضي ومنها حزب المؤتمر الوطني الهندي.
في حين وقّع 13 حزباً الأسبوع الجاري على عريضةٍ تطالب مودي بتوجيه نداءٍ شعبي للتهدئة. لكن الزعيم الهندي اختار الصمت، بينما استجاب رئيس حزبه جي بي نادا بخطابٍ مفتوح إلى الشعب الهندي يجادل فيه بأن أحداث عنفٍ مشابهة قد وقعت في عهد إداراتٍ سابقة للبلاد. فيما اتخذ قادةٌ آخرون بالحزب موقفاً أكثر تشدداً، بعد أن جادل العديد منهم بأن المسلمين هم من هاجموا المواكب الدينية الهندوسية ولهذا يجب إخضاعهم.
تصعيد الانتهاكات بحق المسلمين.. السلطات هدمت منازلهم ومحالهم التجارية
في مدينتي دلهي وماديا براديش، اللتين شهدتا أسواء أعمال الشغب الشهر الجاري، هدم المسؤولون منازل المسلمين المتهمين بإلقاء الحجارة مستخدمين الجرافات.
ووثق ناشطون وصحفيون هنود، في مقاطع فيديو، لحظات هدم جرافات البلدية لمحال تجارية ومنازل لمسلمين، والتي استمرت ساعة، قبل أن تصدر المحكمة العليا بمدينة دلهي الخميس 21 أبريل/نيسان، حكماً بإيقاف عملية الهدم للنظر في قانونيتها.
وقالت الشرطة إنها اعتقلت 25 شخصاً إجمالاً حتى يوم الثلاثاء 19 أبريل/نيسان من المشاركين في اشتباكات دلهي. ولكن تبيّن أن 17 منهم مسلمين بالإضافة إلى ستة هندوس من بينهم أعضاءٌ في فيشوا هندو باريشاد، وهي المنظمةٌ اليمينية المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا التي قادت الموكب باتجاه الجامع.
من جانبه تعهّد فينود بانسال، المتحدث باسم “فيشوا هندو باريشاد”، بمقاضاة مسؤولي الشرطة المحلية لاعتقالهم أفراد المجموعة. وأكد أن جماعته لن ترتدع قائلاً: “نؤمن بأننا نعيش في بلدٍ واحد ويحق لأي أحدٍ فيه أن يدخل إلى أي منطقة. ولا يمكنكم منعنا بحجة أن هذه منطقة حساسة أو ذات أغلبية مسلمة. ويمكنني أن أعرض عليكم العديد من الحالات لمسلمين يخالفون القواعد ويحتفون بالأعياد الإسلامية في صخبٍ دون أن يرشقهم الهندوس بالحجارة مطلقاً. ولكن مجرد خروجنا في موكبٍ ديني دفع بأولئك الجهاديين في المساجد والمدارس إلى العنف”، حسب وصفه.
ويردد بانسال فكرةً تلقى قبولاً قوياً بين العديد من اليمينيين الهندوس في الهند، ممن يقولون إنهم “ضحايا مؤامرةٍ إسلامية”. فبعد أيامٍ من اشتباكات شمال دلهي، حين كانت القمامة وقوات مكافحة الشغب تغطيان الشوارع؛ أصر العديد من السكان الهندوس على رواية أنهم يعيشون في ظل حصار.
حيث زعم أشوك كومار، تاجر المراتب الذي شاهد بعض معارك الشارع التي اندلعت مساء السبت من شرفة منزله، أن حيه قد دُمِّر بسبب تدفق المهاجرين من ولاية البنغال الغربية. (وهي حجةٌ شائعة وسط اليمين المتشدد المناهض للمسلمين).
كما علّق كومار على الأحداث الجارية في أنحاء الهند قائلاً: “تعتمد أجندتهم على إثارة الاضطرابات. وكلها أحداثٌ مترابطة. فالفكرة هي مهاجمة الهندوس وعدم تركهم يعيشون في سلام”.
وفي أحد الأزقة الضيقة على بعد مربعٍ سكني واحد؛ وقف البائع المسلم الشيخ بابلو في متجره الذي يديره من داخل مبنى معبدٍ هندوسيٍ قديم للشاعر فالميكي. إذ انتقل بابلو من البنغال الغربية إلى هناك ليستمتع بـ 40 عاماً من السلام في دلهي، لدرجة أن أبناء جيرانه الهندوس اعتادوا مناداته بـ”أبي”.
لكن حيه أصبح اليوم مليئاً بالكراهية وانعدام الثقة، حيث قال لصحيفة واشنطن بوست، في إشارةٍ إلى الجماعات القومية الهندوسية: “أعتقد أنهم تجرّأوا كثيراً. ويمكن للأوضاع أن تمضي إلى ما هو أسوأ بكثير”.