في العام 1857 كانت دولة المكسيك تعاني حرباً أهلية بين المحافظين والليبراليين. تفاقمت هذه الحرب إلى حد تدخُّل بعض القوى الأوروبية بدعوى “حل النزاع” بين الطرفين، وترجيح كفة طرف على حساب الآخر تحقيقاً للمصالح.
ونتيجة لذلك الصراع، الذي تدخلت فيه القوى العظمى والدول الاستعمارية الكبرى، تورطت كتيبة مصرية في الحرب من دون حول لها ولا قوة، لكنها في الوقت نفسه حققت انتصارات وبطولات استحقت عليها الأوسمة. فما هي قصة تلك الكتيبة المصرية؟
الحرب الأهلية في المكسيك
كانت البداية، عندما ازدادت حدة الخلاف بين أطياف الشعب في المكسيك حينما فاز الليبراليون في الانتخابات وتولوا زمام البلاد، وبدأوا في تنفيذ رؤيتهم للدولة بشكل لم يرُق للمحافظين في ذلك الوقت.
وبحسب موقع History للتاريخ، بدأت حرب ضروس بين الطرفين، اتخذ فيها المحافظون مدينة مكسيكو سيتي عاصمة لها، في حين تمركز الليبراليون في مدينة فيراكوز.
وبعد 4 سنوات من الصراع واستنزاف مقدرات الدولة، انتهت الحرب لصالح الليبراليين، علاوة على وقوع المكسيك في أزمة ديون طاحنة، نتيجة استعانة الطرفين بالقوى الأوروبية للمساندة والدعم، فكان على رأس الدول الدائنة بريطانيا وفرنسا وإسبانيا.
ولكن عندما وجدت تلك الدول أن المكسيك أضعف بكثير من أن تتمكن من تسديد ما عليها من ديون وفوائد، تم آنذاك توقيع اتفاقية ثلاثية لاحتلال المكسيك والسيطرة عليها لحين تسديد المستحقات بالكامل.
حتى تلك الاتفاقية الثلاثية لم تدم طويلاً، فقد تطلعت فرنسا لما هو أكثر من ذلك، فكان نابليون الثالث يحمل ذات التطلعات الاستعمارية لعمه نابليون بونابارت، وأراد ضم المكسيك لإمبراطوريته.
أطماع فرنسا والاحتلال الثلاثي
وقد عيّن نابليون الثالث أرشيدوق النمسا، فرديناند ماكسميليان، ليكون ملكاً على المكسيك، وبذلك يكون الحاكم الصوري للبلاد لكن يكون لفرنسا القول الحقيقي على الأرض.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
بجانب هذه الخطط السياسة، كانت القوات العسكرية للدول الاستعمارية الثلاث تواصل احتلال المدن. إلا أنه في فبراير/شباط عام 1862 دفعت فرنسا بكامل قوتها إلى المكسيك.
إذ أرسلت فرنسا أفواجاً جديدة لبعض المدن لمد نفوذها وفرض سيطرتها بالكامل، تلاهم أيضاً مد جيش كامل هناك، ما دفع بريطانيا وإسبانيا للانسحاب في أبريل/نيسان من العام نفسه.
ليواجه الفرنسيون مواطني المكسيك المتصارعين بشكل مباشر منذ ذلك الحين.
طلب الدعم من مصر
بعد أن ضربت الأمراض صفوف الجيش الفرنسي في المكسيك، خطر لنابليون الثالث أن يطلب المساعدة من سعيد باشا والي مصر، الذي قيل إنهما جمعتهما صداقة وطيدة.
وبالفعل استجاب والي مصر، وفقاً لما جاء في كتاب مصر فى عهدى عباس وسعيد، للكاتب المصري زين العابدين شمس الدين نجم، وأرسل له كتيبة مصرية كاملة.
وبحسب توثيق المؤرخ والمفكر المصري عُمر طوسون، حفيد الخديوي إسماعيل، في كتاب له بعنوان بطولة الأورطة السودانية المصرية فى حرب المكسيك، “تنقسم المكسيك إلى جبال ووهاد، ووهادها تسمى الأراضى الحارة، وهي واقعة على سواحلها البحرية، ومناخها وبيل تنتشر فيه الحمى الصفراء والدسنتاريا وإذا أقام به الأوروبيون فتكت بهم هذه الأمراض فتكاً ذريعاً”.
كذلك كان لجيش مصر صيت واسع آنذاك بعد أن تولى محمد علي حكم مصر والسودان، وبدأ في بناء جيش قوي، وأرسل جنوده لمعارك في مناطق مختلفة من العالم، وحققوا نجاحات وبطولات بسبب تدريبهم عالي المستوى في مدارس التجنيد بالسودان، بحسب بوابة الأهرام المصرية.
الجنود المصريون محصَّنون من الأمراض!
نتيجة لذلك، اعتقد الفرنسيون أن الأشخاص من ذوي البشرة الداكنة محصنون ضد الأمراض، لذلك استعانت فرنسا بعساكر من أصول إفريقية، وجندتهم لهذه الحرب، خاصة من مستعمراتها الأخرى.
وبالفعل بعد طلب للخديوي أن يمده بمجموعة من الجنود السودانيين والمصريين، قبل سعيد باشا مطلب نابليون، لكنه لم يرسل سوى أورطة مؤلفة من 453 جندياً بين ضباط وصف ضباط وعسكر.
وبحسب صحيفة اليوم السابع المصرية كانت هذه الأورطة “مكونة من أربعة لوكات، وهى من ألاى المشاة التاسع عشر، واشتركت فى حرب المكسيك في الفترة من عام 1863 إلى عام 1867″، نقلاً عن طوسون.
وبينما أتى الكتاب السابق على ذكر أن عدد اللواء المصري السوداني لم يتجاوز بضع مئات، يؤكد زين العابدين شمس الدين نجم، أن العدد كان 1200 مقاتل إجمالياً.
وبحسب كتاب بطولة الأورطة السودانية المصرية، أقلعت الناقلة الفرنسية “لاشين” في 8 يناير/كانون الثاني عام 1863، بالكتيبة المصرية السودانية من الإسكندرية، وصولاً إلى فيراكروز في المكسيك، وتحديداً يوم 23 فبراير/شباط.
بطولات وتكريم للكتيبة المصرية
قبل خوض المعارك، وخلال رحلة السفر المضنية التي استغرقت 47 يوماً، مات 7 جنود أثناء الرحلة التي كانت بقيادة البكباشي المصري جبرة الله محمد أفندي، ووكيله اليوزباشى محمد أفندي الماسي، بحسب اليوم السابع.
ويقول شمس الدين في كتابه، إن هذه القوات استمرت في دعم القوات الفرنسية بالمكسيك لمدة تجاوزت 4 سنوات، قُتل خلالها قائد الكتيبة، ولم يبق منها سوى بعض الضباط ونحو 300 جندي تقريباً.
وقد شاركت الكتيبة في قرابة 48 معركة رئيسية خلال فترة وجودها في دولة المكسيك. وكان الجنود مكلفين بتوفير غطاء ناري للقوات الفرنسية أثناء الانسحاب، وفقاً لموقع إضاءات. وبالتالي كانوا من أواخر المجموعات التي رحلت عن المكسيك.
لكن خلال فترة الحرب تلك حصلت الكتيبة المصرية على 11 وسام شرف فرنسي، وهو أعلى وسام عسكري في فرنسا، إضافة إلى 56 ميدالية عسكرية.
وبحلول عام 1867، عادت الأعداد الباقية من المجموعة إلى فرنسا بعد جلاء الفرنسيين عن المكسيك، واستعرضها الإمبراطور بحضور القائد المصري شاهين باشا، الذي كان يزور فرنسا وقتئذ.
ووزعت الأوسمة على بعض المميزين من رجالها، ورجعت إلى مصر بحلول العام نفسه، فاستعرضها حاكم مصر آنذاك، الخديوي إسماعيل، بسراى رأس التين، وأمر بترقية عدد منهم.