في عام 1157 هجري (1744 ميلادي) وفي بلدة الدرعية شمالي العاصمة السعودية الرياض، أبرم محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى، و محمد بن عبد الوهاب تحالفاً سياسياً دينياً، اقتسم الاثنان بموجبه السلطة، حيث وفر بن سعود الحماية والدعم السياسي والعسكري للدعوة الوهابية الدينية الارهابية، بينما وفر بن عبد الوهاب وتياره الفكري الدعم الديني والثقافي للدولة السعودية.
جعل ذلك التحالف الوهابية والسياسة السعودية حليفين يتغذى كل منهما على الآخر لأكثر من ٢٥٠ عام، حتى بعد سقوط الدولة السعودية الأولى عام ١٨١٨ ونشوء الدولة السعودية الثانية والثالثة. إلا أن ذلك التحالف شهد انهياراً كبيراً مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة عام ٢٠١٧، محتفظاً بالحق الديني في الحكم ولكن مع تنحية الوهابية كإطار ديني وفكري لدولته جانبا.
ظهور التطرف الديني
عُرف عن محمد بن عبد الوهاب بتشدده الديني منذ بداية دعوته عام ١٧٤٠ في مدينة حُريملاء، شمال الرياض وذلك بعد وفاة والده، الذي كان رجل دين هو الآخر. إلا أن ذلك التشدد قوبل برفض من أهل تلك المدينة فانتقل إلى مسقط رأسه بمدينة العيينة، لتنتقل دعوته من الكلام إلى الفعل حيث قام هو واتباعه بهدم القباب المقامة على القبور والأضرحة وقطع الأشجار التي كان يتبرك بها أهل المدينة وما حولها وغيرها مع تكفير من يدعي إلى التبرك بقبور الأولياء والصالحين مخالفين بذلك اجماع اهل السنة والجماعة، وهو ما أعقبه طرده مرة أخرى من مسقط رأسه إلى مدينة الدرعية حيث قابل محمد بن سعود.
بعد وقوع ذلك التحالف، بدأ أتباع الاثنين في غزو المُدن والقرى لتأسيس الدولة السعودية الأولى، ذلك الغزو الذي يوصف بالدموي وخاصة فيما عُرف بغزوة كربلاء في العراق حيث تم قتل غالبية أهل المدينة في الشوارع والبيوت والاستيلاء على ممتلكاتهم وأمتعتهم وأموالهم ومواشيهم بدعوى أنهم من المشركين الذين لا حقوق لهم عند المسلمين الوحيدين في الجزيرة العربية والذين هم أتباع بن عبد الوهاب وبن سعود حسب دعوتهم. كما تم إتباع هذا النهج الدموي في مناطق أخرى حتى استطاعوا ضم مكة والمدينة إلى الدولة السعودية عام ١٨٠٥.
ما هي الوهابية؟
الوهابية هي شكلٌ متشدد ارهابي ينسب نفسه الى الإسلام السُني والذي يصر على التفسير الحرفي للقرآن. يؤمن أتباع الوهابية أنها جاءت لتنقية الدين الإسلامي من العادات والمظاهر الملتبسة بالشرك والكفر، وهو ما يوضحه عبد العزيز بن باز، مُفتي السعودية السابق وأحد أعلام الوهابية، والذي يرى بأن الوهابية تدعو إلى توحيد الله وإنكار التعلق بالقبور والأموات. كما انهم اعادوا احياء عقيدة اليهود في الجزيرة العربية بنسبة المكان والجهة لله تعالى.
كما عُرف عن الوهابية تشددهم في طاعة الحُكام والرؤساء وتحريم معارضتهم أو الخروج عليهم أو محاولة ازاحتهم، وهو ما استغله الملوك من سلالة آل سعود لعقود طويلة كسند لحكمهم. كما كان للوهابية دور كبير في التشدد الديني داخل المملكة والذي كان من مظاهره إنشاء ما تسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي عملت لسنوات طويلة على التضييق على النساء بمنعهن من كثير من الحقوق والتضييق عليهن وفرض غيرها من ملامح التشدد الغير ممدوح.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كما استُغِل المذهب الوهابي المتشدد في استقطاب الملايين من الأتباع في العالم الإسلامي، والذين عُرفوا بالسلفيين، وأقاموا المساجد التي تنشر هذا الفكر في مختلف دول العالم وأغدقت الأموال الكثيرة على هذه الاستراتيجية- لا سيما تذاكر السفر لجذب “المجاهدين” من شتى أنحاء العالم للحرب في أفغانستان، والدفع بهيئات الإغاثة السعودية إلى العمل هناك. وهو ما أشار إليه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حوار له مع صحيفة الواشنطن بوست والذي قال فيه “إن الاستثمار في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بالحرب الباردة، عندما طلبت الدول الحليفة من السعودية استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في دول العالم الإسلامي.”
وبجانب الحرب في أفغانستان، دعمت المملكة الكثير من المجموعات الدينية المُتشددة في الدول العربية وساهمت في إنشاء الجمعيات والمساجد والمدارس التي تتبنى المذهب الوهابي، وهو ما كان له شديد الأثر في المنطقة العربية عقب اندلاع الربيع العربي أواخر عام ٢٠١٠، حيث برزت الجماعات الدينية المُتشددة في المشهد السياسي للدول التي شهدت انتفاضات كبيرة. كان أشدها وأكثرها خطورة ما حدث في سوريا حيث نزح الألاف من “المجاهدين” والمتشددين دينياً الذين شكلوا ميليشيات لمحاربة النظام، حتى تحولت إلى حرب ارتكبت خلالها هذه المجموعات مذابح ضد المدنيين وفرضت نظم دينية متشددة وقمعية وارهابية في المناطق التي سيطرت عليها. ومع ذلك، شهدت العديد من دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا تفجيراتٍ وعمليات إرهابية، وهو ما جاء برد فعل عكسي على التحول الديمقراطي في المنطقة الذي جعل العالم يصم آذنه عن الأنظمة الديكتاتورية مقابل الحرب على هذه المجموعات المتشددة.
أولى خطوات الإنفصال
في عام ٢٠١٥ ومع تصاعد نفوذ ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، اتبعت المملكة نظاماً أكثر انفتاحاً في كثير من الجوانب خاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية. فعلى سبيل المثال، وضعت قيود كبيرة على ما تسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسُمح للنساء لأول مرة بقيادة السيارات والتي كانت محظورة عليهن.
وعلاوةً على ذلك، تم التضييق على المشايخ المتشددين مما دفع غالبيتهم إلى التراجع عن الآراء المتشددة ودعم رؤية ولي العهد. فعلى سبيل المثال، وصل ذلك التراجع إلى تنصل عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية والمستشار بالديوان الملكي عبد الله المنيع من الوهابية ووصفها بالوهمية والخيالية وليس لها من الواقع شيء. وأضاف، أن وصف السعودية بالوهابية مجرد افتراءات سياسية يراد بها التنفير من البلاد.
وصفت إصلاحات ولي العهد ضد التشدد الديني في المملكة بأنها الخطوة الأولى في مشوار فك الارتباط بين النظام السعودي والوهابية، الذي امتد إلى قرونٍ من الزمان.