قَوْلُ الله تَعَالَى (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.. (66)) [التوبة].
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ المَالِكي فِي أَحْكَامِ الْقُرْءَانِ:
لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ، فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، لَا خُلْفَ فِيهِ (أيْ لَا خِلَافَ فِيهِ) بَيْنَ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَخُو الْحَقِّ وَالْعِلْمِ، وَالْهَزْلَ أَخُو الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ. اهـ
قَالَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ الشَّافِعِيُّ:
أَصْلُ الْخَوْضِ الدُّخُولُ فِي مَائِعٍ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ اسْمًا لِكُلِّ دُخُولٍ فِيهِ تَلْوِيثٌ وَأَذًى، وَالْمَعْنَى: أَنَّا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فِي الْبَاطِلِ مِنَ الْكَلَامِ كَمَا يَخُوضُ الرَّكْبُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَأَجَابَهُمُ الرَّسُولُ بِقَوْلِهِ (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)؟!
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنْ ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءَ كَانَ كُفْرًا، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْكُفْرِ لِأَجْلِ اللَّعِبِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُمْ (إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)، مَا كَانَ عُذْرًا حَقِيقِيًّا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي نَفْسِهِ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَعْتَذِرُوا بِهِ، لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنِ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ وَاجِبٌ، فَقَالَ (لَا تَعْتَذِرُوا) أَيْ: لَا تَذْكُرُوا هَذَا الْعُذْرَ فِي دَفْعِ هَذَا الْجُرْمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) يَدُلُّ عَلَى أَحْكَامٍ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِالدِّينِ كَيْفَ كَانَ كُفْرًا بِاللَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ، وَالْعُمْدَةُ الْكُبْرَى فِي الْإِيمَانِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَقْصَى الْإِمْكَانِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْكُفْرُ لَا يَدْخُلُ إِلَّا فِي أَفْعَالِ الْقُلُوبِ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُمْ كُفْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانُوا مُنَافِقِينَ مِنْ قَبْلُ، وَأَنَّ الْكُفْرَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَجَدَّدَ مِنَ الْكَافِرِ حَالًا فَحَالًا. اهـ
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website