استطلاع حديث للرأي ذهبت نتائجه إلى أن نصف سكان الشرق الأوسط وإيران باتوا يبتعدون عن التدين ويعرّفون أنفسهم على أنهم غير متدينين. تزامنًا مع عدم استجابة حكومات المنطقة لمطالب إصلاح المؤسسات الدينية.
الدين موضوع يتّسم بحساسية شديدة في منطقة الشرق الأوسط وإيران حيث تعيش غالبية مسلمة تتراوح نسبتها ما بين ٦٠ بالمئة من السكان، كالحال في لبنان، وما يقرب عن ١٠٠ بالمئة من السكان في الأردن والسعودية وإيران على سبيل المثال.
ولأن المؤسسات الدينية أصبحت كيانات رسمية تابعة للدولة هناك، تلعب الحكومات دورًا رئيسيًّا في الحياة الدينية من خلال التحكم غالبًا في عادات الصلاة ووسائل الإعلام والمناهج التعليمية. إلا أن العديد من استطلاعات الرأي الشاملة التي تمّ إجراؤها حديثًا في دول الشرق الأوسط وإيران وصلت تقريبًا لنتيجة حول انتشار الأفكار العلمانية وارتفاع دعوات لإصلاح المؤسسات الدينية ذات الطابع السياسي.
لبنان تفقد تدينها؟
بتسجيل ٢٥ ألف مقابلة في لبنان، تمّ إجراؤها بواسطة “الباروميتر العربي” وهي واحدة من أكبر شبكات إجراء الاستطلاعات بالمنطقة بالتعاون بين جامعتي برينستون وميشيغان، تمّ التوصل لنتيجة مفادها أن “التدين الفردي انخفض بحوالي ٤٣ بالمئة خلال العقد الماضي، بما يشير إلى أن أقل من ربع السكان يعرِّفون أنفسهم الآن بأنهم متدينون”.
يرى مراقبون أن من أسباب هذا الأمر هو الاختلاط بين المسلمين وغيرهم من الديانات بحيث تأثّر الشباب بعادات وتقاليد جديدة وبغياب كبير للإرشاد الديني. بالإضافة إلى ذلك، على وجه الخصوص عند أهل السنة، نرى أحزابًا و تيارات إسلاميةً متعددةً متخاصمةً ومتنافرة. ومع دخول التشدد البغيض إلى منطقة الشرق الأوسط عبر الديانة الوهابية وانتشار أفكار ابن تيمية، ابتعد الكثير عن الدين لعدم اقتناعهم بهذه الأفكار الدخيلة المتشددة، وهذا سببه عدم انشغال علماء الدين بالتحذير من هذه التيارات وكشف خطرها فتغلغلت هذه المعتقدات. هذا أدّى الى انقسام في ردود الفعل، فتَرى من هو رافضٌ لهؤلاء وسالكٌ لطريق الهوى وتَرى من هو رافضٌ وساكت وترى من زلّت قدمه فذهب في التطرّف. أما من حذّر.. فهم قلّة.
تجدر الإشارة إلى أنه في لبنان من الصعب جدًّا ألا تكون مرتبطًا رسميًّا بدين ما، إذ إن السجل المدني هناك يذكر طائفة كل مواطن لبناني في بطاقة الهوية. ولا يوجد ضمن الـ ١٨ من الاختيارات المتاحة فئة “دون ديانة”.
طلب إيراني بتغييرات دينية!
من جهتها، أجرت مجموعة التحليل وقياس التوجهات في إيران “جامعان” استطلاعًا لرأي ٤٠ ألف شخص للتعرف على توجهات الإيرانيين الدينية. وفي حديثه، يوضح تميمي عرب، المساعد بجامعة أوتراخت الهولندية والمشارك في إجراء الاستطلاع: “يمر المجتمع الإيراني بتحولات ضخمة، مثل زيادة التعلم بمعدل مذهل، وما تشهده الدولة من عملية تمدن هائلة، وتغييرات اقتصادية تؤثر على البناء التقليدي للأسرة، ونمو معدلات الدخول على الإنترنت بما يشبه دول الاتحاد الأوروبي، وانخفاض معدلات المواليد”.
وبالرغم من تصنيف ٩٩.٥ بالمئة من إجمالي السكان في إيران كأغلبية شيعية، وجدت “جامان” في استطلاعها أن ٧٨ بالمئة فقط من المشاركين يؤمنون بوجود الله وأن ٣٢ بالمئة منهم فقط يعرّفون أنفسهم كمسلمين شيعة. كما عرّف ٩ بالمئة من المستطلعة آرائهم بأنفسهم كملحدين، و٨ بالمئة كمنتمين للديانة الزراديشتية، و٧ بالمئة كروحانيين، و٦ بالمئة كمحايدين دينيًّا، و ٥ بالمئة كمسلمين سنة، وأخيرًا ٢٢ بالمئة عرّفوا أنفسهم ضمن مجموعات دينية أخرى، وفقًا لنتائج الاستطلاع.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
تراجع الدين؟
قام عالم الاجتماع وأستاذ العلوم السياسية الفخري بجامعة ميشيغان الأمريكية، ومؤلف كتاب “تراجع الدين المفاجئ”، رونالد إنغليهارت بتحليل استطلاعات للرأي مشابهة في أكثر من مئة دولة حول العالم، أجريت ما بين عام ١٩٨١ و٢٠٢٠، فخلص إلى أن التحول السريع نحو العلمانية ليس حكرًا على الشرق الأوسط. بينما يضيف تميمي عرب في هذا الشأن قائلًا: “الزيادة في من لا يعرّف نفسه ضمن دين معيّن لوحظ في الأغلبية المسلمة بدول مختلفة كالعراق وتونس والمغرب”.
يعزو مراقبون هذا التراجع في منطقتنا إلى دخول تيارات تنسب نفسها إلى السلام، بحيث إنها تزرع أفكارًا جديدة في المجتمعات، وإلى سكوت أهل العلم والمعرفة عن الوعظ والتحذير. فيقف الكثير من العوام الذين لا علم له بين مطرقتين، أولها المطرقة الوهابية التكفيرية المتمثلة بأفكار ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب التي تروّج لها أنظمة الخليج منذ عقود من الزمن. وثانيها، العلمانية التي تطرح نفسها بديلًا لهذا التشدد الديني المبالغ فيه والأفكار الدخيلة على المجتمعات.