يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد يحاول أن يفوز بالانتخابات القادمة عبر إراقة دماء الفلسطينيين، من خلال افتعاله الأزمة مع حركة الجهاد الفلسطينية خلال الأيام الماضية.
فبعد خمسة أسابيع بالضبط من توليه منصب رئيس الوزراء، يسعى لابيد، عبر افتعال الأزمة مع حركة الجهاد والفلسطينيين برمتهم لاكتساب شعبية في مواجهة معايرة منافسيه الإسرائيليين له بأنه لا يملك سجلاً عسكرياً قوياً أو خبرة في المناصب الأمنية العليا، أو لتصنيفه مدنياً جاهلاً، عليه أن يترك هذه الأمور لمحترفين حقيقيين، حسب وصف صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
لابيد يراهن أن الأزمة مع حركة الجهاد الفلسطينية لن تتوسع
وهكذا قرر لابيد شن هجوم دون أي مبررات على حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، بدعوى أن هدفه منع مقاتليها من شن ضربات صاروخية على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من حدود غزة، بعد أن نفذت سلطات الاحتلال عملية اعتقال لبسام السعدي أحد قادة الحركة في جنين بالضفة الغربية أثارت غضباً فلسطينيياً عارماً.
وعقب ذلك اقتحم مئات المستوطنين صباح اليوم، تحت حماية قوات الاحتلال، باحات المسجد الأقصى بدعوى إحياء ما يسمى “ذكرى خراب الهيكل”، في مؤشر على توالي التصعيد من قبل لابيد ضد الفلسطينيين بطريقة لا تختلف كثيراً عن مزايدات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف الانتخابية، والتي أدت إلى اندلاع حرب غزة في مايو/أيار 2021.
وحتى الآن لم تتصاعد الاشتباكات إلى أبعد من جبهة غزة ولم تنضم إليها الحركة الفلسطينية الأكبر حماس، رغم أنها أكدت تضامنها مع الجهاد.
ولو ظل الوضع على هذا النحو- فلم تنضم حماس إلى المعركة ولم تمتد الاشتباكات إلى القدس والضفة الغربية والبلدات والأحياء العربية الإسرائيلية داخل إسرائيل، وانتهت هذه الجولة من الحرب في ظرف أيام قليلة دون ضرب أهداف مدنية مهمة أو وقوع عدد كبير من الضحايا في غزة أو إسرائيل- فسيكون لابيد حقق غرضه من افتعال الأزمة مع حركة الجهاد، بإظهار نفسه أمام الناخبين الإسرائيليين في الانتخابات الإسرائيلية العامة المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، كرئيس وزراء قوي على حساب دماء الفلسطينيين.
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إنه لكي يحقق لابيد هذا الهدف فمن الضروري بالنسبة له أن تنتهي هذه العملية مثلما انتهت الأزمة مع حركة الجهاد التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 وسميت بعملية الحزام الأسود، حيث استمرت فقط ثلاثة أيام واقتصرت على مواجهات بين إسرائيل وحركة الجهاد، ولم يقتل فيها أي إسرائيلي، رغم إطلاق 450 صاروخاً باتجاه أهداف إسرائيلية.
والمؤشرات الرئيسية التي تعمل لصالح لابيد هي امتناع حماس عن التدخل حتى الآن والبيان الذي أصدره شريكه في التحالف زعيم القائمة العربية الموحدة منصور عباس والذي قال فيه: “مستعدون لنكون شركاء في قرارات الهدوء والسلام، ومهمتنا باعتبارنا أعضاء في الكنيست أن نتولى التعامل مع المشكلات التي تهم الجمهور العربي وحقوقه بشكل مباشر”. وبعبارة أخرى، في الوقت الحالي يبدو أن الأحداث يجري احتواؤها وأن حركة الجهاد الإسلامي الصغيرة نسبياً هي التي تخوض المعركة هذه المرة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
إليك الأشياء التي قد تخرج الأزمة عن حسابات لابيد
لكن الأمور قد تتغير بسرعة كبيرة. فمع اقتحام المتطرفين اليهود الحرم القدسي لإحياء ذكرى ما يسمى “خراب الهيكل” أو “تشيعاه بناف” اليوم الأحد 7 أغسطس/آب، قد تحدث اشتباكات مع الفلسطينيين بالقدس.
وفي أي لحظة، قد تتسبب غارة جوية للجيش الإسرائيلي في وقوع إصابات كبيرة أو قد يضرب صاروخ تطلقه حركة الجهاد الإسلامي منزلاً مليئاً بالمدنيين الإسرائيليين، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد أكبر بكثير. وفي سيناريو كهذا، سيُتهم لابيد لا بسوء التعامل مع الموقف فقط، ولكن بالتهور لإثبات أنه ليس قائداً عديم الخبرة، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وقيادة لابيد ليست الشيء الوحيد موضع الاختبار في غزة. بل الاستراتيجية الكاملة التي اتبعتها حكومته خلال العام الماضي. فربما يكون لابيد، من حيث المبدأ، داعماً لحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أما عملياً، فهذه الحكومة التي شكّلها، والتي كان يرأسها نفتالي بينيت في الجزء الأكبر من وجودها، كانت تتبع استراتيجية “تقليص الصراع”، التي تعتمد على حرمان الفلسطينيين من كل شيء في الحقوق السياسية، ومحاولة تقليل الاحتكاك العسكري برفع مستويات المعيشة في الضفة الغربية وقطاع غزة ومساعدة الاقتصاد الفلسطيني على النمو.
وفي ظاهر الأمر، فجولة أخرى من الحرب في غزة دليل على أن استراتيجية “تقليص الصراع” ليست ناجحة. لكن هذا يعتمد فعلياً على طول ونطاق هذه الجولة. فلو انتهى القتال في ظرف أيام قليلة، وظل داخل غزة واقتصر على حركة الجهاد الإسلامي التي تركز إسرائيل على علاقتها الوثيقة مع إيران، فالإسرائيليون الذين يدعمون هذه الفكرة سيزعمون أن هذه الاشتباكات في الواقع دليل على أن إسرائيل تحارب إيران، وفي هذه الحالة ممثلة في حركة الجهاد الإسلامي، حسب الزعم الإسرائيلي.
وخلال العام الماضي، وفرت الحكومة الإسرائيلية أكثر من 14 ألف تصريح لسكان غزة للعمل في إسرائيل، وتعتزم زيادة العدد إلى 20 ألفاً. وتتوقع الحكومة الإسرائيلية أن هذه “المحفزات”، إلى جانب إجراءات أخرى لتخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 15 عاماً، ستقنع حماس بعدم تصعيد الموقف وتعريض مصادر دخل سكان غزة للخطر.
حكومة لابيد أشد عدوانية من نتنياهو
ولكن اللافت أن حكومة لابيد المنتهية ولايتها تبدو أشد عدوانية من إدارات نتنياهو السابقة في الرد على استفزازات غزة الأصغر من ذلك، حيث ترد بضربات جوية حتى على بالونات تطفو بأجهزة حارقة فوق إسرائيل. ورغم ذلك، لم يحدث أي تصعيد شبيه بالتصعيد الحالي منذ ما يقرب من 15 شهراً. ولو انتهى هذا العدوان في ظرف أيام، فسيزعم لابيد أن السياسة التي يتزعمها مع بينيت أكثر فاعلية من سياسة الرجل الذي يسعى ليحل محله في منصب رئيس الوزراء.
ولكن قد يحدث العكس، وقد تتسع الحرب، وترد المقاومة الفلسطينية بقوة على إسرائيل، خاصة في ضوء استياء حماس من عدم التزام إسرائيل بتعهداتها للوسطاء، وقد تشهد الضفة وأراضي الداخل (أراضي 48) احتجاجات فلسطينية كالتي حدثت في حرب غزة الأخيرة، وساعتها سيكون لابيد قد وضع مستقبله السياسي في خطر، وسيتكشف أكثر أنه لا فارق بينه وبين نتنياهو.