ربما سمع أغلبنا بجامعة القرويين في المغرب، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أنها تعتبر أقدم وأول جامعة في العالم بأسره. وقد يتفاجأ الكثيرون عند معرفة أن الجامعة كانت في الأساس جامعاً وأن مَن بناها فعلاً وبذل المال لإنشائها امرأة تدعى فاطمة الفهرية.
لقِّبت بـ”أمّ البنين”، وقَدِمت إلى المغرب وهي طفلة من تونس. ورثت فاطمة عن أبيها وزوجها أموالاً كثيرة أرادت استثمارها استثماراً يفيد الناس، فقامت ببناء جامع كبير أصبح مع الوقت جامعةً درست فيها أسماء وقامات علمية كبيرة.
من هي فاطمة الفهرية؟
وُلدت فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية عام 800 في مدينة القيروان، وهي تنحدر من ذرية عقبة بن نافع، القائد المسلم الذي فتح بلاد المغرب.
هاجرت فاطمة من القيروان إلى فاس عاصمة دولة الأدارسة في المغرب الأقصى، ونزلت مع أهل بيتها في عدوة القرويِّين زمن حكم إدريس الثاني. تزوجت فاطمة في بلاد المغرب، وبعد استقرارها بفترة تُوفي والدها ثُم زوجها. ورثت الكثير من الأموال عن والدها وزوجها هي وأختها مريم. ويعتقد أنها لقبت بأمّ البنين لكثرةِ تصدقها على طلاب العلم ورعايتها لهم.
ولا تسعفنا المصادر التاريخية القليلة بذكر الكثير من التفاصيل عن حياة فاطمة، سوى ما ذكره المؤرخ ابن أبي زرع الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، خاصة أن جامع القرويين تعرّض إلى حريق كبير عام 1323م قضى على كل الوثائق المحفوظة فيه.
هناك تضارب كبير في الروايات بين أن فاطمة هي التي شيدت بمالها مسجد القرويين، ورواية أخرى بأنها عملت على توسعته وإعادة بنائه بالكامل.
ويقول المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب في كتابه “شهيرات التونسيات” حول بناء المسجد وطريقة فاطمة في بنائه: التزمت ألا تأخذ التراب وغيره من مادة البناء إلا من نفس الأرض التي اشترتها دون غيرها فحفرت كهوفاً في أعماقها وجعلتْ تستخرج الرمل الأصفر الجيِّد والجِصّ والحجر لتبني به تحرياً منها ألا تدخل شبهة في تشييد المسجد.
ويذكر الدكتور عبد الهادي التازي، في رسالته لنيل الدكتوراه، أنّ حفر أساس مسجد القرويين (جاءت تسمية القرويين نسبة إلى موطنها القيروان في تونس) والأخذ في أمر بنائه الأول كان بمطالعة العاهل الإدريسي يحيى الأول، وأن أم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوعت ببنائه وظلت صائمة محتسبة إلى أن انتهت أعمال البناء وصلت في المسجد شكراً لله.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
جامع القرويين.. من مسجد إلى جامعة
بعد بناء المسجد وقبل وفاة فاطمة الفهرية بعامٍ تقريباً، كانت محاضرات العلم تُلقى في ساحة المسجد، وأصبح جامع القرويين أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى.
يُعتقد أنه تحوّل إلى جامعة حقيقية بداية من عصر المرابطين، أي في القرن 11 ميلادي. وزاد إشعاعه في عهد الدولة المرينية خلال القرن الرابع عشر، وبدأ المشايخ يتخذون المسجد مقراً أساسي لإلقاء الدروس والمحاضرات. وتعتبر هذه الفترة هي التي بدأ يعرف فيها المسجد بجامعة القرويين، وحتى يومنا هذا لا يزال المسجد قائماً وتحيط به كافة مدارس الجامعة الحديثة-+ في كيان واحد يجمعهما.
تُصنّف جامعة القرويين على أنها أقدم جامعة في العالم، بحسب اليونيسكو وموسوعة غينيس، باعتبار أنها تسبق جامعات أوروبا بحوالي قرنين من الزمن. وقد توسعت الجامعة لتدرس علوم الفلك والرياضيات والأدب والفقه، كما درست في القرويين على مدى تاريخ وجودها الضارب في القدم، قامات وأعلام شهيرة، من قبيل ابن خلدون، وابن رشد، وابن ميمون، والشريف الإدريسي، وغيرهم كثيرون جداً.
أقدم مكتبات العالم
أنشأت فاطمة الفهري إحدى أقدم المكتبات في العالم في جامعة القرويين، كما جاء في صحيفة
The Guardian، وقد خضعت المكتبة مؤخراً للترميم وأعيد فتحها للجمهور في أيار/مايو 2016. تحتوي المكتبة على أكثر من 4 آلاف مخطوطة تشمل مخطوطات للقرآن الكريم من القرن التاسع الميلادي ومجموعة من أقدم مخطوطات كتب الأحاديث النبوية.
موت فاطمة الفهرية وأثرها
فارقت فاطمة الفهرية الحياة حوالي عام 878. وفي ذكر فضلها على الملوك، يقول المؤرخ ابن خلدون: “فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها، وهذا فضل يؤتيه لمن يشاء من عباده الصالحين”. والواقع أننا نفهم ذلك مما ورد في كتاب “فاس عاصمة الأدارسة” لصاحبه محمد المنتصر بالله الكتاني: “وعلى مرّ الدهور والأعوام، تنافس الملوك والدول في توسيع بناء جامع القرويين ورصد الأموال للقيام به، فزاد فيه أيام الدولة الزناتية أميرها أحمد بن أبي بكر من خمس الغنائم، وزاد فيه أيام الدولة المرابطية علي بن يوسف بن تاشفين، ثم لم يزل يوسع ويجدد وتزداد أوقافه، أيام دولة الموحدين ودولة المرينيين، إلى أيام دولتنا العلوية الحاضرة”.