فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) عملية عسكرية واسعة ومفاجئة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، أطلقت عليها اسم “طوفان الأقصى”.
بدأت العملية باختراق طائراتٍ شراعية، تحمل مقاتلين من القسام، أجواء العدو على الحدود مع غزة. تزامن ذلك مع اقتحام السياج الفاصل من قِبل مقاتلين عبر دراجاتٍ نارية، وسيارات دفع رباعي، وسيراً على الأقدام.
وفي الوقت الذي يئن فيه قطاع غزة تحت وطأة القصف المستمر من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتهجير أكثر من مليون فلسطيني بعد تدمير بيوتهم، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن حماس خططت للبقاء طويلاً في المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى.
فقد كشفت مخططات وخرائط جمعها الاحتلال بعد العملية أن الخطة بدأ التحضير لها منذ عامين، وتضمنت الهجوم على عسقلان ومستوطنة “كريات جات”، كما تُشير كميات الطعام الكبيرة التي أحضرها المقاتلون معهم إلى أنهم خططوا للبقاء مدة طويلة.
كل الطرق في عملية طوفان الأقصى تقودنا إلى حركة حماس؛ فما هي هذه الحركة، ومتى وكيف تأسّست؟ وما هي أهدافها، وأبرز عملياتها؟
نشأة حركة حماس وأهدافها
تأسست “حماس”، وهي اختصار لـ”حركة المقاومة الإسلامية”، عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، على يد الشيخ أحمد ياسين، بعدما اتفق مع مجموعةٍ من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة على تكوين تنظيمٍ يحارب الاحتلال.
تحظى الحركة بدعمٍ إيراني، وتتبنى فكر جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر خلال عشرينيات القرن الماضي. وفي البداية، انتهجت مبدأ المقاومة اللاعنفية، حتى إن أحد قادتها اقترح حلاً سلمياً عام 1988.
وفي كتابه Islamic Fundamentalism in the West Bank and Gaza، يقول زياد أبو عمر إن الشيخ ياسين نفسه “أدلى بتصريحٍ أشار فيه للمرة الأولى إلى استعداد الإخوان للتفاوض مع إسرائيل، ولكن بشروطٍ معينة”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
لكن مع تزايد استخدام العنف من قِبل الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى، لا سيما ضدّ ياسين نفسه، لم تعد السلمية نهجاً تتبعه حركة حماس.
ففي أغسطس/آب 1988، دهمت قوات الاحتلال منزل أحمد ياسين وفتشته، قبل أن يُعتقل في مايو/أيار 1989 مع أعضاء حركة حماس، بعدما قتلت “حماس” جنديين إسرائيليين.
مع نهاية العام 1991، صدر حكمٌ بسجن ياسين مدى الحياة مع 15 سنة إضافية، بتهمة التحريض على خطف جنود وقتلهم، وتأسيس حركة حماس. حاولت كتائب القسام، الجهاز العسكري للحركة، الإفراج عن الشيخ ياسين وبعض المعتقلين الآخرين عن طريق خطف جندي إسرائيلي قرب القدس عام 1992.
لكن سلطات الاحتلال رفضت مبادلته نظير الإفراج عن ياسين ورفاقه، وشنّت هجوماً على مكان احتجاز جنديها، أدّى إلى وفاته.
لاحقاً، وإثر محاولة اغتيال فاشلة نفّذها الموساد في عمّان بحق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عام 1997، ألقت السلطات الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد. ووافقت إسرائيل على تسلّمهما، مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.
تعرّف حماس عن نفسها بأنها “حركة تحرّر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تحصر نضالها وعملها في قضية فلسطين، ولا تتدخل في شؤون الآخرين”.
وعلى موقعها الرسمي، تقول حركة حماس إنها تحصر مقاومتها ضد الاحتلال الإسرائيلي فقط، وليس لها أي معركة مع أي جهة في العالم، وتؤكد: “لا نقاوم إلا من يقاتل شعبنا ويحتل أرضنا، والمقاومة عندنا هي وسيلة وليست غاية”.
وتضيف مؤكدة: “حماس لا تقاتل وتقاوم الإسرائيليين لأنهم يهود، بل لأنهم محتلون. لا مشكلة لديها مع أحد بسبب دينه أو عرقه أو طائفته أو فكره، لكن مشكلتها مع المحتلين والمعتدين، ومن حقها أن تقاومهم بكل الوسائل بما فيها المقاومة المسلحة”.
في الأول من مايو/أيار 2017، أعلنت حركة حماس عن وثيقتها السياسية الجديدة التي حملت عنوان “وثيقة المبادئ والسياسات العامة“، خلال مؤتمرٍ صحفي عقده رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل في العاصمة القطرية.
حركة المقاومة الإسلامية في غزة
عارضت حماس اتفاقية أوسلو عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تحت زعامة ياسر عرفات، وأعلنت استمرار عملياتها ضد قوات الاحتلال. وبالفعل، سرعان ما نفذت هجمات داخل إسرائيل ضمّت تفجير حافلات، وهجمات أخرى.
لاحقاً عرضت إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة والتنازل عن أجزاء واسعة من الضفة الغربية، إضافة إلى منح أراض إضافية من صحراء النقب إلى الفلسطينيين، على أن تحتفظ بالمستوطنات الرئيسية ومعظم أجزاء القدس الشرقية.
رفضت حركة حماس العرض؛ وبعد فشل محادثات كامب ديفيد، وزيارة أرييل شارون -التي وُصفت بـ”الاستفزازية”- للأقصى، انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 بسبب كل ما ذُكر أعلاه.
نفذت حماس في تلك الفترة عمليات مؤثرة ضدّ إسرائيل، من بينها هجمات ضد محافل في نتانيا، وهجمات ضد ملاهٍ ليلية داخل إسرائيل، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين.
وفي السادس من سبتمبر/أيلول 2003، تعرض الشيخ أحمد ياسين لمحاولة اغتيال إسرائيلية استهدفت شقةً كان يوجد بها في غزة برفقة إسماعيل هنية، وأصابته بجروحٍ طفيفة في ذراعه اليمنى.
ردّت حماس عبر كتائب القسام بعملية “ميناء أسدود” عام 2004، التي أودت بحياة 10 إسرائيليين وجرح 20 آخرين، ليبدأ العد التنازلي لتوقيت اغتيال ياسين، الذي حمّلته إسرائيل مسؤولية تنفيذ العملية.
وفي 22 مارس/آذار 2004، تم اغتيال الشيخ أحمد ياسين نتيجة إطلاق 3 صواريخ عليه من مروحيات الأباتشي الإسرائيلية، حين كان خارجاً من مسجد المجمّع الإسلامي بحي الصّبرة في قطاع غزة.
وبعد نحو شهرٍ واحد، اغتالت إسرائيل إسماعيل الرنتيسي الذي تم اختياره قائداً لحركة حماس في الداخل، الأمر الذي دفع بالحركة لاحقاً إلى إبقاء أسماء قياديّيها سراً.
لم تتمكن إسرائيل من الاحتفاظ بقواتها في قطاع غزة بعد عام 2005، فانسحبت بشكلٍ كامل من القطاع، كما سحبت المستوطنين من المستوطنات القريبة. وفي العام 2006، فازت حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية.
بعد أشهرٍ من فوزها الكبير، أسرت حماس الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط في يونيو/حزيران 2006، وأخفته لأكثر من 5 سنوات رغم كل المحاولات الإسرائيلية للعثور عليه، عبر مواجهات شرسة ضدّ مقاتلي حماس.
وفي العام 2007، وبالتزامن مع إدارة حركة حماس لقطاع غزة وسيطرتها عليه، فرضت سلطة الاحتلال حصاراً واسعاً على القطاع ما زال مستمراً حتى اليوم.
وفقاً لوكالة “رويترز“، تسيطر حركة المقاومة الإسلامية على غزة من خلال جهازٍ أمني يضمّ ما يزيد على 13 ألف مقاتل، ولديها أيضاً آلاف الأعضاء في جناحها المُسلح (كتائب القسام) الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى محاربة الاحتلال.
يتولى إسماعيل هنية قيادة حماس في غزة، وما زال يعتبر نفسه رئيساً للوزراء، رغم أن عباس أقال حكومته بعد سيطرة الحركة على القطاع. لـ”حماس” قيادة في المنفى يرأسها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي، الذي يُقيم في دمشق.
كثيرةٌ هي المواجهات العسكرية التي حدثت بين حماس وقوات الاحتلال في قطاع غزة، منذ الحصار وحتى اليوم. فإضافةً إلى عملية طوفان الأقصى، شهد القطاع 5 مواجهات عسكرية بين الطرفين، بدأت قوات الاحتلال أغلبها.
أبرز قادة حماس
يُنظر إلى حماس بطريقة مختلفة جداً فيما بين حكومات البلدان حول العالم، وقد أُدرجت مع جناحها العسكري في القوائم الإرهابية لعددٍ من الدول الغربية والعربية أيضاً، فيما ترحب بها دول أخرى وتعتبرها شرعية.
كانت كندا أول البلدان التي تصنّف حركة حماس ككيانٍ إرهابي، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، تبعها الاتحاد الأوروبي في العام 2003 والولايات المتحدة الأمريكية في العام 2009. لكن الأمم المتحدة مثلاً لا تضع الحركة ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية.
الأردن، ومصر، والسعودية من البلدان العربية التي تصنّف حركة حماس إرهابية. وفي المقابل، واعتباراً من العام 2006، تعترف الصين بها ككيانٍ سياسي منتخب شرعياً في قطاع غزة يمثل الشعب الفلسطيني.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ورداً على عملية طوفان الأقصى المباغتة التي شنتها حركة حماس، توعدت إسرائيل بالقضاء على الحركة الفلسطينية ومحوها من غزة، لا بل هدد بنيامين نتنياهو بـ”سحقها” نهائياً.
ولأكثر من مرة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تصفية قيادات من الحركة، كان آخرهم اغتيال اثنين من القادة الذين كانوا وراء العملية الأخيرة: مراد أبو مراد، قائد التشكيل الجوي، وعلي القاضي قائد إحدى سرايا القوات الخاصة.
إسماعيل هنية: يترأس المكتب السياسي لـ”حماس”، بعدما انتُخب عام 2017، خلفاً لخالد مشعل. و”أبو العبد”، الكنية التي اشتهر بها، كان رئيساً لحكومة السلطة الفلسطينية بعد فوز الحركة المفاجئ في انتخابات 2006.
يعيش هنية في منفى اختياري بين قطر وتركيا، بعد 5 محاولات اغتيال نفذها الاحتلال في غزة، وبعد اعتقالات كثيرة في سجون الاحتلال، وهو هدفٌ أساسي للموساد الإسرائيلي.
محمد الضيف: قائد كتائب القسام والعقل المدبر لعملية طوفان الأقصى، وهو هدفٌ لإسرائيل منذ أكثر من 10 سنوات. نجا من 6 محاولات اغتيال معروفة، كان آخرها عام 2014 حين استهدفته غارة إسرائيلية في قطاع غزة، قُتلت فيها زوجته وأحد أطفالهما.
والضيف، المقاتل ذو “الأرواح التسعة” -كما يصفه الاحتلال- أصيب بأضرار بدنية كبيرة في محاولة اغتيال عام 2006، وقيل إنه فقدَ على أثرها البصر وبُترت له ساق وذراع. ومنذ ذلك الوقت، لا يبقى في المكان نفسه لأكثر من ليلة واحدة، حتى لُقّب بـ”الضيف”.
يتردد أن اسمه الأصلي محمد المصري، وهو من غزة، وقد عُيّن رئيساً لكتائب القسام خلفاً لصالح شحادة بعد اغتياله. له صورة وحيدة تعود إلى ما قبل العام 2000، واسمه مدرجٌ في القائمة الأمريكية لـ”الإرهابيين الدوليين” منذ العام 2015.
يحيى السنوار: انتُخب في فبراير/شباط 2017، رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس في غزة، خلفاً لإسماعيل هنية، بعدما كان قائد النخبة في الجناح العسكري. وقد كان من بين الأسرى الذين تم تبادلهم عام 2011 مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
أمضى 23 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو مطلوب لدى إسرائيل ومدرج أيضاً ضمن قائمة “الإرهابيين الدوليين” في الولايات المتحدة. يتحرك بشكلٍ سرّي للغاية، ولم يظهر علانية منذ عملية طوفان الأقصى.