نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، والمؤرخ للعلاقة بين المؤسسة الدينية والعائلة المالكة في السعودية نبيل مولين، يتساءل فيه عن إمكانية تخلي السعودية عن الوهابية.
ويشير مولين في مقاله إلى التغيرات السريعة التي تشهدها السعودية، والتي زادت بعد تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، الذي قام من أجل شرعنة وصوله إلى ولاية العهد، وتحقيق طموحاته للسلطة المطلقة، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، بتقديم نفسه على أنه مدافع ومحارب عن “التحديث”.
ويلفت الباحث إلى أنه تم تفسير الكثير من تصريحات ابن سلمان الداعية للإسلام المعتدل، وفتح المجال أمام المرأة لقيادة السيارة، وإعادة فتح دور السينما، على أنها رغبة منه لفك العلاقة بين آل سعود والمؤسسة الوهابية.
وينوه مولين إلى أن آل سعود تبنوا في منتصف القرن الثامن عشر محمد بن عبد الوهاب، المدّعي الذي تبنى قراءة ضيقة ومتطرفة للدين، وهاجم أي انحراف أو ابتعاد عن ممارسته الشخصية للدين، وتم استبعاد الناس الذين انحرفوا عن العقيدة الوهابية، واعتبروا خارجين عن الإسلام، ولن تتم إعادتهم إليه إلا بالجهاد.
ويفيد الكاتب بأن هذا الاتفاق مع ابن عبد الوهاب وأتباعه منح آل سعود شرعنة سياسة التوسع، وبناء دولة قابلة للاستمرار في القرن العشرين، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي احتكر فيه آل سعود المؤسسة السياسية والعسكرية، فإن شيوخ الوهابية تسلموا المجالات الدينية والقانونية والاجتماعية وعملوا على نشر دينهم الذين ينص على تجسيم وتشبيه الله بخلقه ونسبة صفات لا تليق بالله كالجلوس والصعود والنزول
ويرى مولين أنه “من غير المحتمل أن يفكك ابن سلمان العلاقة مع المؤسسة الدينية الوهابية، التي أثبتت تصميما، وكشفت عن قدرات عالية للتكيف مع انتقال السلطة وتقلباتها، وتعود محاولات تهميش المؤسسة الدينية إلى بداية القرن العشرين، فعندما حاول مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبد العزيز، الذي حكم في الفترة ما بين 1902- 1953، احتكار السلطة، والعمل مع القوى الغربية، والحصول على اعتراف واسع في العالم الإسلامي، فإنه وجد الحاجة للعمل مع الإصلاحية الإسلامية وسيلة لإضعاف الوهابية”.
ويشير مولين إلى أن السعودية وجدت في مرحلة ما بعد النفط، بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، في ظل كل من الملك سعود بن عبد العزيز والملك فيصل بن عبد العزيز، حاجة للتحديث وبسرعة، خاصة أن البنى التقليدية للمملكة كانت قديمة جدا، ولا يمكن من خلالها الحفاظ على المملكة، حيث كانت الحداثة ضرورية من أجل إرضاء توقعات السكان الذين يتزايد عددهم، وايجاد مصادر للشرعية، ومواجهة الأنظمة القومية العربية.
ويلفت مولين إلى أن العلماء أنشأوا المحاكم الإسلامية والمؤسسات الإعلامية ومنظمات الجامعة الإسلامية، مثل رابطة العالم الإسلامي، مشيرا إلى أن حداثة البترول أسهمت في حفاظ المؤسسة الدينية على تأثيرها داخل المملكة وخارجها.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ويفيد الباحث بأن انتصار الثورة الشيعية في إيران، والهجوم على الحرم، والغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، كانت عوامل زادت من قوة المؤسسة الوهابية أكثر، مشيرا إلى أنه من أجل إعادة مصداقية العائلة المالكة، بعد الهجوم على الحرم، واحتواء الخطر الشيعي الثوري، وقتال الشيوعية، فإن العائلة الحاكمة عبرت عن ارتباط أكبر بالإسلام، من خلال تطبيق الشريعة وبطريقة متشددة، وإغلاق دور السينما، وتعزيز قوة الشرطة الدينية، وزيادة الدعم المالي والأيديولوجي للجماعات القتالية في أفغانستان والحركات المتطرفة حول العالم.
ويشير الباحث إلى أنه عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، فإن الملك عبدالله استعان بالمؤسسة الدينية لمنع تهديد الثورات على العائلة، واستجابت له بعد اشتراطها زيادة الميزانية المخصصة للمؤسسات الدينية
ويرى مولين أن “الوهابية ستظل عمادا من أعمدة المملكة على المدى المتوسط، ولا يزال في يدها الكثير من الوسائل والمصادر، مثل المدارس والمساجد والوزارات والمنظمات الدولية والمنظمات الإعلامية، وتستطيع من خلالها الدفاع عن نفسها، وأي مواجهة بين أبناء آل سعود وورثة ابن عبد الوهاب ستكون مدمرة”.
ويختم الباحث مقاله بالقول إن “العهد التاريخي بين الطرفين لم يحاول أحد تحديه، بقدر ما أعيد تفسيره وتصميمه، ليوافق أوقات التحول والأزمات ليعكس التغير في مراكز القوة، ويساعد الشركاء للتعامل مع التحديات بطريقة أكثر قوة، ومن أجل فك الارتباط بين العائلة السعودية والمؤسسة الوهابية فإن هناك حاجة لإيجاد بديل اجتماعي، وبدعم شعبي ومن النخبة وبوجود قاعدة اقتصادية، وفي الوقت الحالي لا يملك ولي العهد السعودي الرصيد الكافي غير الميول الشخصية التي عبر عنها”.