إن ممَّا اختصَّ به الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- أن جَعَلهم الله -تعالى- أصحابَ محمَّدٍ خاتم النبيين وسيد المرسلين ﷺ، فهم خيرُ قرون الأُمَّة، وأعلام الْمِلَّة، وسند الشريعة، وأئمة الأمة في العلم والعمل، وأعظمها جهاداً في سبيل الله -عزَّ وجلَّ- ومن براهين فضْلِ وعُلوِّ منزلتهم:
أ- أنَّ الله -تعالى- قد أَثْنى عليهم في مُحكم القرآن، وشَهِد لهم بالإسلام والإيمان والإحسان، وبشَّرهم بالتوبة والرضوان، وأصنافِ ما أعدَّه الله تعالى لأهل طاعته من نعيم الْجِنان.
ب- شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم بالجنة، وبيانه لفضْلهم على سائر قرون الأُمَّة، وأنهم خيرُ أمةٍ، إلى غير ذلك مما ثبتَ بصريح مُحكم القرآن ومتواتر السُّنة؛ لفظاً ومعنى.
ت- إجماع أهْل الإسلام على فضْلهم ورِفْعَتهم ومكانتهم في الأُمَّة، فشَرفُهم وعُلوُّ منزلتهم ومكانتهم في الأمة مما لا يَمتري فيه عاقلٌ مُنصِفٌ، فضْلاً عن مؤمن مكلَّفٍ، إلا أنه قد حَدَث في هذا الزمن أن تكلَّم فيهم مُتكلِّم، وقدَحَ فيهم قادِحٌ، بما حاصله الطَّعْن في أعيانٍ منهم أو تنقصٌ لِجُملتهم، ومؤدَّاه في بعض الأحيان تكذيب الله -تعالى- والطعْن في نُبوَّة محمد المصطفى ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، والقدْح في سَنَد الشريعة والتشكيك في الثوابت، وتضليل شباب الأمة، ومجاراة الزنادقة، وسرور أعداء الإسلام.
وهذا لا يصدر إلا عن جاهلٍ مُركب يَهرِف بما لا يَعرِف، أو مغموطٍ بالنفاق، تظاهَر بالبحث والتحقيق؛ ستْراً لباطنيَّته وزَنْدَقَته ونِفَاقه، والكل لا يَجني إلا على نفسه إن لَم يتبْ إلى الله قبل رَمْسه، وهو ينبِئ عن شِقْوته بخبث كتابته وكلمته المعبِّرة عن فساد طَويَّته.. “وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ”، “إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ”.
وقد قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”.
وليعلم هؤلاء الأغبياء وغيرهم أنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- كنجوم السماء يَهتدي بها أولو الألباب، ولا يضرُّها نبْحُ الكلاب، وأنَّ الله تعالى يدافع عنهم، فهم أوفرُ الأمة حظاً من قوله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ”، وقوله تعالى: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ”.
فلا يغتاظ منهم ولا يَحقِد عليهم ويَتعدَّى على حُرمتِهم وهم في قبورهم ليتشفَّى منهم إلا منافقٌ، أو مُلحِدٌ فاجرٌ، اسمَع قَولَهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: “لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
قالَ ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ الله- فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ العَظِيمِ (4/243):
فَعَلمَِ مَا فِي قُلُوبِهِم، أي: من الصِدقَ وَالوَفَاءِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وعن عبدالله بنِ مَسعُودٍ رَضِيَّ اللهُ عَنهُ عَنِ النَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
“خَيرُ النَّاسِ قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم” رواهُ البُخاري ومُسلم رحمهما الله رحمةً واسعة .
ويِقولُ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رضِي اللهُ عَنهُ:
“إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ وَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَوَجَدَ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءُ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينِهِ”، رواهُ الإمام أحمد رحمه اللهُ رحمةً واسعةً في المُسْنَدِ.
تعريف الصحابة:
الصحابة: جَمْع صاحب وصحابي، والصحابي: مَن لَقِي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به وماتَ على ذلك.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
مَن صَحِب النبي ﷺ أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه.
والمقصود: أنَّ الصُّحْبة فيها خصوصٌ وعموم، وعمومها يندرِجُ فيه كلُّ مَن رأى النبي ﷺ مؤمناً به، ولهذا يُقال: صَحِبه سنة، وشهراً، وساعة، ونحو ذلك، ومن اختصَّ من الصحابة بما يتميَّز به عن غيره يُوصَف بتلك الصحبة دون مَن لَم يشركْه فيها.
قال غير واحدٍ من أهْل العلم: كلُّ مَن صَحِب النبي ﷺ أفضلُ ممن لَم يَصْحَبْه مُطلقاً، فإنه حصَلَ لهم بالصُّحْبة بالدرجة أمر لا يساويه ما يَحصل لغيرهم بعلْمه وعمله، ولَم يبلغْ أحدٌ مثل منازلهم التي أدركوها بصُحْبة النبي ﷺ.
فائدة:
قيل: إنَّ عدد الصحابة -رضي الله عنهم- مائة وأربعة وعشرون ألفاً، وآخِرُ مَن مات منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، كما جَزَم به مسلم رحمه الله سنة مائة، وقيل: سنة مائة وعشر من الهجرة.
فَضلُ الصحابة وعقيدتُنا – أهلُ السُنَّة والجماعة – فيهم جميعاً
أهلُ السُّنَّة والجماعة يُحِبُّون أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ويفضِّلونهم على جميع الخلق بعد الأنبياء؛ لأنَّ محبتهم من محبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومحبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من محبة الله، وهم يُثنون على الصحابة، ويتَرَضَّون عنهم، ويستغفرون لهم؛ وذلك للأمور التالية:
أولاً: أنهم خير القرون في جميع الأمم؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله – رضي الله عنه – أنَّ النبي ﷺ قال: “خيرُ الناس قرْني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”.
ثانياً: هم الواسطة بين رسول الله ﷺ وبين أمَّته، فمنهم تلقَّت الأمةُ عنه الشريعة.
ثالثاً: ما كان على أيديهم من الفتوحات الواسعة العظيمة.
رابعاً: أنهم نشروا الفضائل بين هذه الأمة؛ من الصِّدْق والنُّصْح والأخلاق والآداب، التي لا توجد عند غيرهم،
قال – تعالى – مُثنياً عليهم:
“وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”، وقال تعالى: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً”، وقال تعالى: “لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ”.
وفي الصحيحَيْن من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال النبي ﷺ: (لا تسبُّوا أصحابي؛ فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه).
قالتْ عائشة – رضي الله عنها – عندما قيل لها: إِنَّ ناساً يَتَنَاوَلون أصحابَ النبيِّ ﷺ حتى أبا بكر وعمر، فقالتْ: وما تَعْجَبون من هذا؟! انقطع عنهم العملُ، فأحبَّ الله ألاَّ يقطعَ عنهم الأجْرَ.
وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال: “لا تسبوا أصحاب محمد ﷺ فلمقامُ أحدهم ساعة خيرٌ من عبادة أحدكم أربعين سنة.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلبَ محمدٍ ﷺ خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد ﷺ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه .
وقال أيضاً مخاطباً أصحابه: أنتم أكثر صلاة، وأكثر صياماً، وأكثر جهاداً من أصحاب محمد ﷺ وهم كانوا خيراً منكم، قالوا: فيمَ ذاك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا، وأرغب منكم في الآخرة
وقال الحسن البصري – رحمه الله -: إنَّ أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – كانوا أكياساً، عملوا صالحاً، وأكلوا طيباً، وقدموا فضلاً، لَم يُنافسوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يجزعوا من ذلها، أخذوا صفْوها، وتركوا كدرها، والله ما تعاظمتْ في أنفسهم حسنةٌ عملوها، ولا تصاغرت في أنفسهم سيئةٌ أمرهم الشيطان بها .
قوله: ولا نُفَرِّط في حبِّ واحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، وحبهم دين وإيمان وإحسان.
يقصد بذلك الرد على الروافِض والنواصب والمنافقين؛ فإن الرافضة يُكَفِّرون أصحاب رسول الله ﷺ ويعتقدون أنهم كفروا إلا ثلاثة منهم؛ بل يعتقدون أنه لا ولاء إلا ببراء؛ أي: لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر، وأهلُ السنة يوالونهم كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدْل والإنصاف، والرافضة يغلون في عليٍّ ويرفعونه فوق منزلته، أما النواصب، فإنهم يسبون علياً، ويبغضون آل بيت رسول الله ﷺ. أما المنافقون, فيتملّقون للرافضة بمسبّة بعض الصحابة كلعن ومسبة سيدنا معاوية رضي الله عنه والمغالاة في كراهيته ونعته بأبشع الصفات واساءة الظن به وبغيره من الصحابة.
قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً مِن أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن رسول الله ﷺ عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسنن أصحابُ رسول الله ﷺ وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أولى، وهم زنادقة.
عباد الله:
إن الصحابة كلَّهم عدول موثَّقُون وثَّقهم الله في كتابه، وعدّلهم رسوله ﷺ في سُنته، فلم يبق فيهم لقائل مقالاً ولا لمتكلم مجالاً.
فالواجب – عباد الله – أن نحفظ لهؤلاء الصحابة قدرَهم، فحبُّهم إيمان وطاعة وإحسان، وبغضهم نفاق وشقاق وعصيان.
اللهم ارضَ عن صحابة نبيِّك الكريم.
اللهم ارضَ عن صحابة نبيِّك الكريم واجزهم عنّا أفضل الجزاء وأعظمه.
اللهم واعْمُر قلوبنا بمحبَّتهم يا ذا الجلال والإكرام، ووفقنا لاحترامهم ومعرفة قدرهم يا حيُّ يا قيّوم،
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَّحِيمٌ).