يصفها الدكتور محمد عجمية بالفردوس المفقود، فلا أحد على وجه التحديد يمكنه أن يقطع يقينًا بأي ارض تقع هذه المنطقة الجزيرة العربية، وتقول الأسطورة بأنه لم هلك أهل وبار مع غيرهم من العرب البائدة، ولما خلت هذه المنطقة من سكانها استوطنها الجن، فكانت مليئة بالإبل والأشجار ولكن أحدا من البشر لم يكن يجرؤ على الاقتراب منها فذلك أمر نتيجته أن الموت أو الجنون على أقل تقدير، وتذهب بعض الأقوال بأن أهل هذه المنطقة كانت قبائل عاد وثمود، إلا أن ذلك يتعارض على الأقل مع الموقع الذي وجدت فيه مدائن صالح ذات الطابع العمراني النبطي، فمنطقة مدائن صالح تقع في منطقة صحراوية لا يمكن أن تتصف بما ذهب العرب لوصف بلاد وبار من خصوبة وكثافة في الأشجار.
الجن في اللغة العربية تعني تحديدا الستر أو التستر، ومن الناحية الإيحائية ترتبط هذه الكلمة بالغموض والمجهول وبصورة أكثر بالخوف، ولكن ذلك النوع من الخوف الذي تشوبه الرغبة في الاكتشاف، فالعربي لم يكن يخشى الجن، وبعض العرب كانوا يتقصدون أن يرتحلوا في الأماكن الموحشة ليلتقوا بالجن، فالجن أيضا ارتبطت بالإبداع والعبقرية، فوادي عبقر هو أحد مواطن الجن، وحصل على شهرة كبيرة قياسا بأرض وبار، لأنه أشيع عن بعض الشعراء أنهم يتصلون بالجن فيه ليبدعوا قصائدهم.
أرض وبار ما زالت لغزا مستعصيا، البعض يرى ومنهم الدكتور عجمية أنها لم تكن في أي مكان على الإطلاق، بمعنى أن العرب اختلقوا قصة هذه الأرض، ولكن بعضا يرون أنها كانت بلاد موجودة على مقربة من المهرة والشحر، أما المهرة فهي منطقة في بلاد اليمن ينطبق عليها طابع الخصوبة الشديدة، والشحر اسم أطلق على أكثر من منطقة، والمرجح أنها تقع في سلطنة عمان والإمارات العربية حاليا، وهي أيضا منطقة تتصف بالخصوبة والطبيعة المتميزة، كما أنها تقع وراء الربع الخالي الذي يستلزم عبوره مشقة كبيرة، ويشكل حاجزا طبيعيا مهما، ولكن أحدا لم يطرح الأردن كمكان محتمل لأرض وبار مع أن المواصفات الطبيعية للمنطقة تنطبق أيضا على أكثر من مكان في الأردن.
لماذا يمكن أن تكون الأردن أرض وبار، لذلك أسباب وجيهة، فمنطقة الأردن بقيت غامضة على العرب لفترة من الزمن، وكانت أحداث سدوم وعمورة توحي بأن المنطقة شهدت أحداثا غامضة لا يمكن أن يتم إدراكها بالعقل العربي البسيط في ذلك الوقت، كما أن استحالة أرض وبار على الاختراق من العرب والوصول إليها تتشابه مع الوضعية القائمة في الأردن، فالأنباط وغيرهم كانوا حضارات متقدمة تمثل مجهولا بالنسبة لعرب الجزيرة كما أنها كانت تحفل بما يعتبره العرب معجزات في البناء والحضارة، وتورد بعض الكتب أن عرب قريش لما حاولوا أن يتصورا الجنة التي يعد بها النبي الكريم قالوا ((يعدنا بجنان كجنان الأردن))، وحيث كانت مكة هي العاصمة الدينية والثقافية للعرب قبل الإسلام فليس ما يمنع أن تكون الأردن ارتبطت لديهم بمفهوم الجنة الإعجازي الذي يتناقض كلية مع حياتهم المتقشفة والصعبة، وبالتالي يمكن أن يمثل ذلك عقدة يمكن أن تشكل أساسا لتصورهم لأرض غامضة ومنيعة عنهم لتكون موطنا للجن، لأن المستوى الحضاري كان متقدما نوعيا وكميا عما عرفه العرب.
على أية حال فإن وبار تكشف أن العقل العربي كان شغوفا بقصص الجن بصورة كبيرة لم تعرف لدى أي أمة أخرى سوى في الدول الإسكندنافية واسكتلندا، ولا يوجد أي روابط تاريخية تربط بين العقلية والمخيلة العربية وبين أهل هذه المناطق سوى العزلة، فهذه المناطق كانت تعاني من عزلة مشابهة ولكنها وسط الغابات الكثيفة والمناطق الجليدية، وكأن الإنسان المنعزل هو الذي يحاول البحث عن أقرانه في العوالم غير المرئية ويتوقع كيفية حياتهم ويضع لها تفاصيل تصل إلى لغتها وطقوسها وحتى نوعية طعامها، ولكن الجن ما زال يكتسب مكانة مؤثرة في العقل العربي بينما تحول إلى صفحات تاريخية مطوية عن شعوب الشمال.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website