مع مرور الأيام أكتشف أن كثيراً من العقائد التي كنت أعتبرها من البديهيات والمسلّمات التي لا يحتاج الإنسان أن يسأل نفسه عنها باستمرار هي من أشد الأفكار التي تحتاج إلى إعادة تفكير وتفقد بصورة مستمرة، ومن أبرز هذه الأمور مسألة مدى حب المسلم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فلو أنك ذهبت إلى أي مسلم وسألته بصورة مباشرة: هل تحب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟ لشكك على الفور في قوة عقلك أو سلامة عقيدتك، وقال لك في يقين مشوب بالاحتقار لك ولضعف إيمانك: أفي هذا شك؟ ومن منا لا يحب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟!، ولكنك لو صبرت قليلاً وقلت لنفس الشخص: وماذا تعرف عنه صلى الله عليه وسلم لوجدت في الغالب أن تسرعه في التشكيك في إيمانك لا يقابله نفس التسرع للجواب عن سؤالك، وهذا إن أجابك في الأساس.
أنا هنا لا أزايد على حب أيٍّ منا لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فيكفي أي شخص فينا أن يعرف أن الله قد جعل سيدنا محمد صلى الله عليه ووسلم سبباً لاستنقاذ رقبته من النار ليحبه، ولكنني أتكلم عن الحب المحرك، الحب الذي يدفع الأمة للأمام، أتكلم معك يا صديقي عن المعنى الحقيقي لحب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكي نفهم جانباً من جوانب هذا الحب الذي يجب أن يحمله كل مسلم بين جنبيه للرسول صلى الله عليه وسلم، يجب علينا أن نستمع له وهو يقول في الحديث الذي يرويه سيدنا عبد الله بن هشام رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك”، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر”، رواه البخاري.
هذا الحديث مهم جداً، لأن كل شخص فينا إذا عرض نفسه عليه سيجد أنه يعيش في مأساة حقيقية، تستوجب منه أن يقف مع نفسه ليراجعها، ويضع قائمة بالأشياء التي يحبها في هذه الحياة، ويعيد ترتيب أولويات هذا الحب، وإياك إياك والظن أن ترتيب هذا الحب سيتغير بمجرد الكلام، فلو كان الأمر كذلك لما استأهل حديثاً خاصاً من النبي يؤكد على أهمية هذا الحب في عقيدة المؤمن.
ولكن ما السبيل إلى هذا الحب الذي يجب علينا أن نكنّه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ أرى هنا أن الطريق الأول والأساسي لنصل إلى مبتغانا هو المعرفة الحقيقية له صلى الله عليه وسلم، فكيف لك أن تزعم محبة شخص لا تعرف عنه شيئاً اللهم إلا اسمه؟! وكيف لك أن تزعم حبّه وانت لا تتبع سنته ولا تتشبه به؟
إذا كان الإنسان لا يجعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوته الأولى والأخيرة في الدنيا، فإن ذلك ينم عن ضعف في حبه وولائه للنبي. ينبغي أن يكون النبي هو القدوة الأعلى في سلوكه وأخلاقه وقراراته، وأن يتأسى به في كل جانب من حياته.
وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون كلام النبي متفوقًا على كل كلام آخر بعد كلام الله، وأن يتقبل بصدر رحب ويؤمن بأنه منقول من الله تعالى لهدي البشرية. القلب الذي يحب النبي بصدق وصفاء لا يقبل الشكك في أوامره أو يجادل في صحة كلماته.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
أما بالنسبة لليقين الكامل في العصمة الكاملة التي أوتيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل الله، فهو أمر أساسي لكل من يزعم حبه للنبي. يجب أن يكون الإيمان بأن النبي معصوم من الخطأ والزلل، وأن كل ما قاله وفعله جاء من الله وفقًا لوحي وحياة طاهرة. فعلى الإنسان أن يحافظ على عقيدته ويدافع عن نبيه بالحجج والأدلة التي تثبت أنه خاتم الأنبياء والرسل والقائد الذي لا يُضَاهَى في تاريخ البشرية.
وأعدك أنك كلما توغلت في محاولة معرفته صلى الله عليه وسلم تضاعف حبه في نفسك بصورة غريبة، ولمَ أقول غريبة! ألم تُجبل النفس على محبة كل ما هو جميل وعظيم؟ وهذا الجمال والعظمة يتجلى في سيرته، وتجربة قراءة السيرة للتعمق في حب النبي صلى الله عليه وسلم ستنقلك إلى درجة من درجات حبه صلى الله عليه وسلم، لم تكن تعرفها في نفسك من قبل، حتى إنك ستجد نفسك تبكي في أحيان كثيرة من فرط محبتك له، وشوقك إليه، وتعجبك من رحمته وتضحيته، وهنا فقط تكون بدأت في محبته عن معرفة، وهذا هو الحب المطلوب، الحب الدافع.
هذا الحب الدافع للأمام الذي سيغير وجه الأرض لو حمله كل مسلم بين جنبيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فالمسلم مأمور بالاقتداء بنبيه العظيم، واتخاذه مثلاً أعلى في كل أمور حياته، فلو أننا وصلنا لهذه الدرجة من درجات الحب لاقتدينا بحبيبنا في حبه لربه وشجاعته وشهامته وما لا أحصي من صفاته.
وأخيراً، الوسائل التي تقربنا إلى حب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة وغير محدودة، وقد ذكرت منها على سبيل المثال قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم، وأوصي هنا بكتاب الرحيق المختوم للمباركفوري، لشموله وقلة حجمه، وقد تكون الوسيلة في شكل الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وتعليم سيرته لأبنائنا تحبيباً لهم في شخصه الكريم، وكلما أبدعنا في تلك الوسائل اقتربنا إلى هدفنا، وهو اقتداء هذه الأمة برسولها، الأمر الذي يُمكِّنُ لها في نهاية المطاف، ويخرجنا من طور الاستضعاف الذي طال