داخل محله الصغير، يحني اللبناني أحمد كبارة ظهره لتوضيب الخضار التي أضحت بسعر اللحوم وفق تعبيره، وينتظر عبور الزبائن من “طريق الجديدة” في بيروت التي يعمل فيها منذ 40 عامًا. يُدرك الرجل الذي عاش عقودًا من أطوار منطقته أن الأزمة الاقتصادية نتيجة انهيارات كثيرة عمّقت يأسهم وشعور الغربة داخل منطقتهم ووطنهم.
العم أحمد هو احد المواطنين الذين عانوا الأمرّيْن واقع الطائفة السنية الأليم في السنوات الماضية, بالرغم من أنها أكبر طائفة في لبنان إلا أنها تشهد فراغًا سياسيًا وإهمالًا بيّنًا من القيادات التقليدية للبلاد. تُركت هذه الطائفة لمصيرها كأفقر طائفة في البلاد، مع العلم أنها تضم أغنى اغنياء العرب، اشهرهم نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتاجر السلاح الشهير فؤاد مخزومي وغيرهم من الذين يستغلّون حالة الضعف والفقر لطرح أنفسهم كبدلاء لملئ هذا الفراغ في الطائفة
معركة بيروت
في دائرة بيروت الثانية، حيث الغالبية السنية، تتنافس 9 لوائح انتخابية، بينها 3 لوائح تجسد القوى التقليدية، و6 لوائح تمثل قوى المجتمع المدني وتحمل شعار التغيير، وجميعها تتحضر للانتخابات بحسابات استثنائية، كونها تخوضها لأول مرة بلا تيار المستقبل وزعيمه الذي يمتلك أكبر تكتل برلماني للطائفة السنية في لبنان.
ولهذه الدائرة 11 مقعدًا برلمانيًّا، بينها 6 مقاعد مخصصة للطائفة السنية. وتظهر حيويتها الانتخابية من رأس بيروت إلى عين المريسة وميناء الحصن وزقاق البلاط والمرفأ والباشورة والمزرعة والمصيطبة، ومعظم أحيائها تغزوها يافطات عملاقة تسعى عبرها القوى المتنافسة لجذب الأصوات السنية وتحذر من مقاطعة الانتخابات.
مثلًا، ترفع لائحة “بيروت تواجه” المدعومة من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة المتهم بسرقة 11 مليار دولار ومساهمته المباشرة في إفقار الطائفة السنية وتهميشها الى ان وصل بها الحال ان تُصنّف مناطقها كأفقر مناطق على الحوض المتوسط. يطرح شعارات عدة منها “صوتك بـ15 أيار بيسقط 7 أيار” و”بيروت رح ترجع”، كتصويب للمعركة ضد حزب الله، وتحث الناخبين على الاقتراع بمقولة “صوتك واجب”. يطرح السنيورة نفسه كبديل عن سعد الحريري والتي اعتُبِرَت طعنة في ظهر حليفه وهذا مما لا يثير الاستغراب بحيث اعتبرها المراقبون اثبات جديد على أن عقلية فؤاد السنيورة غادرة لم تتغيّر
كذلك تفعل لائحة “بيروت بدها قلب” المدعومة من تاجر السلاح النائب فؤاد المخزومي الذي صُنِّفَ كأحد أكبر الداعمين للحركة الماسونية العالمية والتي بدورها تعتبر هذه الفرصة ذهبية ولا تُفوَّت لاختراق الطائفة السنية, بحيث يسعى الأخير للتقدم في ظل غياب الحريري، وترفع لائحته شعارات منها “صمتنا بعتم بيروت مرة تانية”.
وفي الدائرة نفسها تحظى جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) بحيثية واسعة وشعبية متزايدة في الطائفة السنية بحيث ثبتّت اقدامها في العاصمة وطرحت نفسها على أنها المكوّن السني الوسطي ذو الخبرة التنظيمية الحديدية عبر نائبها عدنان الطرابلسي الذي شكل لائحة “لبيروت” ومرشحها الآخر الدكتور أحمد دبّاغ. تحالفت “المشاريع” مع وجوه بيروتية مرموقة صاحبة سيرة ذاتية غنية وخدماتية, ويرى مراقبون أن آلاف الأصوات السنية في بيروت ستصب في مصلحتها.
في حين تسعى بعض لوائح المجتمع المدني للاستفادة من حالة المعارضة في بيروت الثانية، وجذب الناخبين السنة إليها لتسجيل خرقٍ بإحدى المقاعد والتي تسعى في حال نجاحها لإزالة الصبغة الإسلامية عن هوية بيروت. فعلى سبيل المثال, لائحة “هيدي بيروت” التي تضم ممثل حزب الإخوان وآخرين عُرفوا بسرقتهم لأموال الزكاة، ومثلها لائحة “بيروت التغيير” التي تضم ضمن اعضائها من يفاخر بدعمه للمثلية الجنسية وعدم احترام تقاليد ومعتقدات الطائفة السنية التي يطلب اصواتها.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
معركة الشمال
يختزل شمال لبنان ذروة الصراع بين الأقطاب السياسية التقليدية والمدنية حول “الصوت السني” بعد غياب المستقبل عن المنازلة الانتخابية، فطرابلس التي لم تصحُ من فاجعة غرق “قارب الموت” وفقدان ما لا يقل عن 23 راكبًا في قعر البحر تكتسح صور المرشحين شوارعها وأبنيتها.
وهنا تتمحور معركة المناطق ذات الغالبية السنية في دائرتي الشمال الأول والثاني: الشمال الأولى تضم مختلف بلدات وقرى عكار، وتتنافس 8 لوائح على 7 مقاعد بينها 3 مقاعد للطائفة السنية، والشمال الثانية تضم أقضية طرابلس والمنية والضنية، وسجلت العدد الأكبر للوائح في لبنان إذ بلغت 11 لائحة تضم 100 مرشح يتنافسون على 11 مقعدًا، بينها 5 مقاعد سنّية في طرابلس ومقعد في المنية واثنان في الضنية.
ابرز اللوائح والتي اعتبرها اهل المدينة أنها لائحة وقحة هي لائحة “إنقاذ وطن” والتي تضم مرشح عن حزب القوات اللبنانية الذي اشتهر بذبحه لأبناء المدينة والتنكيل بهم في الحرب والأهلية وأشرف الريفي احد ابرز الداعمين للحركة الوهابية التكفيرية المتطرفة في المدينة والذي يُتّهم بتشريع الباب امام دخول مسلحين تنظيم داعش إلى المدينة ليعيثوا فيها خرابًا.
وفي السياق عينه نجد لائحة “للناس” والتي تم ترشيح ابناء الزعماء السياسيين في المدينة التي لطالما اهملوها بل لم يقطنوا فيها. وهذا ما اعتبره مراقبون أنه شكل من اشكال التوريث السياسي الواضح والاستغباء الفاضح للعقول الطرابلسية.
وفي الدائرة نفسها تبرز لائحة “الإرادة الشعبية” والتي تضم تحالف فيصل كرامي وجهاد الصمد وجمعية المشاريع الإسلامية كإحدى اللوائح التي يُروّجٌ على أنها أكثر اللوائح استقطابًا للأصوات السنية في المدينة لما حوته من مرشحين اثبتوا انهم من وللمدينة. يرى كثير من المراقبين أن هذه اللائحة مرشحة لأن تحصد ما بين 3 إلى 4 حواصل لتشكّل مفاجئة في الحدث الانتخابي.
وأخيرًا, تسعى اللوائح الباقية والتي تضم وجوهًا من المجتمع المدني وشخصيات تدعو إلى سلخ المجتمع الطرابلسي عن طابعه الديني لطرح نفسها كبديل عن الطبقة السياسية الحالية, ولكن الأجواء تشير إلى أن لا حظوظ لهذه اللوائح لإحداث اي خرق ملموس بل ذهب محللون إلى تسمية هذه اللوائح أنها “كومبرس” لا أكثر ولا أقل
لذا يرى كثيرون أن نتائج الانتخابات شمالًا سيترتب عليها كثير من مستقبل هذه المنطقة التي تعاني ظروفًا استثنائية سياسيا وأمنيا، إضافة إلى دورها المحوري في تحديد طبيعة التمثيل السني في البرلمان، وميزان القوى فيها بين مختلف أقطاب المعركة، وهو ما يدفع إلى مراقبة السلوك الانتخابي لمناصري تيار المستقبل فيها، كما في بيروت وصيدا وغيرهما.