كانت البيئة الدينية في فيتنام في عشرينيات القرن الماضي خليطاً من المعتقدات الروحية والدينية، قدم الصينيون الأخلاق الكونفوشيوسية، بالإضافة للبوذية التي كانت منتشرة بين السكان، وفي القرن الثامن عشر، وصل المبشرون الرومان الكاثوليك.
بالإضافة إلى ذلك، كان السكان، ومنذ فترة طويلة على اتصال بالتجار الهندوس والمسلمين، فكان أفراد الشعب الفيتنامي، خليطاً من كل هذه الديانات والمعتقدات.
أما اليوم، فالتقسيم الديني كالتالي: تحتل البوذية المرتبة الأولى من حيث عدد الأتباع، وتأتي الكاثوليكية الرومانية في المرتبة الثانية، والإسلام في المرتبة الثالثة بعدد أتباع حوالي 8 ملايين شخص، أما رابع أكبر الديانات في فيتنام فهي الديانة الـ”كاودائية”، التي تأسست عام 1925 وجمعت مختلف المعتقدات، ومزجتها في دين واحد ادعى مؤسسه أنه مرسَل من خالق الكون.
رؤيا موظف حكومي تؤسس الديانة “الكاودائية”
في نهاية 1925 ادعى “نغو فان شيو”، وهو موظف حكومي، أنه تلقى رسائل من “روح” أو “كيان خارق” يعتقد أنه الرب، تجسَّد له على شكل عين متوهجة، أخبره أن هذه هي المرحلة الثالثة التي يكشف بها الرب نفسه للبشرية، وأنه حان الوقت لتوحيد البشرية في دين عالمي واحد.
وأن البشرية مرت بثلاث مراحل مهمة من الوحي، في المرحلة الأولى، حين ظهر الله للنبي موسى، وكذلك ظهر لبوذا.
وخلال المرحلة الثانية، يزعم انه ظهر للفيلسوف كونفوشيوس وأمره بتأسيس الكونفوشيوسية، وهي مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي وفلسفة قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية.
وكذلك يزعم ان الله ظهر في المرحلة الثانية في الديانة المسيحية ورسالة يسوع المسيح، والطاوية في صورة “لاو تسيو” والإسلام في رسالة النبي محمد، وفي كل تلك المراحل والرسالات كانت الرسالة غامضة، بسبب عدم استعداد البشرية لفهمها كاملة.
وليس هؤلاء فقط، بل تواصل الرب مع الكثير من المفكرين والعلماء والفلاسفة والأدباء أمثال “شكسبير” و”فيكتور هوجو” و”لينين” و”لويس باستور” وألهمهم أجزاء من تعاليمه لفائدة البشرية بشكل ما.
أما المرحلة الثالثة، فهي “الكاودائية” وأن “الكائن الأسمى” خالق الكون قرر الكشف عن حقيقته للبشرية عن طريق “نغو فان شيو”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فانطلق “فان شيو” بالتبشير بدعوته بين معارفه وأصدقائه، وبدأ يجذب الأتباع، وتم إطلاق الحركة “الكاودائية” علناً في احتفال حضره حوالي خمسين ألف شخص في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1926.
عقائد الكاودائية مزيج من كل الأديان
وضع مؤسس الديانة بعض القواعد الأخلاقية المستمدة من الفلسفة البوذية المتمثلة في أن تصبح شخصاً جيداً، من أجل مصير أفضل في الحياة القادمة، حيث تؤمن “الكاودائية” بتناسخ الأرواح.
ثم أضاف بعض الأخلاق الأساسية، الموجودة في كل الأديان مثل تجنب القتل والكذب والعيش الباذخ والشهوانية والسرقة، ثم أضاف عليها من بعض العقائد الهندوسية مثل الامتناع عن أكل اللحوم.
واعتبر أن النظام الغذائي النباتي هو خدمة إنسانية، لأنه لا ينطوي على إيذاء كائنات أخرى أثناء عملية “التطور الروحي”، ومع أن أتباع الكاودائية يتبعون عدة أنظمة نباتية مختلفة، أقلها صرامة هو تناول وجبات نباتية ستة أيام في الشهر، فمع ذلك، يُطلب من الكهنة أن يكونوا نباتيين بشكل كامل.
أما الكهنة ورجال الدين فقد قسمهم “نغو فان شيو” لهيكل هرمي مشابه للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ومزج بين كهنة من النساء والرجال، وتشغل الكاهنات جميع المستويات باستثناء أعلى المستويات، شأنها شأن الكنيسة الكاثوليكية.
ويقيمون مثل المسلمين عدة صلوات في اليوم، لكنها 4 فقط، كل 6 ساعات، في 6 صباحاً، و12 ظهراً، 6 مساءً، ومنتصف الليل، لكن بدل التلاوة تكون الأدعية مع آلات موسيقية وأصوات غناء بشرية.
وجمعت عقيدة “الكاودائية” التناقضات في داخل نظامها الأساسي، فهي تحتضن في نفس الوقت عبادة “إله أعظم” خالق للكون وعبادة الأسلاف.
الكاودائية تدخلت في السياسة فجذبت الأتباع وفرَّقتهم
خشي أتباع الديانة البوذية والمسؤولون الفرنسيون، الذين كانوا يحتلون فيتنام في ذلك الوقت، من نمو الحركة وتداعياتها المحتملة، لكنهم لم يتمكنوا من إبطاء انتشارها.
لأنه تحت عبء الإدارة الاستعمارية الفرنسية، ويكافحون من أجل إيجاد معنى في الديانات البوذية والكاثوليكية، وجد العديد من الفيتناميين الراحة في إعادة صياغة أنظمة المعتقدات الأصلية، التي قدمتها “الكاودائية” في ديانة واحدة جديدة، وأخذت من كل معتقد فكرة.
لاحقاً أعرب “نغو فان شيو” عن انتقاده للإدارة الاستعمارية الفرنسية صراحة، وفي حين أن هذا اجتذب أعداداً كبيرة من الأتباع الناقمين على الاحتلال الفرنسي، فقد تسبب أيضاً في حدوث انقسامات بين بعض أتباع “الكاودائية” الذين شعروا أن الدين يجب ألا يتورط في الشؤون السياسية.
ومع ذلك، بحلول عام 1930 كان هناك ما يقدَّر بنحو 500 ألف من أتباع “الكاودائية”