تعتبر مدينة خان يونس، واحدة من بين مدن قطاع غزة التي ودّعت مئات من أبنائها، من بينهم أطفال ونساء، راحوا شهداء ضحية الغارات الإسرائيلية المستمرة على كامل القطاع، بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نظمتها “حماس” ضد الاحتلال يوم 7 أكتوبر 2023.
وتقع خان يونس جنوب قطاع غزة، على بُعد حوالي 25 كيلومتراً من مدينة غزة، فيما يحدها من الجنوب مدينة رفح، والشمال مدينة دير البلح، وهي مركز المحافظة التي تحمل نفس الاسم، وتبلغ مساحتها 54 كيلومتراً مربعاً، الشيء الذي يجعلها ثاني أكبر مدينة في فلسطين بعد غزة.
يعيش في مدينة خان يونس أكبر عدد من السكان في كل فلسطين، إذ يبلغ عددهم حسب آخر إحصائيات، ما يزيد على 451,000 نسمة، أكثر من 200 ألف شخص، منهم من لاجئي فلسطين، إذ يشكلون 16% من سكان قطاع غزة كاملاً.
هكذا أسس المماليك مدينة خان يونس
قبل تأسيس خان يونس، وحسب بعض الآثار التي تم العثور عليها في موقع المدينة، تعود أقدم حضارة تعاقبت على تلك المنطقة إلى العصر البرونزي، حيث تم العثور على بقايا مستوطنات وقبور وأدوات من هذه الفترة.
فيما تشير بعض المصادر إلى أن خان يونس كانت موقع مدينة قديمة تدعى تل الفارعة، التي ذكرها المؤرخ الروماني بطليموس في القرن الثاني الميلادي.
لكن المنطقة عرفت تطوراً وازدهاراً بعد ذلك، خلال العصور الإسلامية، وتعاقبت الخلافات الإسلامية المختلفة عليها، منها الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية، وصولاً إلى المماليك.
فقد كانت هذه المنطقة تابعة لولاية فلسطين الكبرى، وكانت مشهورة بإنتاج سكانها لكل من الصابون والزجاج والحرير.
إلا أن تاريخ تأسيس المدينة، باسمها الحالي، يعود للقرن الرابع عشر، وبالضبط سنة 1387، على يد المماليك، وذلك بعد أن قام الأمير يونس التوروزي الدوادار، ببناء قصر على شكل نزل أو فندق، كان يسمى حينها “خان”، وأطلق عليها اسمه.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
إذ كان المسافرون إلى بلاد الشام من التجار والحجاج يتخذون الخان مكاناً لأخذ قسط من الراحة قبل استكمال طريقهم إلى وجهتهم النهائية.
وقد أصبح للخان دور مهم في عصر المماليك، حينما ازدهرت حركة التجارة العالمية في المشرق العربي، فكان مجهزاً بكل أدوات الراحة، وإراحة المواشي، وكذلك للتزود بالمؤن والماء قبل استكمال الطريق.
لكن بعد أن أصبحت فلسطين تحت الحكم العثماني، بدأت الخانات تندثر، وتحل محلها الفنادق ذات الطابع العصري آنذاك، إلا أن مدينة خان يونس احتفظت باسمها المستوحى من النشاط الذي اشتهرت به، والشخص الذي كان له الفضل في ازدهار النشاط في تلك المنطقة.
التاريخ الحديث لمدينة خان يونس
عرفت مدينة خان يونس العديد من التغييرات خلال فترة التاريخ الحديث، وذلك ابتداء من سنة 1516، بعد أن انتصر العثمانيون على المماليك انتصارهم الثاني، وأصبحت فلسطين تحت حكمهم، بقيادة السلطان سليم الأول.
وقد كان تقسيم خان يونس خلال فترة الحكم العثماني مختلفاً، وذلك حسب الولايات التي اعتمدها العثمانيون حينها، إذ كانت تابعة لقضاء غزة، وذلك إلى نهاية الحرب العالمية الأولى.
ولكن بعد سقوط الدولة العثمانية، وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، تم تأسيس أول مجلس بلدي لمدينة خان يونس، وكان تشكيله بقرار من المندوب السامي، فيما تم تشييد أكبر مساجد المدينة، وهو المسجد الكبير سنة 1928.
بعد النكبة سنة 1948، التي أدت إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية، واستيطان المحتل نسبة كبيرة من المدن، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم، تمت إضافة خان يونس إلى الجهة الفلسطينية التي تنتمي إلى قطاع غزة، والتي كانت تحت الإدارة المصرية إلى سنة 1967.
وقد استقبلت المدينة عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين، الذين أقاموا في مخيمات، كان من المفترض أن تكون مؤقتة، لكنها أصبحت دائمة، بعد توسع الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
في عام 1967، خلال حرب الأيام الستة، احتلت إسرائيل قطاع غزة كاملاً، والضفة الغربية، والجولان في سوريا، وشبه جزيرة سيناء في مصر.
وقد كانت مدينة خان يونس من بين مدن قطاع غزة التي تعرضت للحصار خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، إذ حاول المستعمر تغيير هوية المدينة، وتهجير سكانها، وإخضاعهم لقوانينهم، إلا أنها شهدت عدة موجات من المقاومة التي كانت رافضة لأي عملية إخضاع أو تهجير.
ومن أبرز عمليات المقاومة التي شارك فيها أهالي مدينة خان يونس، انتفاضة الحجارة في عام 1987، وانتفاضة الأقصى في عام 2000، وحرب غزة في عام 2008.
وبالرغم من انسحاب دولة الاحتلال من قطاع غزة سنة 2005، بشكل أحادي، لكنها استمرت في فرض حصار بري وبحري وجوي على القطاع، مما جعل مدينة خان يونس تتأثر بهذا الحصار مثل جميع مدن القطاع، ويكون المنفذ الوحيد لها للعالم هو معبر رفح، الموجود على الحدود المصرية.
خان يونس.. القلب النابض لقطاع غزة
تصنف مدينة خان يونس على أنها ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة، بمساحة لا تزيد على 54 كيلومتراً مربعاً، كما أنها المدينة التي يعيش فيها أكبر عدد من المواطنين في كل فلسطينيين، مما يجعلها مكتظة بالسكان، إذ يمكن أن يعيش ما يزيد على 90 شخصاً في منزل واحد فقط.
وتعتبر هذه المدينة مركزاً مهماً لقطاع غزة، فهي التي تتوفر على أكبر مخزون من المياه، والأراضي الزراعية المختلفة، وبالتالي فهي ذات دور اقتصادي مهم جداً.
إذ تتميز المدينة بالمجمعات التجارية، وسوق الأربعاء الأسبوعي الذي يزوره أهالي القطاع من أجل شراء حاجياتهم الأساسية.
كما أن المدينة بها واحد من بين أقدم بنوك قطاع غزة كاملاً، وهناك يتم تسليم الأموال أو إرسالها من طرف الأهالي لذويهم خارج فلسطين.
وتشتهر بعض المجالات التجارية البسيطة في المدينة التي لا تحتاج لرؤوس أموال كبرى، مثل المخابز، والحلويات، وغزل الصوف، والحدادة.
في المدينة العديد من المرافق الأساسية التي توفر خدمات لسكان المدينة والقرى المجاورة، من بينها المدارس، والمستشفيات، والإدارات.
ومن بين أبرز المستشفيات التي بُنيت في مدينة خان يونس كل من مستشفى ناصر، المستشفى الأوروبي، ومستشفى الأمل، ومستشفى ناصر.
أما بالنسبة للتعليم، فهناك العديد من المدارس الابتدائية، والجامعات في المدينة، من بينها كلية العلوم والتكنولوجيا، والجامعة الإسلامية خان يونس، وجامعة القدس المفتوحة، وجامعة الأقصى.
وفي سياق آخر، تتوفر خان يونس على مدينة إنتاجية كاملة للإعلام، تم إنشاؤها مكان المستوطنات التي كان قد أخلاها الاحتلال سنة 2005.
وقد أصبحت هذه المدينة الإعلامية وجهة سياحية شهيرة في قطاع غزة، وذلك لتوفرها على عدة مرافق ترفيهية، من بينها المطاعم، والمساحات الخضراء.