هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، القرشي الأموي، أبو عبد الرحمن، خال المؤمنين، وكاتب وحي رسول رب العالمين. وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
إسلامه
أسلم سيدنا معاوية –رضي الله عنه- عام الفتح، ورُوِي عنه أنه قال: “أسلمتُ يوم القضيَّة ولكن كتمتُ إسلامي مِن أبي، ثم عَلِم بذلك فقال لي: هذا أخوك يزيد وهو خيرٌ منك على دين قومه، فقلتُ له: لم آلُ نفسي جهداً. قال معاوية –رضي الله عنه-: ولقد دخل على رسول الله ﷺ مكة في عمرة القضاء وإني لَمصدِّق به، ثم لَمَّا دخل عام الفتح أظهرتُ إسلامي فجِئتُه فرحَّب بي، وكتبتُ بين يديه. قال الواقدي: وشهد معه حُنيناً، وأعطاه مئةً من الإبل، وأربعين أُوقِيَّة من ذهب، وَزَنَها بلال، وشهد اليمامة. وكان أبوه من سادات قريش، وتفرَّد بالسُّؤدَد بعد يوم بدر، ثم لَمَّا أسلم حسُن بعد ذلك إسلامُه، وكان له مواقف شريفة، وآثار محمودة في يوم اليرموك وما قبلَه وما بعدَه، وصَحِب معاويةُ رسول الله ﷺ، وكتب الوحي بين يديه مع الكُتَّاب، وروى عن رسول الله ﷺ أحاديث كثيرةً في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-“
خلافته
لَمَّا مات يزيد بن أبي سفيان سنة بِضعَ عشرة، وجاء البريد إلى عمر رضي الله عنه بموته، ردَّ عمر البريد إلى الشام بولاية معاوية مكان أخيه يزيد، ثم عزَّى أبا سفيان في ابنه يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين من ولَّيتَ مكانه؟ قال أخاه معاوية، قال: وصلَتْك رحِمٌ يا أمير المؤمنين. وقالت هند لمعاوية فيما كتبتْ به إليه: والله يا بُنيَّ إنَّه قَلَّ أنْ تَلِد حُرَّة مثلَك، وإن هذا الرجل قد استنَهَضك في هذا الأمر، فاعملْ بطاعته فيما أحببتَ وكَرِهت. وقال له أبوه: يا بُنيَّ إنَّ هؤلاء الرهطَ من المهاجرين سبقونا وتأخَّرنا فرفعهم سبْقُهم وقدَّمهم عند الله وعند رسوله، وقصَّر بنا تأخُّرنا فصاروا قادةً وسادة، وصِرنا أتباعاً، وقد ولَّوك جسيماً من أمورهم فلا تُخالِفْهم، فإنك تجري إلى أمدٍ فنافِسْ فإن بلغتَه أورثَتْه عقِبَك، فلم يزل معاوية –رضي الله عنه- نائباً على الشام في الدولة العُمَريَّة والعثمانيَّة مدة خلافة عثمان، وافتتَح في سنة سبع وعشرين جزيرة قُبرص وسكنها المسلمون قريباً من ستين سنة في أيامه ومِن بعده، ولم تزل الفتوحات
ولعل من أبرز مناقبه وفضائله أنَّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ولَّاه على الشام ثم أقرَّه سيدنا عثمان رضي الله عنه واستمرَّت ولايته مدة خلافته كلِّها، وهذه فضيلة عظيمة أن يُولّيه عمر وعثمان رضي الله عنهما على الشام قريباً من عشرين سنة، وهذا الاتفاق على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام منهما رضي الله عنهما، وهما رؤوس في الفضل والصحبة والدين والورع وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر، هو من أكبر الأدلة على فضل معاوية -رضي الله عنه- واستحقاقه لهذه المنزلة، وكونه اجتَهَد فأخطأ فهذا لا ينقص من قدره عند ذوي الإنصاف والنظر.
ولقد تبعهما سيدنا عليّ رضي الله عنه في ذلك، فحين رَجَع سيدنا عليٌّ من صِفّين عَلِم أنه لا يَملِك، فتكلَّم بأشياءَ لم يكن يتكلَّم بها قبل ذاك، وقال أشياء لم يكن يقولُها قبل ذاك، فقال: “أيها الناس، لا تَكرَهوا إمارة معاوية، فواللهِ لو قد فَقدتُّموه لقد رأيتم الرؤوس تندُرُ من كَواهِلها كالحنظل” (المصدر: طبقات ابن سعد)
صحبته لرسول الله ﷺ
صحب سيدنا معاوية رضي الله عنه رسول الله ﷺ، وفضل الصحبة ومكانة الصحابة معلومة بالكتاب والسنة ومن الأدلة الواضحة على ذلك ما جاء في قوله تعالى:
(لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ١٠)
وهذه الآية تشمَل جميع الصحابة رضي الله عنهم من أنفق قبل فتح مكة وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل، ووعدهم الله بالحسنى وهي الجنة، كما بيَّن هذا في القرآن الكريم، وإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كما سبق بيانه إمَّا أنه كان قبل الفتح وإمَّا بعده، فهو مشمول بهذا النص.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقد عذَر الله تعالى الْمُخطِئ في الاجتهاد وعفى عنه عامة، فكيف بصحابة رسول الله ﷺ، بل ثبت أنَّه يُؤجَر المجتهدُ على اجتهاده وإن أخطَأ بعد بذل الوسع، فالمؤمن السعيد مَن وَالَاهم وأحبَّهم بالجملة، ولم يقعُ فيما حصل من أخطاء البعض منهم، ووكَل أمرهم إلى الله مع حسن الظنّ بهم، والشقيُّ من خاض فيما شجر بينهم، واشتغل بالتفريق فيما بينهم تبعاً لنفسه وهواه، ثم وقع في سبِّ أحد منهم والعياذ بالله تعالى.
ثناء الرسول ﷺ على معاوية وجيشه رضي الله عنهم
عن أم حرام أنها سمعت النبي ﷺ يقول:
«أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجَبوا» قالت أمُّ حرام: قلتُ يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: «أنتِ فيهم».
وعن أنس بن مالك عن خالته أمّ حرام بنت مِلحَان رضي الله عنها فذكره وفيه:
«أول ما ركب المسلمون البحرَ مع معاوية». (المصدر: صحيح البخاري حديث 2799)
وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6/77: “ومعاوية أول من ركب البحر لِلغَزاة وذلك في خلافة عثمان”.
وقد كان معاوية هو أمير هذا الجيش.
وقال ابن حجر رحمه الله: «ومعنى “قد أوجبوا”: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة».
وقال المناوي رحمه الله في كتابه فيض القدير 3/84: «أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة».
قال ابن عبد البرّ رحمه الله: «وفيه فضل لمعاوية رحمه الله إذ جعل مَن غزا تحت رايته من الأولين ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحيٌ».
ثناء الصحابة والتابعين على سيدنا معاوية رضي الله عنهم
اعتراف سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بكون أمير المؤمنين معاوية مجتهداً وفقيهاً، فقال:
“إنه فقيه”.
عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
“ما رأيتُ أحداً من الناس بعد رسول الله ﷺ أسوَدَ مِن معاوية”.
روى معمر في جامعه عن همام بن منبه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول:
“ما رأيتُ رجلاً كان أخلَقَ للمُلكِ من معاوية”..
قال الإمام الذهبي: روى بُسْر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
“ما رأيتُ أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب”. يعني معاوية.
والأقوال كثيرة ويكفي الاختصار لمن أراد الاعتبار
الصحابة كلهم عُدول رضي الله عنهم وشهادة العلماء بذلك
يحمل هذا الدين مِن كل خلف عُدولُه، وحين يقول العلماء مِن أهل السنة والجماعة أن الصحابة كلهم عدول لا يعنون بذلك أن فيهم معصوم أبداً فالعدالة لا تعني العصمة، وعدم العصمة لا يعني أن الخطأ حاصل منهم كحصوله عند غيرهم، أو مثل مَن هم في آخر الزمان عند فساده وغلبة الهوى على أهله؛ بل إن الصحابة رضي الله عنهم أهل قِوامة على أنفسهم وعلى بعضهم لا يجاملون أنفسهم ولا بعضهم خارج حدود الشريعة، بل إنهم أعرف الناس بالشريعة وألزمهم لها، وخصوصاً قد نزلت وهم حاضرون، وأخذوها غَضَّةً عن حبيبهم ﷺ.
يقول الإمام النووي رحمه الله في إثبات عدالتهم جميعاً: “وكلُّهم عُدولٌ رضي الله عنهم، ومتأوِّلون في حروبهم وغيرها، ولم يُخرج شيءٌ من ذلك أحداً منهم عن العدالة.. – إلى أن قال-..ولهذا اتَّفق أهل الحق ومَن يُعتدُّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين”.
فهذا الإمام النووي يشهد لهم بالعدالة بل ويقول إن هذا اتفق عليه أهل الحق وعليه فمن يقول بخلافه فهو من أهل الباطل والضلال.
حكم من يسبّ الصحابة رضي الله عنهم بمَن فيهم معاوية رضي الله عنه
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ:
«لا تسبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهباً؛ ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه».
وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:
«من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». حديث حسن
وهذا الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة يُفتي فيمن سبَّ معاوية أو غيره من الصحابة حيث نصَّ فيها على معاوية رضي الله عنه، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: “من شتم أحداً من أصحاب النبي ﷺ أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإنْ قال: كانوا على ضَلال وكفرٍ؛ قُتِل”.
وسُئِل الإمام أحمد عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة، فقال: “ما أراه على الإسلام”، وسُئِل عمن يشتم عثمان، فقال رحمه الله: “هذه زندقة”
اعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم
قال الإمام الغزالي قُدِّس سِرُّه في إحياء علوم الدين أيضاً: “واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم كما أثنى الله سبحانه وتعالى ورسوله – ﷺ -، وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنيًّا على الاجتهاد، لا منازعة من معاوية في الإمامة، إذ ظنَّ عليّ رضي الله عنه أنَّ تسليم قتَلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدّي إلى اضطراب أمر الإمامة في بدايتها فرأى التأخير أصوَب، وظنَّ معاوية -رضي الله عنه- أن تأخير أمرهم مع عِظم جنايتهم يُوجب الإغراء بالأئمة ويعرض الدماء للسفك. وقد قال أفاضل العلماء: كل مجتهد مُصيب. وقال قائلون: المصيب واحد. ولم يذهب إلى تخطئة عليّ ذو تحصيل أصلاً.. وقد ورد في الثناء على جميعهم آيات وأخبار كثيرة”..
قال القاضي عياض رحمه الله في الشفا: “ومن توقيره وبرّه ﷺ توقير أصحابه وبرُّهم ومعرفة حقهم، والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والإمساك عمَّا شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، والإضراب عن أخبار المؤرِّخين وجهَلة الرُّواة والمبتدعين القادحة في أحدٍ منهم، وأن يُلتَمس لهم فيما نُقِل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفِتَن أحسنُ التأويلات ويُخرَّج لهم أصوَبُ المخارج، إذ هُم أهل ذلك، ولا يُذكَر أحدٌ منهم بِسُوء ولا يُغمَص عليه أمرٌ، بل تُذكَر حسناتُهم وفضائُلهم وحميدُ سِيَرهم وُيسكَت عما وراء ذلك، كما قال ﷺ في حديث الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا ذُكِر أصحابي فأمسِكوا»”.
وقال سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله: “وأفضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ رضى الله تعالى عنهم. ولهؤلاء الأربعة الخلافة بعد النبي ﷺ ثلاثون سنة، وَلِي منهم أبو بكر رضي الله عنه سنتين وشيئاً، وعمر رضي الله عنه عشراً، وعثمان رضي الله عنه اثنتَي عشرة، وعليّ رضي الله عنه سِتًّا، ثم وَلِيها معاوية رضي الله عنه تسعَ عشرة سنةً؛ وكان قبل ذلك ولَّاه عمر الإمارةَ على أهل الشام عشرين سنة.. وأما قتاله رضي الله عنه لطلحة والزبير وعائشة ومعاوية فقد نصَّ الإمام أحمد رحمه الله على الإمساك عن ذلك، وجميع ما شجر بينهم من منازعة ومنافرة وخصومة، لأنَّ الله تعالى يُزيل ذلك مِن بينهم يوم القيامة، كما قال عز وجل:
(وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ ٤٧)”.
خلاصة موقف أهل السنة من سيدنا معاوية رضي الله عنه
قال الإمام النووي رحمه الله: “وأما عليّ رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره. وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العُدول الفُضَلاء والصحابة النُّجَباء رضي الله عنه. وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهةٌ اعتقدت تصويبَ أنفسِها بسببها وكلُّهم عدول رضي الله عنهم ولم يُخرِج شيءٌ من أحد منهم عن العدالة، لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محلِّ الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدَهم في مسائلَ من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقصُ أحد منهم، واعلم أنَّ سبب تلك الحروب أنَّ القضايا كانت مُشتَبِهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادُهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسمٌ ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرَف وأن مخالفَه باغٍ فوجب عليهم نصرتُه وقتالُ الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحلُّ لمن هذه صفتُه التأخّر عن مساعدة إمام العدل في قتال البُغاة في اعتقاده، وقسمٌ عكسُ هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدتُه وقتالُ الباغي عليه، وقسمٌ ثالث اشتبهت عليهم القضيةُ وتحيَّروا فيها ولم يظهَر لهم ترجيحُ أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقّهم لأنه لا يحلُّ الإقدام على قتال مسلم.. فكلُّهم معذورون رضي الله عنهم. ولهذا اتفق أهل الحق ومن يُعتدًّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين”.
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: “ونحبّ أصحاب رسول الله – ﷺ -، ولا نفرّط في حب أحد منهم ولا نتبرّأ من أحد منهم، ونُبغِض من يُبغِضهم وبغير الخير يَذكرهم، ولا نذكرهم إلا بالجميل، وحبُّهم دين وإيمان وإحسان، وبُغضهم كفر ونفاق وطغيان، ونُثبِت الخلافةَ بعد رسول الله – ﷺ – أولاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الخلفاء الراشدون والأئمّة المهدِيُّون.. ومن أحسنَ القولَ في أصحاب رسول الله – ﷺ – وأزواجه وذرّياته فقد برِئ من النفاق. وعلماء السلف من السابقين والتابعين ومَن بعدهم من أهل الخير والأثر وأهل العفّة والنظر لا يذكرونهم إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل”.
هذه خلاصة نافعة في ذكر سيدنا معاوية والصحابة الكرام رضي الله عنهم نختمها بحديث صحيح جميل جامع مانع يجمع الثناء على الصحابة الكرام دون استثناء وهو ما رواه الإمام في مسلم في صحيحه عن أبي بردة، عن أبيه، قال:
صلَّينا المغرب مع رسول الله ﷺ، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلّي معه العشاء قال فجلسنا، فخرج علينا، فقال: «ما زلتم هاهنا؟» قلنا: يا رسول الله صلَّينا معك المغرب، ثم قلنا: نَجلِس حتى نصلّي معك العشاء، قال «أحسنتم أو أصبتم» قال فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: «النجوم أمَنَةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما تُوعَد، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يُوعَدون، وأصحابي أمَنَةٌ لأمّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي ما يُوعَدون».
فطوبى لم كفَّ لسانه عن الوقيعة بواحد منهم وقد نبَّه الإمام الغزالي لذلك الخطر الشنيع الذي يتساهل في اقتحامه من ذهبت عن قلبه الهيبة من رسول الله ﷺ بل من الله عز وجل، قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: “واعلم أنك في هذا المقام بين أن تُسيء الظن بمسلم وتطعن عليه وتكون كاذبا أو تُحسن الظن به وتكفَّ لسانك عن الطعن وأنت مخطئ مثلاً، والخطأ في حسن الظن بالمسلم أسلَم من الصواب بالطعن فيهم، فلو سكت إنسانٌ مثلاً عن لعن إبليس أو لعن أبي جهل أو أبي لهب أو مَن شئتَ من الأشرار طول عمره لم يضرّه السكوت، ولو هفا هفوةً بالطعن في مسلم بما هو بريء عند الله تعالى منه فقد تعرَّض للهلاك، بل أكثر ما يعلم في الناس لا يحلّ النطق به لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة، مع أنه إخبار عما هو متحقّق في المغتاب. فمن يلاحظ هذه الفصول ولم يكن في طبعه ميل إلى الفضول آثر ملازمته السكوت وحُسن الظن بكافة المسلمين وإطلاق اللسان بالثناء على جميع السلف الصالحين. هذا حكم الصحابة عامة”. انتهى.