لا شيء حقيقي، كل شيء مباح
هذه الجملة عندما تتوغل في معناها ستشعر بالقشعريرة من هذا المنطق المرعب، والذي يجعل من كل الشرور أمراً طبيعياً، ويساوي بين الخير والشر، كان هذا المبدأ هو إحدى القواعد الأساسية التي أُسست وفقها حركة الحشاشين التاريخية الشهيرة.
بشكل خاص أحب الحديث عن التاريخ، فهو يجمع بين متعتين حقيقيتين، متعة الحكي ومتعة المعرفة، ففي استقراء التاريخ نتمتع بفن الرواية حيث الحكايات ومعرفة البشر وأخبارهم وسيرهم، ولكن كذلك نتمتع بالمعرفة والتعلم لنجمع الفضل من طرفيه؛ الاستماع والتعلم.
حركة الحشاشين واحدة من أهم حركات الاغتيال المتعللة والمتخفية خلف نوازع دينية، وقد احتلت الحركة العشرات والعشرات من الكتب والروايات والأعمال الفنية، بل وألعاب الكمبيوتر كذلك في العالم العربي والغربي أيضاً.
“الحشاشين” كلمة دخلت المعاجم الأجنبية
إن كلمة ASSASSIN تعني السفاح أو القاتل، وهي الترجمة السماعية للفظ حشاشين الذي يُنطق “أساسين” وفق الأذن الغربية، وهكذا يُعتقد أن اللفظة قد دخلت للمعاجم الأجنبية في إشارة إلى حركة الاغتيالات الشهيرة.
ولكن أصل تسمية الحشاشين اختُلف فيه كثيراً، ولكن ترجع معرفتنا به إلى المستكشف الإيطالي “ماركو بولو”، الذي ذكر في كتابه “رحلات ماركو بولو” كل ما عرفه عن الحشاشين بعد رحلته لبلاد فارس (إيران)، وكان من ضمن ما ذكره هو سيطرة مؤسس الحركة “الحسن الصباح” على اتباعه من رتبة “الفداوية”، باستخدام القنب الهندي، وهو النبات الذي يُستخلص منه الحشيش، وهكذا أصبح اسم الجماعة السرية “الحشاشين” وإن كانوا قد لقبوا ذاتهم باسم آخر عرف أيضاً عبر التاريخ وهو “النزارية”.
فلنحكِ عن الحشاشين
كان يا ما كان، في سالف العصر والأوان، بداية من القران الحادي عشر الميلادي، ثلاثة شباب طموحين، عاشوا فيما يعرف بدولة إيران الحالية، تلقوا تعليمهم في نيسابور، وتعاهدوا على الصداقة أبد الدهر، وأن يرفع الصديق صديقة ويؤازره.
الثلاثة عرفهم التاريخ جيداً، الوزير نظام الملك وزير السلطان ألب أرسَلان، ثم وزير السلطان ملك شاه أشهر ملوك السلاجقة الأتراك، والشاعر الشهير عُمر الخيام، ثم الحسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كان طموح الصباح بلا حدود، وهكذا عندما وصل صديقه نظام لمنصب الوزير طلب مساعدته، ثم بدأ تجاوزه محاولاً الصعود في المناصب متخطياً إياه، لينفيه نظام وتنشأ عداوة بين الاثنين، وهكذا هرب الصباح ليأتي إلى مصر.
في هذا الوقت كانت مصر فاطمية شيعية، يحكمها المستنصر بالله، وهو من أشهر الخلفاء الفاطميين، لا لعدله أو مهارته، ولكن لحدوث الشدة المستنصرية في عهده، حيث حلت المجاعة بالبلاد ومات العباد، ليستعين بوالي عكا آنذاك، بدر الجمالي، ليضبط الأمن في البلاد.
قد تتساءل ما علاقة هذا بالحسن الصباح؟
فعلاقته وطيدة، فالجمالي أصبح نفوذه يفوق نفوذ الخليفة ذاته، وهكذا حدث انشقاق في الآراء فيمن يخلف الخليفة من أولاده، كان الخليفة يميل إلى ابنه نزار، بينما الجمالي يفضل المستعلي، وهكذا عندما وصل الصباح لمصر في وسط هذا الخلاف أيّد رأي الخليفة ودعم نزار لخلافة أبيه، ولكن الجمالي وابنه الذي تولى الوزارة من بعده نجحا في أن يُثَبتا ملك المستعلي ويسجنا نزار، ليهرب الصباح عائداً إلى نيسابور، ليحتل بالحيلة واحدة من أشهر الحصون في التاريخ قلعة “آلموت” ويتخذها مقراً له.
وعندما مات نزار في سجنه، حمل الصباح مشعل الدعوة للنزارية، والبكاء على الإمام الأحق بالخلافة نزار بن المستنصر الذي سُجن وقُتل، لتعرف حركته بالنزارية وتتحول بعد ذلك على يد ماركو بولو إلى الحشاشين.
القنب الهندي وجيش من الغائبين عن الوعي
كما قلنا كان الصباح ذكياً، متطلعاً، عالماً وفيلسوفاً، وقد استغل كل ذلك للسيطرة على اتباعه، ولكن هذا النوع من السيطرة لا يمكن أن يتم بالمهارة الكلامية والإقناع فقط، لذا تقول العديد من المصادر إن الصباح لجأ للقنب الهندي، الذي لم يكن معروفاً في هذا العصر أو منتشراً، كان أحد أسرار الحركة النزارية، حيث يتعاطى القتلة من رتبة الفدائيين الحشيش ليكونوا شبه مسلوبي الإرادة، ليُنفذوا ما يُطلب منهم من عمليات اغتيال بشكل آلي ودقيق.
لم يكن الحشيش وسيلة السيطرة الوحيدة للصباح، فقد تكلمت العديد من الكتب والمراجع عن الجنة النزارية، حيث حديقة غناء مليئة بالحسان، وما لذ وطاب من الطعام والشراب، يدخل إليها المجند حديثاً في جيش الصباح بعد تعاطيه القنب ليتم إقناعه بكونه قد دخل الجنة، وأن هذه قدرة من قدرات الصباح، ليكتب له الصباح بعد ذلك صكاً لقصر في الجنة، يبقيه الفدائي معه، ليُقدم على الموت بلا خوف، حيث يعتقد في عودته بعد الموت إلى الجنة مرة أخرى إلى قصره الذي وهبه له الصباح.
وهكذا كان أعضاء الرتبة الفداوية في الحركة النزارية بلا قلب، لا يعرفون الخوف، فهم في اشتياق للموت والجنة، فكانوا من أشد فرق الاغتيالات في التاريخ.
قتلوا السنة والشيعة والمسيحيين أيضاً
لم يدخر الحشاشون جهداً في اكتساب سمعتهم المرعبة، عبر تناثر قتلاهم في كل مكان ومن كل الطوائف، فقد أرسل الصباح لقتل صديقه القديم نظام الملك ونجح في ذلك، كما قتل الحشاشون أمير حلب الشهير، عماد الدين زنكي، كما قتلوا أباه من قبله آق سنقر، كذلك فقد قتلوا كونراد ملك القدس، ويعتقد المؤرخون أن العملية قد تمت بعد الاتفاق مع ريتشارد قلب الأسد، الذي دفع للحشاشين مقابل اغتيال كونراد.
لم يكتفِ الحشاشون بذلك، بل وصلوا إلى حد اغتيال الخلفاء، ليغتالوا اثنين من الخلفاء العباسيين، وهما الخليفة المسترشد بالله، ثم ولده الخليفة الراشد، بل لم يسلم منهم حتى الخليفة الفاطمي، الآمر بأحكام الله، فقاموا باغتياله كذلك.
صلاح الدين الأيوبي كاد أن يكون من ضحايا الحشاشين
لم يسلم من الحشاشين أحد، وقد تمت محاولتان شهيرتان لاغتيال صلاح الدين الأيوبي، يعتقد المؤرخون أنهما كانتا بتحريض من الصالح إسماعيل، وهو أمر غريب، فالصالح هو حفيد عماد الدين زنكي، الذي اغتاله الحشاشون ليستعين هو بهم لاغتيال صلاح الدين، ولكن فشلت المحاولة الأولى وكادت تنجح الثانية، ليصاب صلاح الدين إصابة بسيطة، وتختلف الآراء بعد ذلك، فالبعض يذكر أن صلاح الدين أقام هدنة مع الحشاشين، والبعض يزعم أنهم قد توقفوا عن محاولة اغتياله من تلقاء أنفسهم.
هولاكو قاهر الحشاشين والظاهر بيبرس يقهر الاثنين
مرة أخرى يميل التاريخ لمفاجأتنا، فقد انتهت أسطورة الحشاشين لتسقط قلعة “آلموت” على يد جيوش هولاكو المغولي، وتنتهي أسطورتهم في بلاد فارس، في الوقت نفسه قد قضى الظاهر بيبرس بعد ذلك على الحشاشين في الشام، كما قضى مع السلطان سيف الدين قظز على جيوش هولاكو نفسه.
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته