حقق منتخب مقدونيا الشمالية لكرة القدم مفاجأة مدوية بإقصائه نظيره الإيطالي من سباق التأهل إلى نهائيات مونديال قطر 2022، بفضل هدف قاتل، سجله المهاجم ألكسندر ترايكوفسكي، في الدقيقة “92” بملعب “رينزو باربيرا” بمدينة باليرمو الإيطالية، الذي يعرفه جيداً ويعرف كل زاوية من زواياه والذي من غرائب الصدف ومحاسنها أيضاً أنه شهد تألقه من قبل لمدة 4 مواسم كاملة.
لا تتعجب عزيزي القارئ إذا قلت لك إنّها ليست المرة الأولى التي يحتفل فيها ترايكوفسكي بتسجيل الأهداف على ملعب “رينزو باربيرا”، فقد لعب النجم المقدوني ضمن نادي باليرمو من 2015 إلى 2019، وسجل له 16 هدفاً في 104 مباراة رسمية، وذلك قبل أن يغادره مُضطراً نحو نادي مايوركا الإسباني بسبب مشاكل إدارية ومالية، دفعت الاتحاد الإيطالي لكرة القدم لإنزال ممثل جزيرة صقلية إلى دوري الدرجة الرابعة، وبالتالي تسريح كل لاعبيه المحترفين.
وقبل الانضمام لنادي باليرمو، في صيف 2015، كان ألكسندر ترايكوفسكي، المولود يوم 5 سبتمبر/أيلول 1992 بعاصمة مقدونيا الشمالية “سكوبيه”، قد بدأ ممارسة رياضة كرة القدم ضمن فريق الشباب لنادي “سيرميرتانيكا” المقدوني في العام 2008، ثم تمت تصعيده للفريق الأول في موسم 2009- 2010، والذي غادره في الموسم الموالي (2010- 2011) نحو نادي “أنتر زابرشيتش” الكرواتي.
وقبل الانضمام لنادي “أنتر زابرشيتش”، أجرى ترايكوفسكي تجارب فنية وفترة معايشة مع نادي تشيلسي الإنجليزي في مايو/أيار 2010، وساهم في تتويج النادي اللندني بلقب “كأس أمستردام”، وهي مسابقة دولية ودية تُقام سنوياً بهولندا، بمشاركة فرق الشباب لأقوى الأندية الأوروبية والأمريكية الجنوبية، وقد سجل ألكسندر هدف الفوز لتشيلسي في مرمى نادي بوتافوغو البرازيلي في لقاء الدور ربع النهائي.
وبعد موسم جيد مع “أنتر زابرشيتش”، تلقى ترايكوفسكي عرضين من ناديي دينامو زغرب الكرواتي وأندرلخت البلجيكي، لكن عرض “زولت وارجم” البلجيكي كان الأفضل من الناحية المالية، حيث دفع النادي البلجيكي 1.1 مليون يورو للاستفادة من خدمات المهاجم المقدوني.
قضى ترايكوفسكي موسمين مع “زولت وارجم”، ثم تمت إعارته لموسم واحدٍ (2013-2014) لنادي مالينز البلجيكي، ليعود بعدها لفريق “زولت” الذي حمل قميصه في موسمٍ آخر، قبل أن يرحل في صيف 2015 نحو جزيرة صقلية الإيطالية للعب في صفوف نادي باليرمو الذي تعاقد معه لمدة 5 سنوات، في صفقة بلغت قيمتها المالية 900 ألف يورو فقط.
لعب ترايكوفسكي موسمين مع باليرمو في دوري الدرجة الأولى الإيطالي وموسمين آخرين في دوري الدرجة الثانية، ثم انتقل إلى نادي مايوركا الإسباني في صيف 2019، في صفقة مجانية وفي تجربة فاشلة أيضاً بحيث صام عن التهديف طيلة الموسمين اللذين قضاهما بفريق الجزيرة الاسبانية، ليرحل بعدها نحو نادي “ألبورغ” الدنماركي، في آب/أغسطس 2021، لكنه بقي رفقته 6 أشهر فقط قبل الانضمام في يناير/كانون الثاني الماضي لنادي الفيحاء السعودي في صفقة مجانية وبعقد لمدة 18 شهراً.
وإذا كان ألكسندر ترايكوفسكي غير مشهور عالمياً، فإنه يعتبر بطلاً قومياً بمقدونيا الشمالية، حيث اختير كأفضل لاعب في بلاده في سنة 2015، كما يُعد ثاني أفضل هدّاف في تاريخ المنتخب الأول برصيد 20 هدف في 75 مباراة رسمية بعد غوران بانديف، النجم السابق لنادي نابولي الإيطالي الذي سجل 38 هدفاً في 122 مباراة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وإضافة للهدف الحاسم الذي سجله أمام إيطاليا، وقّع تريكوفسكي على 4 أهداف أخرى في التصفيات الأوروبية لكأس العالم لكرة القدم 2022، والتي ساهم بها في احتلال مقدونيا الشمالية المركز الثاني للمجموعة العاشرة وراء ألمانيا، وبالتالي التأهل لخوض الملحق أمام المنتخب” الأزوري” في انتظار مواجهة منتخب البرتغال يوم الثلاثاء القادم في آخر عقبة نحو المرور الى نهائيات مونديال قطر.
وفي حال نجح فريق مقدونيا الشمالية في التأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم المقبلة، فإنّه سيكون إنجازاً تاريخياً غير مسبوق بالنسبة لهذا المنتخب الذي لم يسبق له المشاركة في أي دورة نهائية لبطولة كبيرة، باستثناء بطولة أمم أوروبا “يورو 2020” التي جرت في صيف العام الماضي 2021، و خرج خلالها من الدور الأول بعد 3 هزائم أمام كل من النمسا أوكرانيا وهولندا.
وخاض منتخب مقدونيا الشمالية أول مباراة دولية له يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1993، أمام منتخب سلوفينيا (4-1) لما كانت البلاد تُسمى “مقدونيا” وليس “مقدونيا الشمالية”.. وستعرف عزيزي القارئ لاحقاً سبب تم تغيير اسم البلد.
وبعد 4 انتصارات متتالية في لقاءات ودية، انهزم المنتخب المقدوني أمام نظيره التركي (0-2) يوم 31 آب/ أغسطس 1994، ثم دخل غمار المباريات الرسمية من بوابة تصفيات بطولة “يورو 1996″، حيث واجه بميدانه يوم 7 سبتمبر/ أيلول 1994، منتخب الدنمارك وتعادل معه بنتيجة هدف لمثله، ثم واصل التصفيات دون تألق محتلاً المركز الرابع لمجموعته التصفوية الثانية.
لماذا اعترضت اليونان على اسم “مقدونيا”؟
بدأ المنتخب المقدوني، إذن، خوض المباريات الدولية في 1994، أي في نفس العام الذي شهد تأسيس اتحاد مقدونيا لكرة القدم وانضمامه للاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم، بعد استقلال البلد عن دولة يوغسلافيا الفيدرالية يوم 8 سبتمبر 1991.
وتم إعلان الاستقلال بعد استفتاء شعبي لسكان مقدونيا، تم التصويت له بـ”نعم” بنسبة 95 % من الأصوات المُعبر عنها، وتم إطلاق اسم “جمهورية مقدونيا” على الدولة الجديدة.
ولكن اليونان اعترضت على انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة، تحت ذلك الاسم بحجة أنّ اسم “مقدونيا” يرمز إلى الارث الثقافي اليوناني وأنه مستخدم بالفعل عند الاشارة إلى المنطقة الشمالية من اليونان، التي تشمل ثاني أكبر مدينة في البلاد، وهي “سالونيكا”.
وبسبب اعتراض اليونان قررت الأمم المتحدة الاعتراف بانضمام مقدونيا إليها في سنة 1993 ولكن تحت اسم “جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة”، ثم وبعد مطالبات واحتجاجات متكررة من البلد الجار، وبوساطة من الهيئة الأممية، تم توقيع اتفاقية بين الدولتين يوم 18 مارس/ آذار 2018 على تغيير الاسم ليصبح “جمهورية مقدونيا الشمالية”.
كما غيرت الحكومة المقدونية اسم مطار العاصمة سكوبيا، إلى مطار “الصداقة” بعدما كان يُسمى “الأسكندر الأكبر”.
وكانت مقدونيا الأسكندر الأكبر، خلال القرن الرابع قبل الميلاد، وأيام والده فيليب الثاني من قبله، تهيمن على اليونان وبالمناطق المحيطة بها.
وقد نصت الاتفاقية أن شعب مقدونيا الشمالية لا علاقة له بالحضارة اليونانية القديمة، وأن لغتها تنتمي إلى الأسرة السلافية، ولا علاقة لها بالتراث اليوناني القديم.
ويقودنا هذا الحديث عن الحضارة والتراث للتطرق لتاريخ مقدونيا الشمالية الحالية التي تقع في وسط شبه جزيرة البلقان في جنوب شرق أوروبا، بمساحة 257 ألف كلم مربع، وبدون أي منفذ نحو البحر، وتملك حدود مع كل من صربيا واليونان وبلغاريا وألبانيا وكوسوفو.
“مملكة مقدونيا” وجغرافيتها القديمة
وتضم مقدونيا الشمالية، تقريباً كل المنطقة الشمالية لـ”مقدونيا القديمة” أو “مملكة مقدونيا”، والتي كانت جغرافيتها تتكون أيضاً من أجزاء من الدول الحالية: اليونان وبلغاريا وألبانيا وصربيا.
تأسست هذه المملكة في منتصف القرن السابع قبل الميلاد في العصر اليوناني القديم، واستمرت حتى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد.
ومن أبرز الأحداث التي عاشتها هي إغتيال “الملك” فيليب الثاني على يد أحد حراسه، في العام 323 قبل الميلاد، فخلفه ابنه الإسكندر الثالث المعروف باسم “الإسكندر الأكبر”، الذي بقي في الحكم إلى غاية 309 قبل الميلاد، وقد غزا مصر و أجزاء واسعة من آسيا، قبل أن يُصاب بمرض مجهول ويموت وهو في سن ال32 من عمره، ما أدى إلى تقسيم إمبراطوريته على يد جنرالاته السابقين فتضاءلت هيمنة مقدونيا في المنطقة ثم ضعفت إلى غاية ضمهما من طرف الرومان لإمبراطورتيهم في العام 168 قبل الميلاد.
وبعد سقوط الامبراطورية الرومانية في العام 476 ميلادي، استمر تواجد الرومان بمقدونيا وتحولت الإمبراطورية الى اسم ” الامبراطورية البيزنطية، أو ” الامبراطورية الرومانية الشرقية” .
وفي أوائل القرن الثالث عشر، تمكنت الإمبراطورية البلغارية الثانية من السيطرة على المنطقة، قبل أن تستعيدها الامبراطورية البيزنطية في أوائل القرن الرابع عشر ثم تفقدها في منتصف نفس القرن، ولكن هذه المرة لصالح الإمبراطورية الصربية التي اتخذت من “اسكوبية” عاصمة لها في عهد الإمبراطور “ستيفان دوشان”، وهي ذات العاصمة لمقدونيا الشمالية الحالية.
5 قرون تحت كنف الإمبراطورية العثمانية
وفي عام 1389 وبعدما غزا العثمانيون شبه جزيرة البلقان وتغلبوا على الصرب في كوسوفو، ضموا مقدونيا لدولتهم حيث استمر حكم الامبراطورية العثمانية لأكثر من 5 قرون، ورسمياً إلى غاية 1912، اندلعت على إثرها حرب البلقان وتم تقسيم مقدونيا بين ثلاث دول وهي اليونان وبلغاريا وصربيا، فيما خرجت ألبانيا خالية الوفاض.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) أصبحت “مقدونيا السلافية”، أي مقدونيا الشمالية الحالية، جزء من مملكة صربيا التي كانت تضم أيضا كرواتيا وسلوفينيا، ثم أصبحت تحت اسم ” يوغسلافيا” في العام 1930، ثم “جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الاشتراكية “.
ويبلغ سكان مقدونيا الشمالية حالياً نحو 4 ملايين و 760 ألف نسمة، يدين حوالي 33% منهم بدين الإسلام والذي انتشر في البلاد في العهد العثماني.
ويعود أصل أغلبية السكان المسلمين للأتراك والألبانيين، فيما يعود أصل المسيحيين الأرثوذكس إلى الجنس السلافي وبالأخص الصرب.
وبسبب هذا التنوع العرقي والديني جرت حرب أهلية في سنة 2001، كان الطرف الأساسي فيها “الألبان” بحيث قام المقاتلين السابقين بكوسوفو بحرب عصابات بشمال غرب البلاد وشكلوا “جيش التحرير الوطني” الذي كان يدعو بضم المناطق الألبانية المقدونية لدولة كوسوفو.
وقد وجد هذا الجيش الدعم من السكان الألبان لمقدونيا الشمالية، قبل أن تنتهي الحرب بفضل وساطة دولية وتم التوقيع على اتفاقية “أورهيد” للسلام بين الحكومة المقدونية الشمالية و ممثلي الأقلية الألبانية يوم 13 آب / أغسطس من نفس العام، وتنص على منح حقوق وحرية أكثر للألبان وخاصة في المجال الثقافي والاجتماعي.