لم ينحصر هول مفاجأة العراقيين بداية الألفية الثالثة برؤيتهم الدّبابة الأميركية وسط العاصمة بغداد في غزو قادته الولايات المتحدة لبلادهم عام 2003، أطاحت من خلاله بنظام الرئيس الراحل صدام حسين فحسب، بل سرعان ما وسّعت هذه البداية سقف المفاجآت بمشاهدة صدّام نفسه على منصّة الإعدام وقد لُفّ حبل المشنقة حول عنقه صبيحة 30 ديسمبر/كانون الأوّل 2006، والذي وافق أول أيام عيد الأضحى المبارك وقتذاك.
مرّ 16 عاما على هذا الحدث، إلا أنّه ما زال يحملُ تفسيرات وتأويلات متباينة إلى حدٍ ما، مع جملة من الخفايا والأسرار ما زالت ترافقه دون إجابة واضحة عليها، أبرزها يدور حول نية أطراف خارجية تهريب صدام، إضافةً إلى أسباب اختيار هذا التوقيت تحديدا لتنفيذ الحكم
طموح سياسي
واتُّهم صدام بارتكاب عدّة جرائم قيل إنها ضد الإنسانية على مدى ربع قرن من حكمه للعراق (1979-2003)، إلى أن أطيح به بالغزو الأميركي للبلاد، إلا أن هذا كله لا يعني عدم وجود أجندات ونوايا خلف إعدامه، أهمها الطموح السياسي والشرف التاريخي الذي طمع به رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بجعل حدث إعدام صدام في عهده، كما يقول القاضي منير حداد نائب رئيس المحكمة الجنائية العليا، ونائب رئيس محكمة التمييز، والمشرف على عملية الإعدام.
بماذا تنبأ القذافي؟
وما يمكن اعتبارها الزاوية الأكثر استغرابا وإثارة في إعدام صدام حسين -كما يؤكد حداد- هو تخصيص الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي 5 مليارات دولار أميركي لتهريبه من السجن، لكن محاولاته وخططه باءت بالفشل، وأكدت المعارضة الليبية هذا الأمر بعد الإطاحة به، وكذلك تنبأ القذافي في خطابه أمام إحدى القمم العربية بأن يكون مصير رؤساء العرب مشابها لمصير صدام.
ورغم أن القضاء العراقي اتهم صدام بتنفيذ جرائم بشعة ضد الإنسانية، ولا سيما المجازر التي ارتكبها بحقّ الأكراد والشيعة، فإن محاولة اغتياله عام 1982 بقضاء الدجيل هي التي أوصلته الى حبل المشنقة.
فقد وقعت مجزرة الدجيل مطلع ثمانينيات القرن الماضي في بلدة تحمل هذا الاسم شمال بغداد، بعد هجوم على موكب الرئيس الراحل. وقتل في المجزرة 143 شخصا من سكان البلدة، ودمّرت ممتلكات عديدة.
فخ أميركي
ولم يخلُ بقاء صدام حسين على قيد الحياة خلف الستار من تحقيق مصالح متضاربة لأطراف أرادت الاستفادة منه ومن معلوماته المتعلّقة بأحداثٍ مهمة وحساسة وبارزة، عكس جهاتٍ أخرى أسرعت في تنفيذ الإعدام خشيةً من احتمالية عودة حزب البعث ثانيةً، أو سعي قوى معيّنة لاستخدام وجوده لإثارة الكثير من القضايا وإخضاع العراق لمساومات هو في غنى عنها، وهذا ما دفع المالكي إلى حسم الأمر وتنفيذ حُكم الإعدام.
ولم يكن إيصال صدّام حسين إلى منصة الإعدام سهلا ما لم تشترك عدّة دول خارجية وأطراف داخلية في هذا الأمر، بحسب ما يرى أستاذ التاريخ السياسي في الجامعة المستنصرية الدكتور صالح العلوي، عازيا السبب إلى ظروف ضاغطة داخلية وخارجية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وفي رده على سؤال للجزيرة نت عما إذا كانت أميركا أوقعت الطبقة السياسية العراقية في فخها بتحديد هذا التاريخ لتنفيذ حكم الإعدام أم لا، يؤكد العلوي تدخل أميركا في هذا الأمر بل إنها عملت على تقريبه، في خطوة يفسرها بأنها خدعة ذكية لتجعل عند المسلمين لغطا وتفسيرا وتشويها لمناسباتهم، مستذكرا حادثة في التاريخ الإسلامي مشابهة لما حصل مع صدام، بقيام أحد الخلفاء العباسيين بتنفيذ حُكم الإعدام بحقّ جماعة معارضة انقلبت عليه، وكان ابن له من بينهم، رافضا الانصياع لمناشدة زوجته بإطلاق سراح ابنيهما، ونفذ فيهم حُكم الإعدام في أحد أعياد الأضحى المبارك.
ويشير العلوي الى إحدى ألاعيب أميركا التي أوهمت فيه الطبقة السياسية من خلال الضغط عليها لإخراج صدام حسين من السجن في الظاهر، إلا أن نيتها في الباطن كانت لدفعهم للاستعجال بتنفيذ الإعدام، ونجحت في ذلك، وأوقعت كل السياسيين في هذا الفخ.
استفزاز وضوء أخضر
بدوره، يوافق أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد الحياني على رأي العلوي بنجاح أميركا في إيقاع السياسيين العراقيين بفخها من خلال إعدام صدام حسين بهذه الطريقة، مقللا من قدرة الطبقة السياسية التي جاءت بعد 2003 على إعدامه ما لم تحصل على ضوءٍ أخضر من أميركا.
واتهم الحياني الطبقة السياسية باستفزاز الشعب العراقي من خلال تنفيذ حكم الإعدام صبيحة عيد الأضحى المبارك، مستبعدا فكرة تهريب صدام أو استخراجه بطريقةٍ أو بأخرى أو عدم إعدامه، وهو المتهم بملفات جنائية كثيرة وحُكم عليه بالإعدام على إثر ذلك.
واستغرب من خلو مراسم تنفيذ حُكم الإعدام من الأسس الإسلامية والبُعدين الإنساني والأخلاقي، إضافةً إلى المبادئ العربية، ولا سيما أن صدام حسين كان رئيسا للعراق وحكمه لنحو 25 عاما.
المصدر : الجزيرة