لا توجد هيئة محلفين في العالم العربي، بل قاضٍ منفرد (وفي بعض البلاد يكون هناك مستشاران اثنان) يُصدر حكمه بعد النظر في الأدلة، ومناقشة القضية مع مستشاريه من أصحاب الخبرة القانونية.
لكن دور القاضي، في الولايات المتحدة مثلاً، يقتصر على إدارة الجلسة فقط؛ أما مصير المدّعي والمدّعى عليه، فهو مرهون بقرار هيئة محلفين لم تدرس القانون أبداً، ويتمّ اختيارها بشكلٍ عشوائي من عامة الشعب.
في التسمية القانونية الأمريكية، الحكم هو النتيجة التي توصلت إليها هيئة المحلفين بشأن الأسئلة المتعلقة بالوقائع المقدّمة إليها. وبمجرّد أن تتلقى المحكمة الحكم، يُصدر القاضي حكمه بناءً على توصيات الهيئة.
شروط هيئة المحلفين، وكيف يتمّ اختيارها؟
تلعب هيئة المحلفين دوراً مهماً في النظام القضائي؛ حيث تتم الاستعانة بها لضمان أن تكون الأحكام القانونية نزيهة ومتوافقة مع معايير المجتمع، ويُعتبر عمل المُحلف مجانياً. لكن يمكن لبعض الأفراد المطالبة بنفقات خاصة، مثل الطريق والسفر.
وهيئة المحلفين هي هيئة محايدة، لا تربط أفرادها أي علاقة مع المدّعي والمدّعى عليه، ومهمتها الأساس أن تكون قادرة على التوصل إلى حكم. يخضع أفرادها لعدة اختبارات قبل اختيارهم، للتأكد من حياديتهم وموضوعيتهم، ويُستبعد أي فردٍ قد يُنظر إليه على أنه منحاز إلى طرفٍ دون آخر، أو أقلّ حيادية.
عادةً ما تكون الخدمة في هيئة محلفين إلزامية، للأفراد المؤهلين لأن يصبحوا أعضاء هيئة المحلفين. يتم اختيار هيئات المحلفين بشكلٍ عشوائي في البداية، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الأصل القومي أو الدين أو الانتماء السياسي لهؤلاء.
وعادة ما تكون مؤلفة من السكان المحليين المؤهلين، وهم مواطنون يملكون جنسية البلد ومقيمون في منطقة اختصاص المحكمة، كما يجب أن تكون أعمارهم ما بين 21 و60 عاماً.
على الشخص الذي يتمّ اختياره للانضمام إلى هيئة المحلفين أن يتمتع بالقدرة المالية، بمعنى ألا يكون بحاجةٍ إلى المال، على اعتبارِ أن الميسورين أقلّ احتمالاً لقبول الرشوة. كما يجب عليه أن يكون سجّله العدلي نظيفاً، أي غير محكوم عليه من قبل، وأن يتمتع بحُسن السير والسلوك.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
يتضمن اختيار هيئة المحلفين في الولايات المتحدة استجواباً منظّماً للأفراد المُحتمل انضمامهم إلى الهيئة، من قِبل محامي المدّعي ومحامي المدّعى عليه والقاضي. يمكن للأطراف رفض بعض الأفراد، بسبب التحيّز أو عدم القدرة على الخدمة بشكل صحيح، ويطلق على ذلك الرفض مصطلح “الطعن من أجل السبب”.
كما يمكنهم رفض عددٍ محدّد من المحلفين من دون الحاجة إلى إثبات سببٍ مناسبٍ للرفض، وهو الحق التقديري لكل جانب في الرفض، ويطلق عليه مصطلح “التحدي القطعي”؛ قبل أن تتقرّر هيئة المحلفين نهائياً.
يختلف عدد المحلفين بحسب الدولة، في الولايات المتحدة مثلاً تتكون الهيئة بين 6 و12 محلفاً وفي البرازيل 7، وفي النرويج 10؛ وتُسمّى هيئة المحلفين بسبب قيام أفرادها بحلف اليمينِ، قبلَ سماعهم الدعوى وإصدار قرارهم فيها.
أنواع هيئة المحلفين
تنقسم الآراء حول مدى جدارة هيئة المحلفين، وما إذا كان هذا النظام القضائي عادلاً أم لا، وهو سجالٌ سياسي طويل في الولايات المتحدة تحديداً.
البعض يرى أنهم أفراد عاديون وغير قادرين على استيعاب أدلة الطب الشرعيّ وكل حيثيات القضية، فيما يرى آخرون أن وجودهم ضروري لضمان فصلٍ مهم للسلطات، لأنه من الخطرِ أن يوضعَ مصير المُتهم بيدِ شخصٍ واحد فقط.
أما أيّ سوء فهمٍ في استيعاب الأدلة من قِبلهم، فما هو إلا نتاج ضعف الاستجواب القانونيّ للادعاء أو محامي الدفاع؛ لذلك نرى أن محامي الادعاء والمتهمين يجتهدون لمخاطبة الهيئة، من خلال استخدام عباراتٍ واضحة ومفهومة.
يُظهر تقريرٌ صادرٌ عن وزارة العدل البريطانية في العام 2010، بعد البحث الدقيق في أكثر من نصف مليون قضية، أن هيئات المحلفين عادلة وفعالة، ولم تظهر أيّ تحيُّزٍ عنصري ولم تكن لدى أحد أفرادهم أحكام مُسبقة إلا في أقلّ من 1% من القضايا.
وهذه أنواع الهيئات:
هيئة المحلفين الصغيرة (Trial Jury)
مؤلفة من 6 و12 شخصاً، وعادةً ما تكون علنية، ما عدا المداولات النهائية التي تكون خاصة. تستمع إلى الأدلة في المحاكمة كما قدّمها كل من المدّعي والمدّعى عليه، وتعقد بعدها للمداولة والنظر في الحكم.
هذه القضايا غالباً ما تكون مدنية أو جنائية، وتختلف الأغلبية المطلوبة للحكم. في بعض الحالات يجب أن يكون بالإجماع، بينما في حالات أخرى فقد يكون الحكم بحسب الأغلبية العظمى.
هيئة المحلفين الكبرى (Grand Jury)
تقتصر بشكل شبه حصري على المحاكم الفيدرالية، وهي ليست مفتوحة أمام الجماهير، والنظر فيما إذا كانت هناك أدلة كافية للمُضي قُدماً في المحاكمة الجنائية من خلال دراسة الأدلة المقدمة لهم من قبل المدعي العام وإصدار لوائح اتهام، أو عن طريق التحقيق في مزاعم الجرائم وإصدار Presentments.
عادة ما تكون الهيئة الكبرى أكبر من هيئة المحلفين الصغيرة، ويمكن تمييزها عن هيئة المحلفين الصغيرة المستخدمة أثناء المحاكمة، وعادة ما يكون بها بين 12 و23 محلفاً. لا يشترط إبلاغ المشتبه به بإجراءات هيئة المحلفين الكبرى.
بالإضافة إلى دورهم الأساسي في فحص الملاحقات الجنائية والمساعدة في التحقيق في الجرائم، يتم استخدام هيئات المحلفين الكبرى في كاليفورنيا، فلوريدا، وبعض الولايات الأمريكية الأخرى أحياناً للتحقيق والتدقيق في بعض قضايا الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
هيئة المحلفين الطبيب الشرعي
وهناك نوع ثالث من لجنة التحكيم، والمعروفة باسم لجنة التحكيم الطبيب الشرعي يمكن أن تعقد في بعض اختصاص القانون العام في اتصال مع التحقيق من قبل الطبيب الشرعي.
الطبيب الشرعي هو مسؤول عام (غالباً مسؤول حكومي محلي منتخب في الولايات المتحدة)، وهو مكلف بتحديد الظروف المؤدية إلى الوفاة في حالات غامضة أو مشبوهة.
من الناحية العملية، تجتمع هيئات المحلفين في الطب الشرعي في أغلب الأحيان لتجنب ظهور مخالفات من قبل مسؤول حكومي في نظام العدالة الجنائية تجاه آخر إذا لم يتم توجيه اتهامات ضد الشخص الذي تسبب في الوفاة، عندما يكون هناك طرف حكومي مثل ضابط إنفاذ القانون متورط في الوفاة.
أصل هيئة المحلفين
تختلف المصادر حول تاريخ ظهور هيئة المحلفين لأول مرة؛ يقال إن بريطانيا كانت صاحبة الفضل في ظهور أقدم مفهوم لهيئة المحلفين الكبرى، بينما تفيد مصادر أخرى بأنها ظهرت أول مرة في اليونان القديمة باسم هيئة الاتهام.
لكن، ولأكثر من عشرين عاماً، جادل البروفيسور جون مقدسي بأن القانون العام الإنجليزي نشأ وتطور جزئياً عن طريق التأقلم مع مؤسسات الشريعة الإسلامية في العصور الوسطى.
وفي دراسته The Islamic Origins of the Common Law (الأصول الإسلامية للقانون العام) التي صدرت العام 1999، أجرى مقدسي مقارنة القانون الإنجليزي العام بالممارسات القانونية التي كانت شائعة في الإمارة الإسلامية، مثل إجراءات الدين، وهيئة المحلفين، والاستحقاق، واللفيف.
وأظهر مقدسي كيف تم إنشاء القانون الإنجليزي بسبب تبادل الثقافات بعد الفتح النورماندي وإدارة صقلية في القرنين 11 و12؛ من خلال الاتصال الوثيق بين ممالك النورمان روجر الثاني في صقلية- الذي حكم وغزا الإدارة الإسلامية- وهنري الثاني في إنجلترا.
وأن أصل فكرة هيئة المحلفين (Jury) المنتشرة في محاكم العالم، تعود أصل فكرتها إلى الإمارة الإسلامية في صقلية (٢٥٠هـ – ٤٥٠هـ) وأصلها “اللفيف” في الفقه المالكي، وهي عبارة عن هيئة مكونة من 12 عضواً يشهدون أمام القاضي حول الأمور التي رأوها أو سمعوها بأنفسهم.