* قال لي صديق: التكفير حكم شرعي، فلِمَ تخجلون منه!
– قلت: نحن لا نخجل من وصف من تحقَّق بالكفر به، لكننا نمنع أن يكون التكفير سيفاً في يد الجهلة يضربون به من لا يستحق.
* قال: لكنكم لا تكفرون بعض من يجب تكفيره
–قلت: معرفة ما يكفَّر به المرء وما لا يكفَّر يدخل بعضها في أبواب العقائد وبعضها في أبواب اخرى، فيحتاج الأمر إلى كثير علم، لا يناله كل من اشتغل ببعض العلم الشرعي ولو تخصص في بعض جوانبه، واعلم أن تنزيل الحكم بالكفر على واقعة محددة أو شخص معين لا يكون إلا من قاضٍ أو ذو إلمام ومعرفة بهذه الأحكام فلا يصح رمي الناس بالكفر من غير حجة ولا دليل بيّن!
*فقال: فلِمَ لا تكفرون الصوفية أهل الانحراف والضلال والبدع؟
– قلت: الصوفية مسلمون يريدون التحقق بالدين، فانتقادهم لمجرد الاسم لا يصح؛ بل ينبغي على المسلم سلوك سبيلهم، يقول سيدي أبي المواهب الشعراني في “الطبقات الكبرى”: “وسمعت شيخي ومولاي أبا يحيى زكريا الأنصاري شيخ اﻹسلام يقول: إذا لم يكن للفقيه علم بأحوال القوم -أي الصوفية- واصطلاحاتهم = فهو فقيه جاف. وكنت أسمعه يقول كثيراً: الاعتقاد صبغة، والانتقاد حرمان”.
*فقال: ما الذي ترمي إليه؟!
–قلت: الذي أقصده أن تقرأ رسالة السيد عبد الله بن الصديق “حسن التلطف في بيان وجوب سلوك طريق التصوف”؛ لتعلم كم قصرت الأمة في دينها وتبعت أصحاب الدجال الذين يقلبون الحقائق، فصارت كلمة صوفي لا تقال إلا ويتصور الذهن مجموعة من الدراويش أو المبتدعة فاسدي الاعتقاد، وهذا من مصاديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لن تقوم الساعة حتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين”.
*قال: يا سيدي، نحن أمام وقائع لا يمكن تكذيبها، مواقف وعبارات وكلمات لا تحتمل إلا الكفر!
–قلت: ينبغي إحسان الظن بالمسلمين، وحمل كلامهم على أحسن المحامل ما أمكن طالما يوجد مخرج مقبول له، وتذكَّر قول حجة الإسلام الغزالي: “من قال قولاً يحتمل الايمان من وجه ويحتمل الكفر من تسعة وتسعين، حملنا كلامه على وجه الايمان”.
ثم اعلم أن أهل التصوف على صنفين: أهل سلوك كالجنيد، وأهل معرفة كابن العربي الحاتمي والجيلاني والرفاعي، وغالب من يشكل كلامه منهم يكون من الصنف الثاني.
*قال: فكيف نتعامل مع “شطحات” الصوفية وعباراتهم غير المفهومة في كتبهم؟!
–قلت: القاعدة مع الصوفية وغيرهم: تعظيم جانب الأدب وتقديم حسن الظن بمن ظاهره اﻹسلام، وحمل كلامه على أحسن المحامل ما أمكن.. كما قلت.
ثم انظر.. كان اﻹمام الشعراني -رضي الله عنه- يحرص في مؤلفاته على تأكيد أن ما سيقوله في كتبه لا يخرج عن عقيدة أهل السنة: الأشاعرة والماتريدية، كما فعل في “القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية” و”اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر” و”الكبريت الأحمر في عقائد الشيخ الأكبر” و”الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية”، و”الطبقات الكبرى” وغيرها.. وذلك دفعاً لاعتراض المعترضين ممن تقصر عقولهم عن إدراك مرامي ما سيذكره من علوم أهل الله التي لا تخالف عقائد الصحابة -رضي الله عنهم- بحال.
– يقول سيدي أحمد الرفاعي فيما نقله الإمام الشعراني في “الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية”: “ما دام أحدكم يسيء الظن بأحد من الخلق = فهو دليل على نجاسة باطنه”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
*فقال: هل تريد التماس الأعذار في الكفر الصريح؟
–قلت: صريح في عقلك أنت لسوء باطنك، أما عند أهل العلم فلا؛ لأن القائل مسلم فلا نخرجه من الإسلام إلا بجحود ما أدخله فيه، كما يقول الإمام الطحاوي في عقيدته.
* أليس ادعاء الألوهية كفراً، أليس اعتقاد الحلول كفراً؟
–قلت: نعم لا شك، لكن تنزيل هذا القول على العاميّة يحتاج إلى حذر، فالخطأ في إدخال كافر في الإسلام خطير كخطر إخراج مسلم منه، ولا يسارع للتكفير إلا الجهلة.
*قال: هذا كلام الصوفية أهل الضلال للمداراة على شركياتهم وبدعهم، والدين واضح لا يحتاج لكل هذا.
–قلت: الصوفية هم جمهور علماء الأمة، وكونك لا تدرك هذا لنشأتك في زمان علا فيه صوت الوهابية حتى صار الناس جميعاً يقولون بقولهم مع اختلاف القوة والضعف وصار مخالفهم مشركاَ أو فيه شرك = لا يجعل الباطل حقاً.. فما من عالم تسمع عنه إلا وكان صوفياً له شيخ في التربية.
*قال: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لم يكونا صوفية وهما العلماء بحق!
–قلت: مع تحفظي على تسمية ابن تيمية بشيخ الإسلام مع علمنا أنه خالف المسلمين في الأصول والفروع وحصر فهْم الإسلام والتعبير عنه في شخصيتين، لكن لهما كلام في حق الصوفية ليس ككلامكم، فلابن تيمية مجلدان في التصوف، ويقال إنه لبس الخرقة القادرية، وابن القيم كان يقول عن نفسه أنه متصوف في مدارج السالكين.
يقول الشعراني بـ”الأنوار القدسية في آداب العبودية” ما نصه: “وبالجملة، فمن نظر إلى ما الخلق فيه من المصائب والفتن والمحن الظاهرة والباطنة = سهل عليه المناقشة فيما لا يفهمه ووكل علم ذلك إلى أهله، فلكل رجال مقام يذوقونه فيما بينهم، ومن فهم هذا = توقف عن الإنكار على غيره؛ لأنه سالك من طريق غير طريقه، فلا يعترض الفقيه على النحوي، ولا المقرئ على الأصولي، ولا الفقيه على الصوفي، وبالعكس؛ لأن لكل فرقة اصطلاحاً فيما بينهم.
وكلامنا في الاعتراض بالفهم من غير مستند شرعي، وإلا فلو رأينا الصوفي يتربع في الهواء = لا نعبأ به، إلا إن امتثل أمر الله تعالى واجتنب نهيه… وحرام على هذا أن يتكدر ممن نصحه، وحرام على الفقيه أن يتكدر من نصح الولي؛ لأنه أعلى منه فهماً في أحكام الله تعالى.. ولا يتوهم أن علم الأولياء وغوصهم في فهم الأحكام يتوقفان على الآلات عند غيرهم كالنحو واللغة والمعاني ونحو ذلك، فإن الله -سبحانه وتعالى- لا تقييد عليه، فيعطي من شاء، ما شاء، كيف شاء. فافهم”.
*قال: بمعنى؟!
– قلت: أي إن دواء الجهل السؤال، لا المبادرة بالإنكار والانتقاد.. فلنتعلم جميعاً أن علومنا كلها إلى قيام الساعة ليست سوى قطرة من بحار علم الله، والله تعالى يعلم من شاء ما شاء، وفي قصة الخضر إشارة، وفي سلوك موسى معه دلالة على ما ينبغي لأمثالنا فعله.
وهذا الكلام المذكور فرع ثبوت صدق مدّعي الولاية، فإن ثبت عندك ولايته: وجب التسليم وترك الإنكار.
وإن لم تثبت: فاعتبر فيه أصل الإسلام وعامِله بحسن الظن كما أمر الشرع.
وإن كان في كلام الولي ما يشوش العوام: فانههم عن كتبه، كما يفعل أهل الله أنفسهم مع كتب الشيخ الأكبر، حيث يقرون ولايته ويجتنبون النظر في كتبه.
أما غير هذا: فتحاملٌ وهوىً، وحرمانٌ وخسرانٌ.. والسلام.