جبلٌ صخريّ، يظهر في أحد جوانبه نحتٌ على هيئة باب، تطوّقه الغابات من كل مكان، ويكتنفه الضباب من حين لآخر.. لا يكاد الليل يلقي بظلاله عليه، حتى يزمجر بصوتٍ مرعبٍ متوعّدًا من يقترب منه.. لا أحد يسمع ذلك الوعيد، ولكنّ الجميع يشعرون به بمجرّد النظر إليه، أو التفكير في صعوده.. إنّه جبل حرفة، حيث المصير المجهول.
يقع جبل حرفة – بفتح الحاء- في مركز بني عمرو التابع لمحافظة النماص جنوب غربي المملكة العربية السعودية، ويبلغ ارتفاعه نحو 2491 مترًا عن سطح البحر، ويقع إلى جانبه من الجهة الشماليّة الغربيّة جبلًا صغيرًا يسمّى “الثدي”، نسبةً إلى تشكيله المشابه للثدي، وتحيط به الغابات وبعض قرى بني عمرو، وقد أشيعت حوله الكثير من القصص والحكايات التي تراوحت بين الحقيقة والخرافة، ولا شك أنّ موقع الجبل ووعورته وشكله المميز والغريب قد جعلت منه مرتعًا خصبًا لأصحاب الخيال الواسع.
ممّا شاع بين الناس حول ذلك الجبل، أنّ من يصعد إليه مجرّد الصعود أو ينام فيه ليلة سيكون مصيره الفحولة الشعريّة، أو الجنون التام، وأنّ الباب المنحوت على جانبه الشمالي – ويسمّى باب حرفة -، يستحيل في ظلام الليل من صخرةٍ صمّاءٍ إلى بابٍ حديديّ!
ولا يزال أصحاب القرى المجاورة لذلك الجبل يتحدثون عن سماع أصوات قرع الطبول والرقص ونحوها، وعند تعقّب تلك الأصوات، يكتشفون أن خطواتهم تسوقهم نحو مكانٍ لا يجرؤ في العادة أحدٌ على التواجد فيه خلال الليل، فضلًا عن أن يقرع فيه طبلًا، أو يرقص طربًا.. نحو جبل حرفة!
في السطور التالية سنروي بعض الحوادث التي دارت رحاها حول ذلك الجبل الغامض، والتي شهد بعضها أشخاصٌ معاصرون لنا، بينما قد يكون نسج الخيال هو مصدر البعض الآخر..
الفتاة العذراء
ممّا تناقله الناس حول جبل حرفة أنّ فتاةً بكرًا قد خرجت يومًا لتستقي من إحدى الأبيار المجاورة للجبل، فإذا بها ترى خاتمًا يعوم على مياه ذلك البئر، وأثناء محاولاتها للحصول على الخاتم، سُحبت بقوّة إلى داخل البئر لتسقط فيه، وتختفي تمامًا عن الأنظار، ولم تفلح جميع مساعي البحث في العثور عليها، وبعد عدّة أيّام، تفاجأ أبوها بدخول ثعبانٍ كبير إلى المنزل، وحين قام إليه ليقتله، إذا بالثعبان يتحدث!
ذلك الثعبان لم يكن سوى الجانّ الذي سحب الفتاة إلى داخل البئر، وقد ذكر لأبيها بأنّه أحد الجنّ الذين يسكنون جبل حرفة، وأنّه يحتفظ بابنته، وقد تزوّج بها، وأخبره بأنّ سبب قدومه هو تلبية ما يريده الأب بشأن زيجة ابنته!
رحلة صيد
ينقل لنا هذه الحادثة التي مضى عليها 8 سنوات – تقريبًا – أحد المقيمين بالقرب من جبل حرفة عن أحد أقاربه، حيث ذهب في إحدى الأيّام لصيد الطيور، فوقع بصره على طيرٍ قد استقرّ على إحدى الصخور، وحين عزم على توجيه البندقيّة نحوه، إذا به يسمع صوتًا غريبًا، وعلى حين غرّةٍ منه، انتُزعت البندقيّة من بين يديه، وأُلقيت على الأرض بقوّةٍ جعلتها تنشطر إلى نصفين، وقد كلّفته رحلة الصيد هذه الكثير من الرعب والهلع، والتي استمرّت معه فترةً ليست بالقصيرة!
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
أساطير قديمة
إلى ذلك، ذكر الدكتور صالح أبو عراد ــ مؤرخ سعودي ــ أن جبل حرفة الواقع في مركز بني عمرو يعد من المعالم المعروفة في النماص، وشهد الكثير من الحروب قديما، مبيناً تواتر الكثير من الأقاويل والأساطير لكبار السن وزوار هذا الجبل، ومنها أن القبيلة التي تريد النصر على قبيلة أخرى عليها استدراجها إلى هذا الجبل والقضاء عليها، وزاد أبوعراد بالقول: «من الأقاويل الأخرى الشائعة عن هذا الجبل، أن من أراد أن يصبح شاعرا فعليه النوم في هذا الجبل للاتصال بالجن لتلقينه الشعر»، واختتم حديثه بالقـــــول: «بات الجبـــل أسطـــورة ومصدر خوف ورهبة لكل من يقصده أو يحاول الاقتراب منه، علماً أن شكله الغريب جعله معلماً بارزاً في منطقة عسير»