مؤلم أن تُجبر على خلع جزء من ذاتك، هويتك، وحقك في ارتداء ما تشاء، لمجرد السماح لك بالحصول على حقك أيضاً في الدخول إلى عملك أو فصلك الدراسي، تبدو هذه مقايضة رخيصة أو امتهان للمرأة المسلمة في الهند، لكن هذا ما تعايشه الطالبات المسلمات في ولاية كارناتاكا “Karnataka” جنوبي الهند، فأهلاً بكم في أحدث موجات التضييق على المسلمين.
حتى نفهم القصة دعني أعُدْ بك إلى صباح الإثنين 14 من فبراير/شباط 2022، وهو اليوم الأول للعودة للدراسة، بعد قرار المحكمة العليا لولاية كارناتاكا بحظر ارتداء الحجاب كونه ذات دلالة دينية، الجديد في ذلك الصباح أن الكاميرات وعدسات المصورين تنتظر أمام المدارس والكليات الحكومية، تنقل للعالم لحظات حال الطالبات والموظفات المسلمات المحجبات، وهن يتمنين أن تبتلعهن الأرض بدل من إجبارهن على خلع الحجاب أمام بوابات المدارس.
مشاهد سجلت في مدارس ولاية كارناتاكا بمختلف مناطقها، فهؤلاء طالبات مسلمات بمدرسة “Kasturba Balika” الحكومية في منطقة شيموجا، يخلعن الحجاب من أجل السماح لهن بدخول فصولهم الدراسية.
الغريب في الأمر أن الأزمة كانت متعلقة بالطالبات، لكن قرار حظر الحجاب شمل الموظفات أيضاً، فهذه مدرسة في منطقة “Mandya” موظفات يجبرن على نزع حجابهن أمام بوابة المدرسة.
في المدينة نفسها حتى الفتيات الصغيرات لم يسلمن من المنع وتم إجبارهن على خلع الحجاب.
وفي مدينة “Tumkur” وعلى بوابة مدرسة إحدى مدارسها تقف معلمات وعاملات أمام المنع نفسه، بعضهن اضطررن للعودة إلى منازلهن رفضاً لخلع الحجاب.
هذه المشاهد سبقتها أيام كانت أبواب المدارس توصد في وجوه الطالبات المسلمات دون غيرهن رفضاً لدخولهن بالحجاب في مدينة “Kundapur” بينما كان الطلاب والطالبات الهندوس يتجولن بأوشحة الزعفران.
قصة منع دخول الطالبات بالحجاب بدأت في كلية حكومية “مدرسة ثانوية” في مدينة “Udupi” بولاية كارناتاكا قبل أكثر من شهر، ومن وقتها فوبيا الحجاب وعدوى حظره انتقلت إلى بقية مدن الولاية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
هذا المنع قُوبل بحراك واسع للمرأة المسلمة في الهند، إذ نظمت العديد من الفعاليات الرافضة لحظر الحجاب، وشاركت المئات في مظاهرات مساندة للطالبات المسلمات حتى أن بعض هذه المظاهرات تعرّضت لاعتداءات من قبل طلاب هندوس.
وتقدمت الطالبات المسلمات بالتماس للقضاء ضد حكومة الولاية التي قررت منع دخول المدارس بالحجاب، وهو ما يُعد مخالفاً للدستور الهندي الذي يسمح للمواطنين بارتداء ما يشاءون من ملابس وإظهار الرموز الدينية، إلا أن المحكمة العليا في ولاية كارناتاكا قررت حظر ارتداء الملابس الدينية حتى يتم الفصل في القضية نهائياً.
ولاية كارناتاكا نفسها سبق وأن مرّر برلمانها قبل شهرين “قانون كارناتاكا لحق حرية الدين” والذي يحظر التحول من دين إلى آخر، لكنه يهدف في الأساس لمنع الهندوس من اعتناق الإسلام أو المسيحية، ويمنح السلطة للحكومة في وقف إجراءات التحول الديني ويضع عقبات كثيرة تحول دون تحول الفرد بحرية لدين آخر.
بالعودة إلى ما تتعرض له المرأة المسلمة فمعاناتها ليست بولاية كارناتاكا وحدها بل في عموم الهند والانتهاكات بحقها متواصلة من انتهاكات يومية وتضييق سياسي في ظل بيئة تنتعش فيها الكراهية والعنصرية، ولعل أبرز مظاهر ذلك عرض مجموعة من النساء المسلمات كصحفيات وناشطات وسياسيات بارزات في المجتمع الهندي للبيع في مزاد إلكتروني وهمي كنوع من الاحتقار للمرأة المسلمة.
بدأ الأمر أول مرة في يوليو/تموز 2021 بظهور تطبيق على منصة تسمى جيتهاب “GitHub” ينظم مزاداً بعنوان “Sullideal” يعرض من خلاله 80 امرأة هندية مسلمة، وبعد عدة بلاغات اكتفت الحكومة الهندية بإغلاق التطبيق دون معاقبة المتورطين، وهو ما شجّع على ظهور تطبيق جديد تحت اسم “Bullideals” في ليلة العام الجديد 2022 لعمل مزاد جديد شمل أسماء وصور 100 شخصية مسلمة من النساء البارزات في المجتمع، كما نشر أحد المتطرفين الهندوس في تغريدة عبر تويتر أسماء وأرقام مجموعة من المسلمات.
دافع الانتقام
استهداف النساء المسلمات في الهند بهذه الصورة الفجة وعرض بعضهن للبيع في مزاد إلكتروني وهمي للتحقير منهن ومحاولة تشويههن، يأتي لعدة أسباب أهمها انتقاماً من المرأة المسلمة التي علا صوتها خلال السنوات الأخيرة رفضاً للقوانين التمييزية ضد المسلمين لاسيما تعديلات قانون المواطنة.
إذ كان للمرأة المسلمة حضور لافت رفضاً لهذا القانون فقد استطاعت أن تحيل الاحتجاجات الرافضة لقانون المواطنة إلى احتجاج شعبي موسع رغم اعتداءات قوات الأمن على طلاب وطالبات الجامعة الملية الإسلامية في دلهي في ديسمبر/كانون الأول 2019 بشكل مفرط، فخرجت التظاهرات من مختلف الجامعات والمدارس، وهنا شاركت عشرات الآلاف من النساء المسلمات في اعتصام بمنطقة “شاهين باغ” بجنوب دلهي والذي استمر نحو 100 يوم، وهذا الدور أزعج حزب بهاراتيا جاناتا والحركة الهندوسية.
الاحتجاجات النسائية لم تقتصر على العاصمة دلهي بل وجد حراك نسائي مماثل في مدن أخرى، واستمرت هذه الاحتجاجات حتى أواخر مارس/آذار 2020 عندما فضّتها قوات الأمن بالقوة.
السبب الثاني لهذا الاستهداف هو تفشي بيئة الكراهية ضد المسلمين منذ مجيء حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى سُدة الحكم في 2014، وفي ظل مساعي حركة “RSS” وذراعها السياسي الحزب الحاكم إلى إنشاء الدولة الهندوسية، وبالتالي فالباب مفتوح أمام المتطرفين الهندوس في ممارساتهم ضد الأقليات الأخرى، وفي مقدمتها المسلمين، وحتى قوات الأمن تقوم في بعض الأحيان بالدور نفسه بمشاركة غوغاء الهندوس الاعتداء على المسلمين دون توقيف أو محاكمة على جرائمهم.
استهداف المرأة المسلمة في الهند له مظاهر عدة كالتضييق والترهيب وحتى بالقانون فقد سبق وأن أقر البرلمان الهندي في منتصف 2019 قانون يجرم الطلاق الإسلامي “الطلاق بالثلاثة”.
وفي ولاية جامو وكشمير الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، تستخدم قوات الأمن الهندية “الاغتصاب” كسلاح ضد الأغلبية المسلمة، فبحسب ما كشفه سردار مسعود خان رئيس كشمير الحرة، في حوار سابق أن الاغتصاب أصبح سلاحاً هندياً من وسائل الحرب كان ضحيته حوالي 10 آلاف امرأة تعرضن للاغتصاب والتحرش.
واقع المرأة المسلمة لا ينفصل عن ما يعايشه مسلمو الهند عموماً من تهميش لاسيما منذ صعود حزب مودي الذي يعتمد بدرجة كبيرة على الحشد الهندوسي الذي يسعى لإنشاء الدولة الهندوسية مع تذويب بقية المكونات، ومن خلال هذه الصورة يمكن توقع كيف سيكون المستقبل الذي ينتظر المرأة المسلمة في الهند في ظل مخطط الحزب الحاكم والحركة الهندوسية، إذ يسارعون في سن القوانين التي تخدم هذا المخطط، بالتوازي مع محو الإرث الحضاري للمسلمين الذين حكموا الهند لعقود بنزع مساجدهم التاريخية وتغيير أسماء المعالم ذات الدلالة الإسلامية، ويعلقون آمالاً كبيرة على الانتخابات العامة المقررة في عام 2024 لإعلان الدولة الهندوسية.