شهد العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تغلغلاً غير مسبوق لعدد من الدول الاستعمارية الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا العظمى وفرنسا، وفي الوقت الذي كان فيه المشروع الاستعماري الأوروبي يستفحل ويتقدم شيئاً فشيئاً، كانت الدول الإسلامية عاجزة تماماً عن صدّه أو حتى الوقوف أمامه، كالدولة العثمانية في الشرق الأوسط، أو الدولة القاجارية في إيران، أو دولة مغول الهند في شبه القارة الهندية.
الإسلام في الهند
في وسط هذه الأحداث والتقلبات التي تعصف بالعالم الإسلامي طفت على السطح بشكل واضح للعيان عدد من الجماعات والطوائف الدينية، التي تدعي انتماءها للإسلام زوراً وبهتاناً، وتروج لفكر ضال غير مألوف على الساحة الإسلامية وقتها، كالجماعة “القاديانية” أو “الأحمدية” في شبه القارة الهندية.
وقبل الولوج في الحديث عن السياق التاريخي والعقائدي للجماعة أو الطائفة القاديانية “الأحمدية” علينا أن نمر على تاريخ الإسلام في شبه القارة الهندية.
يعتبر السلطان محمود الغزنوي من أوائل القادة المسلمين الذين قادوا عدداً من الحملات العسكرية لفتح الهند أوائل القرن الحادي عشر. ومن ثم استقر الإسلام في الهند إلى ما يقارب 8 قرون، ونعم الناس بالأمن والسلام والعدل، وازدهرت الحضارة الإسلامية بشكل كبير في عهد جلال الدين أكبر (1556-1605م) الذي بلغت الهند في عهده أوج قوتها السياسية والعسكرية وازدهارها الاقتصادي، ففتح الهند من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها على النحو الذي لا تزال آثارها الباقية في الهند تخطف الأبصار وتبهر العقول والألباب.
لكن سرعان ما دبّ الضعف في دولة مغول الهند شيئاً فشيئاً حتى تمكّن المستعمر البريطاني من إيجاد موطئ قدم له في شبه القارة الهند، فتغلغل بها حتى بسط نفوذه على أرجاء شبه القارة الهندية منذ بدايات القرن التاسع عشر، وشيئاً فشيئاً بدأ المسلمين في الهند يفقدون ما كانوا يتمتعون به من سلطان ونفوذ، وإمساك بمقاليد الأمور حتى سقوط دولتهم بشكل نهائي على يد البريطانيين في عام 1857.
ومنذ ذلك الحين تمادى المستعمر البريطاني في طغيانه، فعمدوا إلى تغيير الطابع الإسلامي لشبه القارة الهندية، وإلى محاربة التعليم الإسلامي والاستيلاء على الأوقاف الإسلامية، وإذكاء نار العداوة والبغضاء بين المسلمين والطوائف الهندية الأخرى كالهندوسية والسيخ.
بريطانيا والطائفة القاديانية
وفي ظل سعيه لتغييب الإسلام في شبه القارة الهند بشكل كامل، وجد المستعمر البريطاني ضالته في مؤسس الجماعة القاديانية “ميرزا غلام أحمد القادياني”، الذي وُلد في قرية “قاديان” في إقليم “البنجاب” في الهند عام 1839، وقد اشتهرت أسرته بخدمة المستعمر البريطاني، وعلى رأسهم والده “الميرزا غلام مرتضي” الذي أمد البريطانيين بـ50 فرساً اشتراها من ماله الخاصة و50 فارساً لمشاركة البريطانيين في قمع الثورة الهندية عام 1857.
بدأ “ميرزا غلام أحمد القادياني” مشرعه الهدام عندما ادعى أنه تلقى وحياً إلهياً، فزعم أولاً أنه مصلح ومجدد للدين ليس إلا، ولما وجد الإقبال من بعض ضعاف النفوس من مسلمين والملل الأخرى لتشرب أفكاره وادعاءاته، زعم بأنه مثيل للمسيح ومشابه له، ثم ادعى أنه المسيح الموعود، ولما راجت أفكاره وكثر أتباعه، أعلن أنه النبي المحدّث أو النبي الناقص، ثم صرح بأنه نبي مستقل بالوحي، وبشريعة مستقلة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
لم يكتفِ “القادياني” بادعاءته الباطلة، بل تمادى فأصدر الفتوى وألف عدداً من الكتب ومنشورات في إلغاء فريضة الجهاد، وتحريم قتال المستعمر البريطاني، ويذكر (ميرزا غلام أحمد القادياني) في مذكراته، قائلاً: (وقد ألفت في منع الجهاد الذي لم يكن إلا في مصلحة بريطانيا، وبوجوب طاعة هذه الحكومة طاعة صادقة).
ولكي يحقق مراده تلاعب في نصوص القرآن والسنة التي تشير إلى فرضية الجهاد، وأحدث تغييرات في حقائق السيرة النبوية، وأحداث التاريخ الإسلامي، وخاصة ما يتعلق بالغزوات والفتوحات الإسلامية، وفي المقابل هذه الخدمات السخية ساعد البريطانيين “القادياني” في نشر فتاويه والكتب في شبه القارة الهندية والبلاد الإسلامية التي كانت تقع ضمن نفوذها كمصر.
أما عن نهاية “القادياني” فقد وقعت عام 1907 مناظرة حامية الوطيس بينه وبين العالم الهندي المشهور “ثناء الله الأمر تسري” الذي تمكن من فضح ادعاءاته، فما كان من “القادياني” في ثورة غضبه إلا أن يقول بأن الكاذب المفتري منهما سيموت، ودعا الله تعالى بأن يكون موت الكاذب في حياة صاحبه، أن يسلط عليه الله داء مثل الكوليرا ليكون به موته.
في شهر مايو عام 1908 أُصيب “القادياني” بداء الكوليرا وبها كان حتفه، ودفن في قاديان مسقط رأسه، وأما “ثناء الله تسري” فقد عاش بعد هلاك ميرزا غلام أحمد القادياني لـ40 عاماً.
الهجرة نحو إسرائيل!
وبعد وفاة رأس الطائفة فقدت جماعة القاديانية بعضاً من بريقها، فانقسمت عن الجماعة القاديانية في عهد خليفته ونجله “ميرزا بشير الدين محمود”، الحركة الأحمدية في لاهور بزعامة “ميرزا غلام أحمد” والتي تمثل اليوم جزءاً صغيراً من الأحمديين ولا تؤمن هذه الفرقة بنبوة “ميرزا غلام أحمد القادياني” بل تعتبره مجدداً.
وإلى جانب كل ذلك ارتبطت الجماعة القاديانية بعلاقات طيبة ووثيقة مع اليهود في فلسطين المحتلة، إذ وصل بعض أتباع الجماعة إلى فلسطين لأول مرة عن طريق ميناء حيفا على رأسهم نجل مؤسس الطائفة الأحمدية وخليفته (ميرزا بشير الدين محمود) عام 1924، ورافقه كذلك القادياني “جلال الدين شمس” الذي أسس بدوره مركزاً للجماعة في قرية “الكبابير” على قمة جبل الكرمل قرب حيفا، وثم تم بناء أول معبد للجماعة هناك عام 1934 برعاية حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين، وتم إعادة بناء ذلك المعبد مرة أخرى برعاية سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1979، ويعرف هذا المعبد اليوم بمسمى مسجد “سيدنا محمود”، وكذلك أسسوا مجلة البشرى أو البشائر.
ورغم إيجاد الجماعة القاديانية موطئ قدم لها في فلسطين المحتلة، فإنها عاشت في شبه عزلة تامة هناك، فلم تنتشر أفكار الجماعة بين العرب المسلمين المقيمين في أراضي المحتلة عام 1948 بدليل أن أتباع الجماعة من خارج قرية “الكبابير” لا يتجاوزون العشرات، وتضم قرية الكبابير اليوم قرابة 3000 نسمة معظم سكانها من أتباع الجماعة القاديانية.
رأي علماء المسلمين
أمام عن رأي علماء المسلمين بالجماعة القاديانية، فيرى كل فقهاء السنة أن الجماعة القاديانية عبارة عن هراطقة وكذب وافتراء، وأنهم خارجون عن تعاليم الإسلام، ويرون كذلك أنها جماعة نشأت في شبه القارة الهندية وترعرعت في أحضان المستعمر البريطاني، بهدف إبعاد المسلمين عن الجهاد حتى لا يواجهوا الاستعمار باسم الإسلام.
وبناءً على ذلك تعرض أتباع الجماعة القاديانية لتضييق في معظم الدول الإسلامية والعربية تقريباً، فوفق تقارير الدولية لحقوق الأقليات عن أحوال الأقليات الدينية، تعتبر الجماعة القاديانية غير معترف بها في مصر، كذلك لا تعترف المملكة العربية السعودية بالجماعة القاديانية كمسلمين، وهو ما يترتب عليه عدم السماح لهم بممارسة شعائر الحج أو العمرة.
كذلك أصدرت دولة باكستان قراراً عام 1970 يمنع إطلاق صفة “مسلم” على أفراد الجماعة القاديانية وتصنيفهم على أنها “أقلية غير مسلمة”، وظهر ذلك جلياً عندما لم يلق العالم الباكستاني في الفيزياء محمد عبد السلام، أحمديّ الطائفة، عند فوزه جائزة نوبل للفيزياء أي تقدير من الحكومة الباكستانية، كما تعرض في عام 2010 مسجدان تابعان لجماعة القاديانية في باكستان لهجوم مسلح، قُتل به 94 شخصاً وجُرح أكثر من 120 شخصاً.