ما هو علم الدلالة؟
يُقصد بالدّلالة لغةً الإرشاد إلى الشّيء والإبانة عنه، واشتُقّت هذه الكلمة بالأصل من الفعل (دَلَلَ) بمعنى استيضاح الأمر بدليل نفهمه،والدّليل: ما يُستَدَلّ به، فدّله على الشَّارع؛ أيّ يدلّه دِلالة ودَلالة، أمّا اصطلاحاً فهو العِلم الذي يبحث في “المعنى“، ونظرياته مع كيفيّة جعلالمُفردات ذات معنى، كما تُعرَّف الدّلالة بأنّها استخدام المُفردات استخداماً مُعيّناً ضمن نَسَق لُغويّ مع مُفردات أخرى مع وُجود علاقاتبينهم، كذلك ذُكِر في كتاب (التّعريفات) لصاحبه الجرجانيّ تعريفٌ للدّلالة أشار إليه السّيد الشّريف قائلاً: “الدّلالة هي كَون الشّيء بحالةيلزم مِن العلم به بشيء آخر، والأول هو الدّال، والثّاني هو المدلول“
انواع الدلالات اللغوية
هُناك العديد من الأنواع للدّلالة عند أهل اللغة، وبرز هذا التنوع نتيجة الاختلاف في الأمور التي تتعلّق في كيفيّة تشكيل معنى الكلمة،فللكلمة الواحدة أبعاد مُختلفة من النّاحية الدّلاليّة في العِبارة الواحدة، وهذا ما دعى عُلماء الّلغة إلى تقسيمها، وهي خمسة أنواع:
الدّلالة المعجميّة
هي الدّلالة المُتعلّقة بتعدُّد المعاني للمُفردة الواحدة، وذلك بناءً على سياق الكلام الّلغويّ التي تُوجد فيه، وهذه الدّلالة أحد أهمّ الأسباب فيوُجود عدد هائل من المعاني في المُعجم العربيّ
الدّلالة الصّوتيّة
هي الدّلالة التي تعتمد على القيمة الصّوتيّة للحرف الواحد وما يُعبّر عنه، وذَكَر ابن جني في كتابه (الخصائص) العديد من الأمثلة عليهامنها الفعلين (قَضَم– خَضَم)، فالفعل الأول يُقصدُ به: (أكل الشّيء اليابس)، أمّا الثّاني فهو: (أكل الشّيء الرّطب)، وقد أدّى هذا الاختلاففي وُجود حرفيّ (القاف–الخاء) في معنى الفعلين؛ لما يراه العرب في حرف الخاء أنّه حرف (رخو)، وأنّ حرف القاف حرف (صلب)، وهذا مايؤكّده كتاب (الخصائص) الذي يقول إنّ العرب كانوا يأخذون: “مسموع الأصوات إلى محسوس الأحداث“، كما يُذكر في الكتاب نفسه أنّهذا النّوع من الدّلالات الّلغويّة تشتهر في الحُروف التي تُعبّر عن الأصوات الطّبيعيّة، مِثل: (الخرير، والحفيف، والعواء، كذلك الصّرير،والقلقة، وغيرها)،
الدّلالة السّياقيّة
هي الدّلالة التي يكون فيها المعنى المقصود والمفهوم واحد، فالمُتحدث يقصد معنى، والمُتلقّي يفهمه ذاته من خلال صيغة الكلام، كما ذَكَر تمامحسّان في كتابه (اللغة العربية: معناها ومبناها) أنّ لهذه الدّلالة مفهوماً يُسمّى بـ (المَقام)، وذلك انطلاقاً من أنّ “لكلّ مقام مقال“، كما أشاركذلك إلى أنّ أهل النّحو من العرب القُدماء كانوا سبّاقين إلى هذا المفهوم، وأنّه ليس (مالينوفسكي) الذي نُسب إليه إيجاد المُصطلح المعروفسياق الموقف (بالإنجليزيّة: Contact of situation)، فبرأي تمام حسّان لم يعرف مالينوفسكي أنّ هذا المُصطلح سُبَق الحديث عنه قبلهبقرون عديدة، وأنّ العرب كتبوا فيه كُتباً لم تلقَ العناية الكافية في الدّعاية على المستوى العالميّ كما أُتيحت له، وهذا ما جعل المُصطلح مرتبطبه. يجب الإشارة إلى أنّه ذُكِر في كتاب (المُفردات) أنّ سياق الكلام أكثر قُدرة على توضيح المعنى من إيراد اللفظ وحده مُنفرداً، وأنّه فيأحيانٍ كثيرة قد لا يستطيع اللفظ إيصال المعنى أصلاً إلّا من خلال النّظر إلى سياق الكلام، الجدير بالذِّكر أنّ على سياق الكلام أن يُعنىبترتيب الألفاظ فيه ترتيباً كافياً يُفضي إلى معنى كامل
الدّلالة الاجتماعيّة
هي الدّلالة التي تأخذ الحياة الإنسانيّة وشُعوره بعين الاعتبار في تعيين المعنى المُراد، ويُمكن حصرها بأنّها تطوّر المعنى عبر الزّمن باعتبارتطوّر الإنسان، كما ذُكِر في كتاب (مفاهيم القرآن) لصاحبه السّبحانيّ بعض المعاني الجديدة التي ارتبط وُجودها بتطوّر الإنسانالاجتماعيّ، ومِثال ذلك إيراده لمعاني كلمة (الكلام) التي تطوّرت، فهو عند عوام النّاس مجموعة من الحروف والأصوات التي تخرج منالمُتكلّم، وأنّه إذا زالت الأصوات ذهبت صفة الكلام عنه، ولكن مع تطوّر الإنسان اجتماعيّاً توسّع المفهوم إلى الخُطب المنقولة، والشِّعر الذيرُوي عن فُلان، والأحاديث النّبويّة، وغيرها، ومع عدم صدور أصوات عن هذه الأمور إلّا أنّها تُسمّى كلاماً. ويجب الإشارة إلى أنّ الدّلالةالاجتماعيّة للمُفردة تحتاج مدّة –لا بأس بها– لتتطوّر من معنى إلى آخر
الدّلالة الصّرفيّة
هي الدّلالة التي تبحث في الأوزان والصِّيغ المُجرّدة ومعانيها المُختلفة، و يعتمد اختلاف هذه المعاني على أصل الكلمة من النّاحية النّحويّة(الإعرابيّة)، ومن النّاحية البنائيّة، وتختلف كذلك بحسب وُجودها ضمن الجملة الاسميّة، أو الفعليّة أو الحرفيّة، وهُناك العديد من المعانيالمُستفادة من الصّيغ و الأوزان في عِلم الصّرف، مِثل الصّيرورة، والمُطاوعة، والطّلب، ومنها المعاني التي ترتبط بالعلاقات النّحويّة بينالمُفردات، مِثل التّعدية، والتّأكيد، وغيرها
الدّلالة النّحويّة
هي الدّلالة التي تعتمد على موقع الكلمة المُفردة الواحدة في الجُملة، ومعناها داخلها، فيكون التّركيب الذي تواجدت فيه هذه الكلمة هو منأعطاها هذا المعنى، كما أشار عبد القاهر الجرجانيّ في كتابه (دلائل الإعجاز) أنّه: “لا يُتصوّر أن يتعلّق الفِكر بمعاني الكَلِم أفراداً ومُجرّدةمن معاني النّحو“، وقد قصد الجرجانيّ بجُملته هذه أنّ الّلفظة لا يكفي أن تَرِد لوحدها لتُعطي المعنى، إنّما وُجودها داخل تركيب ما هو مايُكسبها معناها
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
اقسام علم الدلالة
قسّم ابن جني الدّلالة إلى ثلاثة أقسام، كما رتّبها من الأقوى حتّى الأضعف كالتّالي:
– الدّلالة الّلفظيّة (المعنى): هي الدّلالة التي ترتبط بلفظ الكلمة، فهي دلالة الّلفظ على معنى معيّن أو حدث ما، ومأخوذ من المادّة الّلغويّة التييتكوّن منها، وعلى سبيل المِثال كلمة (قام) دلالتها على حدث مُعين وهو (القيام)، أي عندما يتمّ ذِكر كلمة (قام) يتمّ استحضار عمليّة (القيام) في الذّهن، وسواء ذُكِرت الكلمة (قام) أو أي صيغة أخرى تتعلّق بلفظها مِثل: (قائم، مُقام، يقوم) سيتمّ استحضار نفس المعنى، لأنّها ألفاظمُشتقّة من الّلفظ الأصليّ نفسه.
– الدّلالة الصِّناعيّة (الزّمن): هي الدّلالة التي يوضِّحُ فيها الّلفظُ زماناً مُعيّناً للحدث الذي يحمله، وقد أشار ابن جنّي أنّ (المصدر) من الصِيغالدّالة على الأزمنة الثّلاثة، وعلى سبيل المِثال كلمة (القيام) من ناحية الدّلالة الّلفظيّة تعني أنّ (حَدَث القيام) موجود، إلّا أنّه من ناحية الدّلالةالصِّناعيّة فهي لكونها مصدراً، تُشير إلى احتماليّة حُدوث القيام في الأزمنة كلّها، لكنْ لو كانت الكلمة (قام) لكانت الدّلالة الصِّناعيّة: (هيالقيام في الزّمن الماضي).
– الدّلالة المعنويّة (الفاعل): الدّلالة التي تُعنى بتحديد خصائص فاعل الفِعل (الحدث)، فالسّامعُ لكلمة (قام) يعلم أنّها تدلّ على حَدَث(القيام) الذي يقترن بالزّمن الماضي، ولكنْ لا يُعرف من الذي (قام)!، وعلى هذا النّحو تكون دلالتها المعنويّة أنّ القيام يصلح لكلّ كائن حيّيستطيع الوُقوف، فلا وُجود لُجملة تُخصِّص هذه الدّلالة وتُحدِّد الفاعل الذي قام بعملية القيام، فلو كانت ضمن جملة مثلاً: (قام المُعلّمون) لكانت الدّلالة المعنويّة: (قيام المُعلمين الذُّكور)، ولو كانت الجُملة: (قامت المُعلّمات) لكانت الدّلالة المعنويّة: (قيام المُعلّمات الإناث)، وهكذا.