جمهورية سريلانكا تقع في شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية، قبالة سواحل الهند الجنوبية وتتشارك الحدود البحرية معها من جهة الشمال الغربي؛ بينما تحدها من الجنوب الغربي جزر المالديف الشهيرة. كما أن لها تاريخاً قديماً مع الاستعمار والتحول من تبيعة أوروبية إلى أخرى.
من بين هذه المتغيرات التاريخية كان دخول الإسلام إليها، والذي هو حالياً بمثابة ثالث أكبر ديانة في سريلانكا بعد الهندوسية والبوذية، فكيف دخل إليها الإسلام، وأصبح أحد أبرز الديانات فيها؟ هذا ما سنعرفه في تقريرنا التالي.
سريلانكا قديماً
بحسب علماء الأنثروبولوجي والجيولوجيا والآثار، فإن سريلانكا شهدت وجود البشر قبل 75 إلى 125 ألف سنة، بدلائل تؤكد وجود مجموعات من قبائل وتجمعات الرعاة وجامعي الطعام في الحقبة الحجرية الأولى، أما أول دلائل الحضارة في أراضي سريلانكا فكانت سنة 500 قبل الميلاد، عندما وصلت إليها جماعة صغيرة من عرقية السنهال (تذكر بعض المصادر أن عددهم كان 700 شخص بقيادة أول زعيم بوذي هو فيجايا) التي استقرت في سريلانكا وفي وجود أول حضارة لهم انتشرت مبادئ الديانة البوذية 300-260 قبل الميلاد.
وتوالت الحضارات الأولية بعد الميلاد في تاريخ سريلانكا، والتي كان أبرزها حضارة “بولوناروا” والتي تواجدت في حوالي 1070 سنة إلى 1200 سنة. وفي القرن الـ14 قامت سلالة حاكمة هندية بالاستيلاء على السلطة في المنطقة الشمالية للبلاد وأسست مملكة عُرفت باسم “تاميل” هناك، وكان أغلب مواطنيها من المهاجرين من أراضي الهند، بينما استقرت عراقية السنهال في الجنوب.
دخول الإسلام مع التجارة
قبل أن تلتفت الأنظار الأوروبية الاستعمارية إلى أرض سريلانكا كانت سريلانكا (عُرفت أيضاً باسم تابروبان) تتميز بكونها مركزاً مهماً للتجارة العالمية قديماً، بل كانت إحدى محطات طريق الحرير المشهور تاريخياً، وعرف طريقها أغلب التجار العرب في القرون الميلادية الأولى.
ومع ازدياد تدفق التجار العرب على سريلانكا في حوالي القرنين السادس والسابع الميلاديين، بدأ الإسلام في الازدهار فيها، وعرفها التجار العرب باسمها العربي القديم “سرنديب”.
وانتشر وجود الإسلام فيها عبر المعاملة والتجارة والزواج من أهلها، وبحلول القرن الثامن الميلادي سيطر التجار العرب على جزء مهم وكبير من التجارة في المحيط الهندي، وبالطبع كانت جزيرة سرنديب واحدة من أبرز الوجهات للتجار العرب، وفضل الكثير منهم الاستقرار في الجزيرة، مما شجع على انتشار الإسلام بشكل طبيعي، وليس عبر الفتوحات الإسلامية، ففي تلك الفترة ازدهرت التجارة بين التجار المسلمين وبلاد آسيا بشكل كبير.
سريلانكا أو سرنديب في التاريخ العربي الإسلامي
من بين أبرز ما جاء عن سرنديب، أو سريلانكا، في التاريخ كان ذكرها في كتاب الرحالة والجغرافي محمد الشريف الإدريسي “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” (1100-1164م) ، ووصف ملكها بالثراء الشديد، وأنه يملك ما لا يملكه أحد من ملوك الهند (وإليها تقصد مراكب أهل الصين وسائر بلاد الملوك المجاورين له)، كما ذكر الإدريسي في وصف خيرات سرنديب مثل الجواهر والياقوت والحرير والبلور والألماس والعطور وأنواع الأحجار الكريمة الموجودة في معالم الجزيرة المختلفة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كما وصف الإدريسي عن “سرنديب” نظام الحكم الذي وضعه ملك وصفه بأنه غني وعادل واتخذ له أربعة وزراء من المسلمين ومثلهم من المسيحيين وكذلك اليهود، وأيضاً من دين الملك المحلي “البوذية”، وأصبح تعيين مستشارين مسلمين عادة لدى ملوك جزيرة سرنديب قبل زمن الاستعمار الأوروبي.
كما ذكر سرنديب (عُرفت أيضاً باسم سيلان) المؤرخ والرحالة والأديب ياقوت الحموي الذي عاش بين أعوام (1178 – 1225م) في كتابه الشهير (معجم البلدان)، ومن بين ما ذكره الحموي أن الجبل الذي هبط عليه آدم -عليه السلام- في الأرض يقع في سرنديب ووصفه باسم “جبل الرهون”، وأضاف أن فيه أثر قدم “آدم” مغموسة في الحجر “وطولها نحو سبعين ذراعاً، ويزعمون أنه خطا الخطوة الأخرى في البحر، وهو منه على مسيرة يوم وليلة”.
كما أن سرنديب كانت من الجمال لدرجة تغنى الشعراء فيها ومن بين أبرز من وصف سريلانكا أو سرنديب بالجمال كانت أبيات الإمام الشافعي:
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب – وفيضي آبار تكرور تِبْـراً
الاستعمار الأوروبي واستمرار الإسلام
في القرن الخامس عشر بدأ الاستعمار الأوروبي يزحف على سريلانكا، وبدأ بهجوم من البرتغاليين عام 1505، إذ كانت البرتغال أولَ قوة أوروبية تستعمر الجزيرة.
وعندما وصل البرتغاليون كان أحفاد التجار العرب هم التجار الرئيسيين للتوابل والأحجار الكريمة، وتمتعوا آنذاك بنفوذ تجاري قوي امتد إلى بلدان الشرق الأوسط، وأطلق البرتغاليون مصطلح “الموريين” لوصف مسلمي الجزيرة، وهو الوصف نفسه الذي استخدمه البرتغاليين والإسبان لوصف المجتمعات الإسلامية الأخرى في الأندلس والمغرب العربي، ونتيجة لذلك وجدت هوية محلية تسمى “موريو جزيرة سيلان” تنتسب إلى العرب، ولكن لم تعد العربية لغتهم الأولى اليوم، بل تحولت إلى اللغة التاميلية.
بعد ذلك في القرن السابع عشر تنافس الاستعمار الهولندي مع البرتغالي في بسط سيطرته على الجزيرة عام 1638م، وكان ذلك بسبب استنجاد ملك سريلانكا آنذاك بالهولنديين، الذين اشتهروا بأنهم أشرس منافسي البرتغاليين التجاريين في آسيا آنذاك – خوفاً من أن تتسبب الهيمنة البرتغالية على الجزيرة إلى تلاشي مملكته، وبالفعل انتهى الوجود البرتغالي في الجزيرة في سنة 1668م.
ولكن لم تكد تستقر سريلانكا حتى بدأت الأطماع البريطانية في ملاحظة خيرات هذه البقعة الحيوية في آسيا وموقعها المميز في التجارة العالمية، فسيطر الاستعمار البريطاني على غالبية الجزيرة عام 1796؛ لتضمَّها بريطانيا عام 1802 كمستعمرة ملكية بريطانية، واشتهرت أثناء الاستعمار البريطاني باسم جزيرة سيلان، وانتهت الحقبة الاستعمارية فيها عام 1948، وتحولت إلى جمهورية سريلانكا الشعبية.
واليوم يشكل المسلمون نسبة 9% تقريباً من إجمالي عدد سكان سريلانكا، والإسلام يعد ثالث أكبر ديانة هناك تليه المسيحية بنسبة 7.4%