عندما يأتي الاحتفال بالمولد النبوي، تتجدد فتاوي الحرمة بالاحتفال، ويتدخل المعاصرون من الدعاة للإدلاء بفتواهم في هذا الأمر، لكن بعيدًا عن الجدل المعاصر، نقدم آراء الأئمة المعدودين، والمشهود لهم بالرسوخ وجلالة العلم في حديثهم عن الاحتفال بالمولد.
الإمام العلامة “محمد بن يوسف” الصالحي الشامي صاحب موسوعة السيرة الشامية المعروفة بـ “سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد” قدم دراسة شيقة في موسوعته في السيرة النبوية تحدث فيها عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، مستشهدًا في ذلك بآراء من سبقوه وكيف أصلوا لهذه المسألة.
الصالحي وهو من تلامذة الإمام السيوطي- رحمه الله- يقول في موسوعته : أول من احتفل بالمولد النبوي كان صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكوبري بن زيد الدين علي”، وهو سني المذهب وليس من الفاطميين، وكان صهرًا للناصر صلاح الدين، متزوجًا بأخته.
قال عنه ابن كثير في تاريخه: “إنه كان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عادلاً”، وكان ينفق أموالاً وفيرة في هذا الاحتفال –يعني بالمولد – من إطعام وصدقة وغيرها قيل بلغت في بعض المرات ثلاثمائة ألف دينار.
وقد صنف الحافظ أبو الخطاب بن دحية، كتابًا في هذا الموضوع سماه “التنوير في مولد البشير النذير” وقدمه إلى أبي سعيد – سالف الذكر – فأجازه بألف دينار على كتابه.
وذكر عن الحافظ ابن حجر أن “أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها.. فمن تحرى في عمله المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة ومن لا فلا”.
يقول ابن حجر: “وقد ظهر لي تخريجها علي أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون عاشوراء، فسألهم، فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون وأنجي فيه موسي فنحن نصومه شكرًا لله، فقال: إنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فيستفاد من فعل ذلك شكرًا لله تعالي على ما من به الله في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادات والسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي الكريم ،نبي الرحمة في ذلك اليوم؟
وعلى هذا، فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم حتى نقلوه إلى أي يوم من السنة، وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمل المولد.
وأما ما يعمل فيه، فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية، والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخيرات والعمل للآخرة.
وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحًا، بحيث يتعين السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، ومهما كان حرامًا أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلافًا للأولى.
يقول الصالحي: وقال شيخنا- السيوطي- في فتاويه: عندي أن أصل المولد الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم “سماط” يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
قال: وقد ظهر لي تخريجه على أصل صحيح غير الذي ذكره الحافظ، وهو ما رواه البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا فعله صلى الله عليه وسلم إظهارًا للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين وتشريعًا لأمته صلى الله عليه وسلم، كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وسلم بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات والمسرات.
وقال في شرح سنن ابن ماجه: الصواب أنه من البدع الحسنة المندوبة إذا خلا عن المنكرات شرعًا.
والخلاصة أن الاحتفال بالمولد النبوي يقوم على أصلين:
الأصل الأول: هو أن البدع كلها ليست مذمومة وإنما هناك البدعة الحسنة التي لا تراغم النصوص الشرعية وتوافق قواعد الدين، وهو القول المنقول عن الشافعي والعز بن عبد السلام والنووي وأبي شامة وبن حجر وغيرهم.
الأصل الثاني: هو الاستئناس ببعض النصوص التي تشير إلي هذا المعنى –معنى الاحتفال – مثل حديث صوم يوم عاشوراء تيمنًا بنعمة نجاة موسي عليه السلام من فرعون وتكرار صومه كل عام تيمنا بهذه النعمة، وحديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم ليوم الإثنين لأنه يوم مولده.