إنك ستعجب الآن فيما لو علمت أن اجتماعاً عُقد في فرنسا سنة 1586 ليبحث شأن المرأة، وما إذا كانت تُعدُّ إنساناً أو لا تُعدُّ إنساناً. وبعد النقاش قرر المجتمعون أن المرأة إنسان، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل!
وإن المرأة الفرنسية انتظرت حتى 1938 لتتمكن من فتح حساب لها في البنوك، فقد صدر قانون يلغي القوانين التي كانت تمنع المرأة الفرنسية من بعض التصرفات المالية، وجاز لها ولأول مرة -في تاريخ المرأة الفرنسية- أن تفتح حساباً جارياً باسمها في المصارف.
وفي إنجلترا بقيت النساء حتى سنة 1850 غير معدودات من المواطنين، وظلت المرأة حتى سنة 1882 ليست لها حقوق شخصية، فلا حق لها بالتملك.
ولم تُسَوِّ جامعة أكسفورد بين الطالبات والطلاب في الحقوق (في الأندية واتحاد الطلبة) إلا بقرار صدر في 26 يوليو/تموز 1964م.
وإننا إذا استعرضنا حال المرأة لدى الأمم والشعوب نجد عجباً، فقد قضت الحضارة الرومانية بأن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل، لها حقوق القاصر، أو لا حقوق لها على الإطلاق. كما قضت شرائع الهند القديمة بأن “الوباء والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار خير من المرأة “. وحقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجَل زوجها الذي هو سيدها ومالكها، فإذا رأت جثمانه يُحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلا حاقت بها اللعنة الأبدية. والمرأة عند اليونانيين من سقط المتاع، لقد كانت تُباع وتشترى، وكانت تُعد رجساً من عمل الشيطان.
وفي الجزيرة العربية لا يخفى علينا: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 58 – 59].
ومع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عما سبقها، فأنقذتها من ظلم الجاهلية وظلامها، وفي هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بكل حقوقها الفردية والاجتماعية والإنسانية، واعتبر الإسلام المرأة كالرجل: كائناً ذا روح إنسانية كاملة، وذا إرادة واختيار، بقانون “النِّساءُ شِقائِقُ الرِّجَالِ”.
ريادة المرأة العربية
دخلت امراة سورية الاصل مبنى الأمم المتحدة، في أربعينيات القرن الماضي، سفيرةً لدى مجلس الأمم المتحدة، لتمثل سوريا المستقلة حديثاً، فكانت أول سيدة عربية مثّلت بلادها في المنظمة الدولية وإحدى أوائل السيدات على صعيد العالم فيها. في حين نجد أنه في 1996 عيَّن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، مندوبة بلاده لدى الأمم المتحدة مادلين أولبرايت لتكون وزيرة للخارجية، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب في الولايات المتحدة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وعلى خلاف ما حاولت بعض المسلسلات ترويجه عن حال المرأة في سوريا، فإن المرأة السورية لم يكن حالها، في مطلع القرن الماضي، بالصورة التي حاول البعض أن يكرّسها في العقل الجمعي لدى السوريين وغيرهم، فقد شاركت المرأة السورية بفعالية في شتى مجالات الحياة، فكانت السياسية والمحاربة والأديبة والشاعرة والصحفية، إلى جانب مهمتها الطبيعية كأم، وفي غيرها من البلدان العربية، وقد غُيبَ ذكر هؤلاء الرائدات، ولم يعُدنَ معروفات حتى من خاصة المثقفين.
وقد برزت أسماء نسائيّة على مر التاريخ كانت خير مثالٍ لتمكُّن المرأة من ممارسة مهامها ولكن العديد من هؤلاء النساء أهملهن التاريخ ولم يذكر أسماءهن كثيراً حتى بتن منسيّات، القليل فقط من سمع بهنّ.
خلاصة
إن هذا لا يعني أن المرأة في بلادنا اليوم لا تعاني ظلماً أو اضطهاداً تحت ستار العادات والتقاليد، وما ذاك إلا بسبب الجهل المتفشي في بعض مجتمعاتنا من جهة، وبسبب الجهل المركّب الذي يعشش في عقول بعض من استولوا على مقاليد السلطة العلمية من جهة أخرى، أضف إليه الحملة الشعواء التي تتعرض لها ثقافتنا وأسرنا عامة والمرأة بوجه خاص؛ لضرب مجتمعاتنا في مقتل، وبعد الكثير عن الدين وعدم الاحتكام له وتطبيقه يؤدي إلى ما نحن في صدده اليوم.
وليس مستغرباً أن يشوه العدو تاريخ حضارتنا، بل ربما يكون هذا من طبيعة هذا العدو الحاقد، وليس مستغرباً أيضاً أن تنطلي أكاذيب العدو وحيله على عوام الناس، إلا أن المستغرب وما يثير العجب أن يتولى قيادة هذه الحملات الشرسة التي تستهدف تشويه تاريخنا وتضليل شعوب منطقتنا قومٌ منا، من بني جلدتنا، ممن تسنموا مناصب العلم والثقافة والفن في بلداننا بغير حق.
وسواء أكان عملهم هذا ناتجاً عن عمد أم جهل، فإن الأمر جِدٌّ لا هزْل فيه، وإن الخطب جَلَلٌ عظيم، ولا منجي لنا مما نحن فيه إلا بالالتزام بالدين الحق والتصدي لهذه البلاءات المتتالية بعمل دؤوب جبار يحمل عبأه رؤوس المجتمع وأعيانه وعقلاؤه، لندخل عصر الحضارة بملء إرادتنا، بمحض اختيارنا، متمسكين بثوابتنا الدينية ومبادئنا النقية المطهرة من أوضار الجهل وعلائق التخلف.
وإننا عندما نعرف سبب المرض سنهتدي حتماً إلى دوائه وعلاجه، وإن العلاج الأنجع سيكون، ولا بد، بتعلّم علم الدين، بتعليم الصغار تعليماً سليماً قويماً نقياً من شوائب العادات الباليات التي تنافي الدين وتعارض العقل، وتعليم الكبار وتوعيتهم وتنبيهم إلى مخاطر الجهل وآثاره على الأفراد والمجتمعات معاً.