رؤيته في اليقظة
يفتح لمن رآه، ومن رأى من رآه، ومن رأى من رأى من رآه
عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على النّاس زمان يبعث منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرّجل فيفتح لهم به، ثمّ يبعث البعث الثّاني، فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فيفتح لهم به، ثمّ يبعث البعث الثّالث، فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ ثمّ يكون البعث الرّابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرّجل فيفتح لهم به»
وعند البخاري عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي زمان يغزو فئام من النّاس فيقال: فيكم من صحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح عليه، ثمّ يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح، ثمّ يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب صاحب أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيقال: نعم، فيفتح لهم»
هذا الحديث يبين بجلاء- لمن تدبره وتمعن فيه- المكانة العالية الرفيعة للنبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، والتي لم ولن يصل إليها أحد من الأولين والآخرين، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، فالحديث يخبر أن طائفة من المؤمنين- بعد النبي صلى الله عليه وسلم- تغزو في سبيل الله، فيسألون هل فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإذا وجد فيهم صحابي واحد يفتح لهم ويغلبون عدوهم- بإذن الله- وهكذا يتكرر الأمر في عصر التابعين، وعصر تابعي التابعين، هكذا في رواية البخاري، أما رواية مسلم فأثبتت عصرا رابعا، وأسأل الله عز وجل أن يمكنني من إظهار بعض هذا الفضل الذي خصّ به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
عظيم بركة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته ويتضح ذلك من
أ- الفتح والنصر يكون لوجود أحد رأى أو صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت هذه الصحبة للحظة واحدة أو تحققت الرؤية لفترة قصيرة ولم يحدث فيها سلام أو كلام، ودليله أن المنادي لم يشترط فترة معينة للرؤية أو الصحبة، فدل ذلك أن هذا الفتح يحدث لمن كان له أدنى رؤية أو صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم فتدبر
ب- لم تقتصر بركة الرؤية والفتح لمجرد الصحبة على عصر الصحابة بل امتد ذلك إلى ثلاثة عصور، أي أن فضل النبي صلى الله عليه وسلم قد امتد، وبركته قد انتقلت من عصر إلى عصر، فمن عظيم بركته صلى الله عليه وسلم أن من رآه من عصر الصحابة تكون له بركة تنفع- بإذن الله- من يراه في عصر التابعين وهكذا. وتدبّر أخي القارئ قوله صلى الله عليه وسلم على لسان المنادي: «هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟»
يتفرع على هذا حض الناس- في القرون المفضلة- في سائر الأمصار على رؤية الصحابة والتابعين وتابعيهم والحرص على ملازمتهم والأخذ عنهم والجهاد معهم.
ج- بيان أن الصحبة وحدها مجردة لا يعدلها شيء أبدا من الطاعات الكبيرة والقربات الكثيرة، ودليله أن المنادي لا يسأل عن عبّاد لهم طاعات معينة أو قربات مخصوصة يستحقون عليها الفتح، ولكن يسأل فقط عمّن رأى أو صحب، فهذه الخصلة تكفي عما سواها، مع ملاحظة أنه قد يكون من الناس في الغزو من له من الطاعات والقربات أكثر ممن له مجرد الرؤية، ولكن كما قلنا: الرؤية لا يعدلها شيء، فتقدّم على كل شيء
رؤيته في المنام
عن أبي هريرة قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثّل الشّيطان بي» «1» . قال أبو عبد الله: قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته
قوله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» ، وعند الشيخين أيضا: «من رآني فقد رأى الحق»
أولا: بعض أقوال العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة»
قال الإمام ابن حجر- رحمه الله- ما نصه: «والحاصل من الأجوبة ستة
أحدهما: أنه على التشبيه والتمثيل، ودل عليه قوله في الرواية الآخرى: «فكأنما رآني في اليقظة»
ثانيها: أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
ثالثهما: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه
رابعها: أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك وهذا من أبعد المحال
خامسا: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية، لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام
سادسا: أنه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه، وفيه ما تقدم من الإشكال» . انتهى
ويقصد الإمام ابن حجر بالإشكال الوارد على الرأي السادس، ما قاله في موضع آخر
«ويعكر عليه أن جمعا جمّا رأوه صلى الله عليه وسلم في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يختلف»
وأعتقد- والله أعلم- أن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني» «رواه البخاري، كتاب: التعبير، باب: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام» . أنها رؤية حقيقية كرؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة سواء بسواء؛ وذلك لأن الأصل هو عدم التأويل
في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم
1- رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام لا تستوي مع رؤية غيره من البشر، حيث ذكر الإمام ابن حجر أن الشيخين رويا: «فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي» «2» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي» «3» . أما غيره صلى الله عليه وسلم فقد يتمثل به الشيطان في المنام
2- رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام تنطوي على بشرى عظيمة، وهي رؤيته في اليقظة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» «4» ولا شك أنها من المبشرات العظيمة التي تفرح القلوب وتثلج الصدور، كما أنها مبشرة ببشرى أخرى لازمة وهي دخول الجنة، حيث لا مكان لرؤيته صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى إلا في الجنة
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website