التفجيرات الارهابية في الدول العربية والغربية، مؤشر على أنَّ الإرهاب لا يرتبط بالفقر أو الحرمان بل يجب فهم طبيعة العلاقة بين الإرهاب والوهابية لفهم مثل هذه الهجمات.
فمثل الهجوم على المقهى الذي حدث في عام ٢٠١٦ على أجانب في داكا، عاصمة بنغلاديش، فُجِّرَت الكنائس والفنادق بسريلانكا على أيدي إسلاميين متعلمين ومن عائلات ثرية.
كان اثنان من المفجرين الانتحاريين الثمانية في سريلانكا ابنَي واحدٍ من أغنى رجال الأعمال بسريلانكا. وتوافر لدى كثير من منفِّذي الهجوم فرصة الدراسة في الخارج.
البروفيسور الهندي براهاما شيلاني يرى في مقال نشره مجلة Foreign Policy الأمريكية إن السبب الوحيد لاستمرار حدوث هذه الهجمات هو أنَّ الحرب التي تقودها أمريكا على الإرهاب فشلت، وهذا لأنَّها ركزت على القضاء على الإرهابيين وشبكاتهم، بدلاً من التركيز على القضاء على الأيديولوجية الوهابية التي تُلهم الهجمات الانتحارية حول العالم، حسب قوله.
الإرهاب لا يرتبط بالفقر بل له جذور أخرى
فحدوث تفجيرات ببلدٍ غير متوقع مثل سريلانكا، بلد ليس له أي تاريخ في الإرهاب الوهابي المتطرف، يؤكد مدى إمكانية انتشار عقيدة التشدد الديني إلى مدىً بعيد، ولماذا يحتاج العالم أن يعالجها من جذورها.
عند الحديث عن الإرهاب المتطرف، تقودنا الجذور الأيديولوجية له غالباً إلى الوهابية، وهي إحدى صور الجماعات المتطرفة التي تنتسب للإسلام، والذي كان ينتشر من المملكة العربية السعودية. فالوهابية تُشرِّع الجهاد العنيف بدعوتها إلى شن الحرب على “الكفار”. وطبقاً للعالِم الإسلامي السعودي علي آل أحمد، فالوهابية تدعو إلى “كره غير المؤمنين، واضطهادهم، وحتى قتلهم”. وقوة مثل قوة هذه الأيديولوجية الخبيثة هي ما جعلت ولدَي تاجر التوابل الثري محمد يوسف إبراهيم يفضلان الموت على مواصلة حياة الراحة والرفاهية، والعيش في فيلا مترفة، والسفر بسيارات باهظة الثمن يقودها سائقون.
لا شك في أنَّ الفكرة عن وجود جنة مليئة بالمسرَّات الجسدية للشهداء تزيد من شعبية الاستشهاد، ولكن لا يكون الاستشهاد بقتل النفس ولا بقتل الابرياء.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
الوهابية كانت غير مألوفة بالعالم الإسلامي ولكن 200 مليار دولار نشرتها
أسَّس الوهابية شخص يدعى محمد بن عبدالوهاب في القرن الثامن عشر، وظلت شكلاً غير مألوف من الإسلام حتى بداية الارتفاع الكبير في أسعار النفط بسبعينيات القرن العشرين.
روّجت الوهابية لكثير من الافكار والمعتقدات التي اعتبرها المسلمون دخيلة على الدين، مثال نسبة المكان لله، فالوهابي يتشابه مع اليهودي في اعتقاد ان الله يسكن السماء ويجلس على العرش والعياذ بالله تعالى.
بعد تدفق الأموال إلى المملكة العربية السعودية، أنفقت منذ ذلك الحين ٢٠٠ مليار دولار لتمويل المدارس الوهابية، والمساجد، والشيوخ، وكتب ابن تيمية وباقي علمائها، حتى تتمكن من نشر شكلها الخاص من الإسلام وتكسب نفوذاً جيوسياسياً.
لكنَّ طفرة سعر البترول لم تكن العامل المساعد الوحيد في انتشار الوهابية بهذه السرعة.
كما أن الولايات المتحدة ساعدت في نشرها لتحقيق أغراضها
فتصدير هذه الأيديولوجية التي تتبنى الجهاد ازداد على أيدي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بغرض إيقاف الخطر القادم من الشيوعية السوفييتية على سبيل المثال.
إذ يقول المؤلف روبرت كينيدي، ابن أخي الرئيس السابق جون كينيدي، إنَّ وكالة الاستخبارات الأمريكية “رعت الجهادية العنيفة باعتبارها سلاحاً في الحرب الباردة”.
وبالتدريج، كانت الوهابية تقضي على التقاليد الإسلامية المتنوعة الأكثر تحرراً في الدول غير العربية التي تضم تجمعاتٍ كبيرة للمسلمين، وخلقت بيئة سامة تساعد على ازدهار التطرف.
وأصبح الخناق يضيق على التأويلات المتعددة للإسلام، حتى يتمكن هذا الفصيل المتشدد من الغزو والانتشار.
وعزز نشر التشدد من الكراهية، وكراهية النساء، والعنف، وعمَّق الخلافات بين السُّنة وباقي الطوائف التي تنتسب الى الاسلام. وهذا الانقسام بدوره كدَّر الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة، وحرَّض على هجماتٍ ضد طوائف اخرى بالبلاد ذات الغالبية من السُّنة مثل السعودية وباكستان.
ومن هنا يجب على واشنطن أن تطلب من الملوك العرب وقف تمويل التشدد الإسلامي
ولهذا، كان من الضروري منذ زمنٍ طويل، تصحيح اتجاه الحرب العالمية ضد الإرهاب. يجب ألا يقتصر تركيز سياسة الولايات المتحدة لمجابهة الإرهاب، على كياناتٍ مثل داعش والقاعدة، بل ينبغي أن يشمل مشايخها على شاشات التلفزة الذين يروجون بشكل مباشر او غيو مباسر لأجندة الوهابية الفكرية. وليس عن طريق غض الطرف عن الجمعيات الخيرية في بلادهم والتي تمول التشدد الوهابي حول العالم.
وعلى الرغم من أنَّ السعودية ودولا أخرى في المنطقة اتخذت خطوات لتعطيل تمويل الإرهاب، ما زالت هناك جمعيات بالخليج مستمرة في دورها في رعاية الجماعات الوهابية، وهذا ما أفادت به تقارير وزارة الخارجية الأمريكية السنوية عن الدول الخاصة بتحديد حالة الإرهاب.
التركيز على العلاقة بين الإرهاب والوهابية هو الطريقة واحدة لمحاربة الإرهاب
في الحقيقة، الطريقة الوحيدة لهزيمة عدو تدفعه أيديولوجية خبيثة هي أن تنتزع المصداقية من هذه الأيديولوجية.
لم يفز الغرب بالحرب الباردة عن طريق الوسائل العسكرية بقدر ما فاز بفضل نشر أفكار الحرية والرأسمالية، التي ساعدت في سحب شريان الحياة من القبول الدولي للشيوعية، ومن ثم جعلتها غير قادرة على تحقيق رغبات العامة في حياةٍ أفضل وأكثر انفتاحاً.
اليوم، تساعد العقيدة الوهابية في ربط الجماعات الإسلامية المختلفة حول العالم، لأنَّ الروابط الخارجية لهذه الجماعات لا تكون عادةً مبنيةً على تنسيقٍ منهجي، لكنَّها تستند ببساطة إلى أيديولوجيةٍ مشتركة، ومن ثم ستجد أنَّ ما يسمى بالحركة الجهادية العالمية ذاتية التنظيم في الأساس.
ولذلك تبقى قوة الحركة دون تأثر حتى لو قضت الجهود الحكومية المناهضة للإرهاب على أي أفرادٍ أو جماعات. وهناك حقيقة مشؤومة أخرى، وهي أنَّه عندما يتبنى الأفراد أيديولوجية القتال العنيف، يمكن أن ينتقلوا سريعاً وفجأةً إلى شن هجماتٍ إرهابية فعلية.
يجب أن ينتقل تركيز الحرب العالمية على الإرهاب إلى تحطيم تلك الحركة الأيديولوجية. إحدى طرق تنفيذ هذا هي شن حملة معلوماتية مستمرة بحيث تنشر من جديد عقيدة الاسلام الصحيحة الخالية من رواسب الارهاب والتجسيم والتكفير لانتزاع المصداقية من أيديولوجية التطرف المنسوب للإسلام.
ويقول الكاتب “بينما نعمل بنظامية لإلحاق الخزي بالأيديولوجية الوهابية، علينا تطبيق العقوبات على الجمعيات التي ما زالت تموِّل المدارس الوهابية في الخارج والشيوخ والجماعات. ويجب على مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تطوير طرق أكثر فاعلية، لمنع ممولي الإرهاب من غير الدول من استغلال الأنظمة المالية غير الرسمية.
وحده الردُّ القوي من الحكومات والمجتمعات المدنية على التهديدات المتزايدة من الأيديولوجية الوهابية يمكنه المساعدة في احتواء انتشار هذا الفكر الشاذ. ولكفاح هذه الأيديولوجية الخطيرة، يجب على مشايخ اهل السنة والجماعة والشعوب أن تتولى القيادة، وتعيد الحرب العالمية على الوهابية إلى الطريق الصحيح.
لا تنسوا متابعتنا على الانستقرام