عام 1994، شن القادة المتطرفون في جماعة “الهوتو”، التي تمثل الأغلبية في رواندا، حملة إبادة جماعية ضد الأقلية من قبيلة “التوتسي”. وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم، قُتل ما يقارب 800 ألف شخص، وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. وقتل في هذه المجازر ما يقدر بـ75% من التوتسي في رواندا.
وضع “جريجوري ستانتون”، رئيس منظمة مراقبة الإبادة الجماعية، دليلاً مكتوباً، وضح فيه 10 مراحل للإبادة الجماعية، منها مراحل تمهد لارتكاب الإبادة، وتضمن عدم حصول الضحايا على التعاطف أو الدعم من المجتمع الدولي أو حتى محلياً. وما يقوم به الجناة لاحقاً.
وبالنظر لما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ إعلان “دولة إسرائيل” وما قبلها، وما تقوم به من عمليات عسكرية ضد الفلسطينيين في غزة، يتضح أن هناك تشابهاً كبيراً مع ما ورد في ذلك الكتيب.
1- التصنيف “نحن وهم”
الخطوة الأولى لمن يخطط لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، هي فصل الفئة المستهدفة عن باقي الشعب وباقي البشر، والأمثلة على قيام إسرائيل بمثل هذه الخطوة كثيرة، وصدرت من أعلى المستويات من المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين.
منها ما حدث في عام 2019 بعد أن أثار منشور كتبته مقدمة برامج إسرائيلية تُدعى روتيم سيلع على فيسبوك -وجاء فيه أن بإسرائيل مواطنين عرباً وهم آدميون كغيرهم من البشر- موجة غضب عارمة وانتقادات لاذعة في إسرائيل.
ومن بين الانتقادات التي وجهت لمقدمة البرامج تعقيب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جاء فيه “أن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي فقط”.
ومن التصريحات ما قاله وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بأن “حياة المستوطنين تسبق حرية حركة الفلسطينيين” بالضفة الغربية المحتلة. وفي تغريدة له على منصة “إكس”، كتب بن غفير: حياتنا تسبق حرية الحركة، والتجارة، التي يتمتع بها “الفلسطينيون”.
وتعمد زعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف وضع كلمة الفلسطينيين مع علامة تنصيص.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وكانت تصريحات مشابهة لإيتمار بن غفير في حديث لقناة اسرائيلية محلية: إن “حقي وحق زوجتي وأولادي في التنقل على طرقات الضفة الغربية أهم من حق العرب في حرية الحركة”.
2- الترميز “هويات بألوان محددة”
في أوروبا، وتحت سلطة النازية، أُجبر اليهود على ارتداء نجوم صفراء لإظهار أنهم “مختلفون”. وفي فلسطين يتعرض الفلسطينيون للتمييز والاعتداءات المتكررة والحرمان من أبسط الحقوق البشرية حتى في التنقل في شوارع المدينة القديمة في القدس ومناطق أخرى. عدا جرائم القتل بدم بارد، التي يقوم بها جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وبدلاً من النجوم الصفراء التي كان يرتديها اليهود في أوروبا، كانت الإدارة المدنية للحكومة الاسرائيلية ومن قبلها الحكم العسكري الإسرائيلي للأراضي المحتلة منذ عام 1967، تقوم بإصدار بطاقات الهوية للفلسطينيين منقوش على حافظتها البلاستيكية شعار جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبألوان مختلفة لتمييزهم.
كان لون الحافظة لسكان الضفة الغربية برتقالياً، واللون الأزرق لسكان القدس، بينما سكان قطاع غزة كان لون حافظتهم أحمر. وفي بداية عقد 2000، وحدت السلطة الوطنية الفلسطينية لون الحافظة البلاستيكية في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى اللون الأخضر.
3- التمييز
جردت قوانين نورمبرغ لعام 1935 اليهود من جنسيتهم الألمانية، وجعلت من غير القانوني بالنسبة لهم القيام بالعديد من الوظائف أو الزواج من ألمان غير يهود. بينما سلبت إسرائيل الفلسطينيين في غزة وفي الأراضي المحتلة من حقوقهم الأساسية.منذ تأسست دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، كان هناك ما يعرف باسم الخط الأخضر أو خط التقسيم بين الدولة العبرية وفلسطين، وهو الخط الذي لم تحترمه إسرائيل، واحتلت جميع الأراضي الفلسطينية خلال حرب 1967.
خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت عام 2000، وجدت فكرة بناء جدار عازل صدى، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة العمليات المسلحة للمقاومة الفلسطينية خلف الخط الأخضر أو داخل ما بات يُعرف بالعمق الإسرائيلي.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2000، أعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت عن بدء تشييد جدار عازل بطول 74 كلم، لكن لم يبدأ العمل فعلياً حتى يونيو/حزيران 2002 خلال حكومة أرييل شارون، التي وافقت بشكل نهائي على بناء الجدار العازل. الأمر الذي حول غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم.
وحذّر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من أن حصار غزة الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في القطاع يهدد بتفاقم الوضع، ويؤثر على عمل المرافق الطبية هناك، كما أضاف المسؤول الأممي أن العمليات الجوية التي يشنها الاحتلال أصابت أبراجاً سكنية كبيرة في غزة، ومدارس، وأدت لسقوط ضحايا مدنيين.
4- التجريد من صفة الإنسانية “هؤلاء ليسوا بشراً”
– أثناء الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، تمت الإشارة إلى التوتسي باسم “الصراصير”. وأشار النازيون إلى اليهود على أنهم “حشرات”.
بينما أمر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في وقت سابقٍ الإثنين، بفرض “حصار شامل” على قطاع غزة، وأضاف خلال اجتماع تقييم في القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال: “نفرض حصاراً كاملاً على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك”، وفق تعبيره.
وقال غالانت إن إسرائيل تخوض حرباً ضد “الوحوش”. فيما وصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بأنها “مقززة”، مشيرة إلى أن “حرمان السكان في أراضٍ محتلة من الغذاء والكهرباء عقاب جماعي وجريمة حرب”.
5- التنظيم وتدريب الأفراد لارتكاب جرائم الإبادة
تسليح الأفراد وتحضيرهم بدنياً وذهنياً لارتكاب جرائم والقتل الممنهج هي الخطوة الأساسية لتنفيذ الإبادة الجماعية.
منذ قبل إعلان قيام “دولة إسرائيل” عام 1948 شكل المستوطنون منظمة مسلحة حملت اسم “هاجاناه وعفوداه“، وهي تعني “فرقة الدفاع والعمل”، لكنّ كلمة العمل أسقطت فيما بعد. فأصبح معنى اسمها فرقة الدفاع.
وترأس تلك المنظمة شخص يُدعى يوسف هيشت، وضع برنامج تدريب عسكرياً شاملاً للمتطوعين، وأنشأ مصانع سرية للقنابل والمتفجرات، ونفذ أفرادها عملية اغتيال الدكتور جاكوب دي هان، يهودي عارض الحركة الصهيونية في القدس في 1924، وانتشر أفراد المنظمة حول العالم لضمان تدفق هجرة اليهود والتبرعات والأسلحة إلى فلسطين.
لم تقف بريطانيا متفرجة، بل درّبت وسلّحت وحدات الصاعقة “البلماح” التابعة “للهاجاناه” وأصبح تعدادها بالآلاف.
ارتكبت تلك الوحدات مجازر بحق القرى الفلسطينية وقمعت الثوار العرب في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، ولم يشفع ذلك للبريطانيين وانشقت عن المنظمة أجنحة أخرى أكثر تطرفاً مثل تنظيم “ليحي”، وتنظيم “إرغون” الذي كان رئيسه “مناحيم بيغن”، والذي أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي للفترة من 1977 – 1983.
بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 تقرر تحويل الهاجاناه إلى جيش نظامي للدولة، ومنها اشتق الجيش الاسرائيلي اسمه، وبدل منظمة الدفاع اصبح اسمه جيش الدفاع.
واعترافاً بفضل قادة المنظمات الصهيونية وأفرادها، تولوا المناصب العليا في الدولة الجديدة، مثل رؤساء الوزراء شمعون بيريز وإسحاق رابين ومناحيم بيغن، كما تولّى موشيه ديان لاحقاً قيادة الجيش الذي وُلد من رحم هذه الجماعة التي ارتكبت الفظائع.
ومنذ بداية عام 2023، قدم بنيامين نتنياهو وعداً خطيراً لحليفه في الحكومة، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، الذي كان يعتبر خطيراً جداً لدرجة أنه لم يتمكن حتى من الالتحاق بالجيش الإسرائيلي.
وعد نتنياهو لبن غفير هو الموافقة على إنشاء “الحرس الوطني”، أو الميليشيات التي يطالب بها بن غفير منذ تشكيل الحكومة. مع أن معظم المستوطنين في الأراضي المحتلة، وخاصة المتطرفين منهم يمتلكون السلاح والبنادق الهجومية.
بحسب تقديرات للجنة الأمن في الكنيست -نشرها موقع “شومريم” (المراقبين) الإسرائيلي مطلع يوليو/تموز الماضي- فإنه وحتى عام 2021 كان هناك 150 ألف قطعة سلاح بيد المستوطنين (700 ألف مستوطن بالضفة الغربية والقدس)، ومن المتوقع زيادتها 15 ألفاً في عام 2023، لتصبح 165 ألفاً أو أكثر.
وينتشر المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة، وينفذون هجمات جماعية اعتبرها حتى المسؤولون الإسرائيليون “مذابح”. الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في التاريخ.
6- الاستقطاب ونشر الكراهية
لتنفيذ تلك الجرائم لا بد من حشد الرأي العام لكراهية الطرف الآخر ونشر البروباغندا التي تشوه صورته وتبرر القيام بإبادة جماعية.
بعد عملية طوفان الأقصى (7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 م) نشر مشاهير من المؤيدين للرواية الإسرائيلية صورة وادعوا أنها لطفل إسرائيلي قتله عناصر من حماس، ليتضح أن الصورة الأصلية هي لكلب صغير وتم تعديلها بالذكاء الاصطناعي.
رواية أخرى مزيفة تم تداولها عن مقتل 40 طفلاً إسرائيلياً رددها حتى الرئيس الأمريكي جو بايدن ليتراجع البيت الأبيض عنها لعدم وجود أي دليل على صحتها لكن لا يزال مؤيدو إسرائيل يرددونها وحتى بعض الإعلام الغربي.
وسيلة أخرى من وسائل الدعاية الإسرائيلية هي “اللجان الإلكترونية” والحسابات الوهمية الناطقة بلغات مختلفة لتبرير الحرب الوحشية التي شنتها ضد سكان غزة بادعاء تلك الحسابات أنهم مواطنون عرب يقفون مع إسرائيل ويهاجمون المقاومة الفلسطينية.
7- الإعداد والتحضير والتبرير وتغيير المصطلحات
غالبا ما يقوم الجناة بالتبرير وتغيير المصطلحات لإخفاء النوايا الحقيقية للعمليات الإجرامية التي يريدون تنفيذها. مثل استخدام عبارات “لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها” أو “قص العشب”.
على مدى العقدين الماضيين. ووقعت هجمات كبرى في الأعوام 2006 و2008 و2010 و2012 و2014 و2018 و2021، كل عامين تقريباً.
حيث اتبعت إسرائيل استراتيجية تسميها “قص العشب”، وهي عبارة تستخدمها لوصف القصف الدوري للفلسطينيين في المنطقة لإبعاد المقاومة المسلحة. ولكن في كل مرة تقول إسرائيل إنها ستقوم بإضعاف وتدمير قدرات المقاومين في غزة، سرعان ما يثبت هؤلاء أنهم قادرون على توسيع وزيادة قدراتهم.
8- الاضطهاد والعزل
غالباً ما يتم عزل الضحايا في كانتونات، أو مناطق وأحياء معزولة لتسهيل تجويعهم واضطهادهم ومنعهم من الهرب، وأحياناً كثيرة مصادرة الممتلكات.
منذ سنة 1948 وما بعدها ارتكبت المنظمات الصهيونية مثل “الهاجاناه” و”أرغون” بارتكاب المذابح بحق الفلسطينيين وتسببت بنزوح بعض الناجين إلى الدول مجاورة أو نزوحهم داخل فلسطين.
وفي عام 1950 أصدرت الحكومة الاسرائيلية قانون أملاك الغائبين وبموجبه تم الاستيلاء على أراضي وممتلكات الفلسطينيين وتمليكها للمستوطنين، بموجب هذا القانون تمت سرقة أملاك الفلسطينيين والاستيلاء على أكثر من 300 قرية وبلدة فلسطين تزيد مساحتها عن 3 ملايين دونم، وأكثر من 57 ألف مسكن، و10 آلاف محل تجاري أو صناعي، وأكثر من ربع مليون دونم.
وفي غزة يمثل الجدار الفاصل أحد أدوات الفصل العنصري لاحتجاز الفلسطينيين في منطقة معزولة، الأمر الذي يسهل استهدافهم بالطائرات والمدفعية والأسلحة الثقيلة، وقطع المياه والغذاء والتحكم في كل ما يدخل إلى القطاع.
وفرض عقوبات جماعية واسعة النطاق على قطاع غزة. وقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود، وحملات القصف العنيفة، التي انطلق آخرها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأسفر عن استشهاد ما يقرب من 4 آلاف شخص حتى الآن، غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء.
9- تنفيذ الإبادة
بعد تحضير المسرح لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية، يبدأ التنفيذ من قتل وحشي وممنهج، وهو ما تقوم به إسرائيل منذ سنوات بحق الفلسطينيين.
يقول البروفيسور اللبناني عدنان السيد حسين، وهو دكتور في العلوم السياسية والنزاعات الدولية، إن “جرائم الحرب يمكن أن يرتكبها الجيش النظامي التابع لأي دولة من خلال قصف المدنيين وضرب المنشآت المدنية أثناء الحرب وأي نزاعٍ مسلّح”.
وفي حديثٍ إلى “عربي بوست”، يُشير السيد حسين إلى أن مصطلح “جريمة حرب” يتقاطع مع مفهوم “الإبادة الجماعية” و”الجرائم ضد الإنسانية”، وأن جميع هذه المصطلحات مذكورة بوضوح في اتفاقية جنيف.
بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية جنيف 1949، وفي البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، الأمر واضح: الاستهداف المتعمد للمدنيين محظور.
ويُشير حسين إلى أن هناك ملفات فلسطينية منذ عام 2014، موثقة في هذه المحكمة، عن العدوان الإسرائيلي على المدنيين، وإقفال مرافئ ومطار غزة. ووفقاً له، فإن ما يحصل في غزة اليوم ليس جريمة حرب وحسب، بل محاولة إبادة جماعية وإبادة شعبٍ بالكامل.
10 – الإنكار والتنصّل من المسؤولية
بعد ارتكاب أي جريمة من الجرائم السابقة يقوم مرتكبوها بالتنصل من المسؤولية وإنكار ارتكاب أي جريمة منها.
في كذبة مثيرة للسخرية ادّعت إسرائيل، ومعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن الهجوم على المستشفى المعمداني بغزة الذي أدى لاستشهاد نحو 500 فلسطيني، هو نتيجة هجوم بالخطأ للمقاومة، لتنضم هذه الواقعة لتاريخ طويل من أكاذيب إسرائيل بشأن المذابح التي ارتكبها بحق العرب، وهي أكاذيب بدأت منذ القدم تقوم على نهج دعائي مدروس له جذور طويلة الأمد في الحضارة الغربية.