دولة الجماعة في قرطبة.. حين حكمت «الشورى» أبرز دويلات الأندلس
أصل الكارثة.. فتِّش عن الاستبداد السياسي
كان الداء الرئيس الذي حمل بذور الفتنة ومن ثمَّ الهلاك للأندلس، ولمعظم الممالك الإسلامية، هو داء الاستبداد السياسي وطغيان السلاطين، وتوريث المُلك لمن لا يستحق من ولاة العهد.
حكومة الشوري تتحول للحكم المطلق.. مصير قرطبة بعد وفاة ابن جهور
ضعفت مكانة قرطبة تدريجيًّا بعد وفاة القاضي أبي الحزم بن جهْوَر عام 435هـ (1044م)، والذي كان في سنوات صدارته الأخيرة قد تحوَّل تدريجيًّا إلى ما يشبه الحاكم المطلق في قرطبة؛ إذ أخذ نفوذ باقي أفراد حكومة الجماعة في الانزواء إلى الظل، لا سيَّما مع تزايد الثقة في أداء القاضي ابن جهور في المواقف الفاصلة، ولذا لم يكن غريبًا أن يحل محلَّ القاضي الفقيد ابنُه أبو الوليد محمد بن جهوَر، وليس أحد أشياخ الجماعة، رغم الفارق في القدرات بينَه وبين أبيه.
حاول أبو الوليد في سنواته الأولى أن يسير على سُنَّة أبيه، وأظهر العدل والشورى، لكن كان ينقصه الكثير من كفاءة أبيه ودهائه، لا سيَّما في الشؤون الخارجية.
ثم ما لبث أن خرج على سياسة أبيه في إظهار التواضع، وأخذ البيعة لابنه عبد الملك من بعده، والذي كان أضعف من أبيه وجده، وامتلأ بلاط قرطبة بالفاسدين وأصحاب المطامع، وابتعد عنه أهل الكفاءة والإتقان، فبدأت الأمور في التدهور تدريجيًّا
تفاقمت مطامع ملوك الطوائف الأقوياء في انتزاع قرطبة، لا سيَّما دويلة بني ذي النون في طليْطلة، ودولة بني عباد في إشبيلية، والتي كانت أقوى ممالك الطوائف، وكذلك بنو زيري في غرناطة
كانت كل دولةٍ من تلك الثلاثة تريد أن تزيَّن عقد حواضرها بالجوهرة التي كانت إلى حينٍ قريب، واسطةَ عقد الأندلس جمعاء، وبالطبع الاستفادة من القيمة الاقتصادية والمعنوية لضم تلك المدينة الفريدة، رغم أيامها الباهتة حينئذٍ
ثم كانت الطامة عندما تنازع ولدا أبي الوليد بن جهور على السلطة، وهما عبد الملك الأثير عند أبيه، وعبد الرحمن الأكبر سنًّا، لا سيَّما وقد مرض أبوهما مرضًا أقعده، فاضطر إلى تقسيم الصلاحيات بينهما، فكان الجيش من نصيب عبد الملك، الذي تقارب مع بني عباد ملوك إشبيلية، الذين حرَّضوه على أخيه، فنكبه وسجنه، واستبدَّ بالأمر في قرطبة، التي اضطربت أحوالها، وتهاوت شعبية بني جهور بين أهلها.
عام 461هـ، غزا بنو ذي النون حكام طليطلة إمارة قرطبة، مستغلين الضعف الذي نال منها، فاستنجد عبد الملك بن جهور بالمعتمد بن عباد ملك إشبيلية، والذي لم يتردد في إرسال جيشٍ كبير، انسحب جيش طليطلة عندما تسامع بحشوده، لكن بدلًا من عودة الحلفاء إلى إشبيلية، فإنهم باغتوا قرطبة واستولوا عليها، ونفوْا بني جهور إلى جزيرة بعيدة نائية، بما فيهم كبيرهم أبو الوليد بن جهور القعيد، الذي مات كمدًا في منفاه بعد أسابيع قليلة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ظلت قرطبة في ملك العبَّاديين أكثر من 20 عامًا، حتى انتزعها منهم – للمفارقة – المرابطون القادمون من المغرب، والذين استنجدَ بهم ملوك الأندلس، وعلى رأسهم المعتمد بن عباد، تحت وطأة الغزوة الكاسحة التي شنَّها ألفونسو السادس أقوى ملوك إسبانيا المسيحية، وانتزع بها طليطلة بعد أربعة قرون من الفتح، وأوشك أن ينتزع الأندلس كاملة. ولكن لهذا قصة أخرى.