عندما تخطو أقدامكم في قرى أو أحياء تحتضن مساجدها أضرحة أشخاص ماتوا، يقدسهم الناس، ويحفظون سيرتهم، ويتبركون بهم، فإنكم تودعون عالماً، وتدخلون في عالم آخر، له واقعه، ومنطقه أو جوّه الخاص.
تل بني تميم، أو كما يطلقون عليها “قرية المائة ضريح”، إحدى قرى “شبين القناطر”، والتابعة لمحافظة القليوبية في مصر، عدد سكانها يتجاوز ١٢ ألفاً، ويغلب عليها الطابع الريفي، كثير من كبار السن ومتوسطي العمر يلبسون الجلباب الواسع، على محيَّا الناس الهدوء والسكينة، تتجول في شوارعها المتربة، الضيقة، تلاحظ أن وجوه الناس فيها هدوء، وانشراح على النقيض من الوجوه التي تراها في العاصمة، القاهرة. الجميع يعرف هنا أنك غريب.
يرحّبون بي ويستضيفونك حتى الغروب، ثم تتوجه بصحبتهم لزيارة مقامات الأولياء.
عشرات المقامات في قرية واحدة، جميعها مطلي باللون الأخضر يحمل معنى الزهد والتصوف، وبداخل كل ضريح مقام لصاحب الضريح، مغطى بعمامةٍ خضراء، مصنوعة من الحرير، وبه إضاءة خافتة، وتغلب رائحة المسك على المكان.
ستشعر بطاقةٍ إيجابيةٍ عالية، هل هذه هي بداية الإحساس بالبركات التي يتحدث عنها الصوفيون والدراويش؟
تشكل بركات الأضرحة، ومساجد الأولياء اعتقادًا راسخاً لدى كثير من الصوفيين في مصر، إيماناً منهم بالمنح الربانية التي يفوز بها كل زائر مخلص، ويصل عدد الأضرحة بالآلاف، ولا توجد إحصائيات رسمية حديثة، وتنشر تقارير صحفية أنها 6 آلاف ضريح.
حكاية تميم والتلّ
تعود تسميتها للعصر الإسلامي نسبة لتميم الداري الأنصاري، وهو من أوائل من بنوا مسجداً في الإسلام، وجاء إلى مصر وتحديداً إلى تل بني تميم، مع عمرو بن العاص في الفتوحات الإسلامية، وقطن آل تميم القرية، وتعايشوا مع أهلها، وانخرطوا في المحيط الاجتماعي، وانصهروا مع الأهالي، وقاموا بتعليمهم القرآن وأحكام الدين، وأرفقوا كلمة تل لبني تميم لارتفاع مستوى القرية عما يجاورها من القرى المحيطة، وهي على نفس المستوى حتى الآن
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
حكاية المائة ضريح
يشدد اهل المنطقة على أن قرية تل بني تميم تحتوي أكثر من مائة ضريح، العشرات منها ماتزال حتى الآن بحالتها السليمة، منها مقام سيدي دياب ومقام سيدي الأربعين، ومدفون فيه ٤٠ صحابيًا من أصحاب الرسول، ومقام سيدي دياب، ومقام سيدي علي المليجي، ومقام سيدي تميم.
ترجع تسمية القرية بهذا الاسم إلى عهد تميم الداري الأنصاري نسبة إلى عهد الرسول، وترجع أصولها لقبيلة بني تميم، وهي من أكبر القبائل العربية، وهي أكبر القبائل في الدول العربية، ويمتازون بالجاه والسلطان والقوة.
القلب يرى الأساطير
زيارة الأضرحة وحب الصحابة وآل البيت، ظل الشكل الديني السائد في مصر لعقود طويلة كما هو حال اهل السنة والجماعة، ولكن مع بداية سفر كثير من المصريين إلى دول الخليج، خاصة السعودية منذ السبعينيات، التي تبنت الشكل الوهابي المتشدد، الذي يصف تلك الأشكال من التعبد بالكفر والوثنية جهلًا منهم بحقيقة معنى العبادة وان حب الاولياء والتبرّك بهم هو عملٌ توارثته الأمة عن علمائها وكبار معمّميها. فلا مكان لأفكار ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب عند أهل السنة والجماعة المعتدلين.
إن تهافت الأهالي على زيارة الأضرحة يعود لقناعتهم الشخصية، وحبهم لأولياء الله الصالحين وحبهم لآل بيت رسول الله، فهم يقبلون على زيارة الأولياء والانتفاع ببركاتهم، في هذه القرية، وما حولها من القرى والمحافظات المجاورة.
يشدد اهل المنطقة على أنَّ زيارة الأضرحة لا تعني الشرك بالله، كما يعتقد “الوهابيون”، يقول: “الدعوة واللجوء للمولى عز وجل في أي مكان، ولاسيما إذا كان المكان طاهرًا كمسجد او غيره، فالدعاء والتوحيد لله وحده في كل مكان، فروحانيات الأولياء لا يعلم عنها الكثيرون إلا من ذاق”.
أشياء كثيرة يحكيها الصوفيون في قرية “المائة ضريح” قد لا يصدقها البعض، يرى أحدهم شخصيات مثل “الخضر”، ويتحدث معه، يحلم آخر بأشياء كثيرة تحدث، وفي العبادات تتجلى لهم العجائب، التي يقال إن القلب يشعر بالكثير، والعين ترى الكثير، ولكنه شيء أسطوري لا يعرفه إلا من ذاقه.
سيدي أبو العيال
يتحدث كتاب “التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية” لشرف الدين يحيى ابن المقرعن، وهو من أوسع وأشمل المؤلفات التي تسرد لنا أسماء البلاد المصرية، عن تل بني تميم بأن مساحتها لا تتجاوز ١٨٠٤ فداناً، والفدّان وحدة مساحة قديمة في مصر.
وبحسب كتب سِيَر الأسلاف، مثل “أسد الغابة” و “الطبقات الكبرى” وغيرها، سميت بني تميم نسبة لتميم بن أوس بن خارجة بن سود بن الداري، من قبيلة لخم، كنيته وأخوه نعيم بن أوس الداري، أسلم تميم في العام الـ٩ هجرياً، له في الإسلام “مناقب” وامتيازات، منها أنه أول من قص القصص، وأول من صنع منبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وما يثير عمارة قصص إيمان الأهالي ببركات الأولياء، خاصة “سيدي أبو العيال” الذي يبعد عن القرية ببضع كيلو مترات، ويحكون عنه الكثير في مظنّة استجاب الدعاء بالتوسّل به الى الله تعالى، ويتهافت الأهالي لزيارته كل يوم جمعة من كل أسبوع، ويصطحبون معهم أولادهم لينهلوا من بركات الولي.