أكد خبراء أن عملية معبر الكرامة “جسر الملك حسين” جاءت في سياق طبيعي نتيجة للانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأشار الخبراء إلى أن خطورة هذه العملية بالنسبة للاحتلال تتركز على المجتمع الإسرائيلي، الذي حاولت حكومته إقناعه بأن المواطن الفلسطيني معزول عن محيطه العربي، وأن الشعوب العربية تركته يقاتل وحيدا في ساحة معركته مع الاحتلال.
وكانت عملية معبر الكرامة قد نفذها سائق شاحنة أردني وهو ماهر الجازي، وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، واستخدم في تنفيذها مسدسا أخفاه داخل شاحنته نجح بالمرور به عبر الحواجز الأمنية الإسرائيلية ونفذ عمليته به في الجانب الإسرائيلي من المعبر.
وقد أكدوا أنها قد لا تؤثر كثيرا على المسار التفاوضي خاصة في ظل وجود اليمين المتطرف في الحكم في إسرائيل، وتعنت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وإصراره على استمرار الحرب.
رد طبيعي
الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني، الدكتور نضال أبو زيد، قال، إن “هذه العملية تأتي في سياق طبيعي حذر منه الجانب الأردني أكثر من مرة، وجاء ذلك في تحذيرات رسمية وردت على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي بأن ما يجري من انتهاكات وتصعيد إسرائيلي من قبل قوات الاحتلال داخل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة سينعكس بالتأكيد على ارتفاع حدة العمليات الأمنية، وبالتالي جاءت عملية معبر اللنبي – من الجانب الإسرائيلي – الأحد في هذا السياق”.
وتابع أبو زيد في حديث خاص: “الأمر الآخر أن ما حدث كان في الجانب الإسرائيلي من المعبر في ظل وجود إجراءات أمنية وجمركية وتفتيشية عالية تعتمد أحيانا على الوسائل التكنولوجية والإلكترونية بالإضافة إلى التفتيش اليدوي، الأمر الذي يشير بكل وضوح إلى أن ذلك يُعد اختراقا أمنيا واضحا، نتيجة التراخي الإسرائيلي في الإجراءات الأمنية، وبالتالي فإن كل ما حدث من عمليات جاءت في سياقها الطبيعي الذي حذر منه الجانب الأردني أكثر من مرة”.
وحول تأثير هذه العملية عسكريا قال أبو زيد: “قد يستغل الاحتلال هذه الحادثة في محاولة منه لتصعيد العمليات في المنطقة القريبة من الحدود الأردنية، لا سيما أن مدينة أريحا تقع على الطريق الواصل ما بين المعبر على الحدود الأردنية باتجاه الأراضي المحتلة في الضفة الغربية”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وأضاف: “بالتالي أعتقد أننا قد نشهد تصعيد في حدة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، وتصعيد في الإجراءات المتعلقة بالحدود الأردنية الإسرائيلية، وقد يستغلها الجانب الإسرائيلي من أجل الترويج لما كان يتحدث به أكثر من مرة، وهو محاولة فرض واقع أمني جديد على الحدود الأردنية مع الأراضي المحتلة”.
وأوضح أن “الاحتلال كان قد تحدث عن محاولة لتشكيل فرقة جديدة من حرس الحدود ليتم نشرها على الحدود الأردنية، أيضا كان يتحدث عن إجراءات أمنية جديدة للقيام بضبط الحدود مع الجانب الأردني، ومن المتوقع أيضا أن نسمع خطابا متصاعدا من قبل اليمين المتطرف يطالب بإجراءات ضد الجانب الأردني”.
فشل التطبيع الإسرائيلي العربي
وتأتي هذه العملية في وقت يشن فيه الاحتلال عدوانا عسكريا مكثفا على عدة مدن فلسطينية في الضفة الغربية ومخيماتها، حيث اقتحم مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم وغيرها.
كما أنه قام باغتيال واعتقال العديد من الشبان المقاومين للاحتلال، إضافة إلى تخريب وتجريف شوارع هذه المدن وبنيتها التحتية، وقام بكل ذلك بحجة حماية المستوطنين ومنع الهجمات الفلسطينية ضدهم وضد مدنه الداخلية.
لكن على الرغم من قيام الاحتلال بهذه الإجراءات لمنع حدوث هجمات داخلية ضده، وتشديده الأمني على الحدود، إلا أن هذه العملية صدمته، حيث إن الشهيد ماهر الجازي الذي نفذها قدم من الخارج وليس من داخل الأراضي الفلسطينية، ما يطرح تساؤلات عن خطورتها على الاحتلال الإسرائيلي؟
سليمان بشارات الخبير بالشأن الإسرائيلي، قال إن “خطورة العملية بالنسبة للاحتلال تكمن في عدة محاور: أولا، أنها تعني أن الوعي العربي الجمعي ما زال يرفض الاحتلال الإسرائيلي وأنه ينظر إليه على أنه لا يمكن القبول به على الرغم من اتفاقيات التطبيع والسلام”.
وتابع بشارات خلال حديثه: “سعى الاحتلال من خلال هذه الاتفاقيات لتحييد المواطن العربي والإسلامي وإبعاده عن القضية الفلسطينية لينفرد بها، لكن في نهاية المطاف فشل فشلا ذريعا في ذلك، خصوصا أنه حاول عبر سنوات طويلة أن يُظهر أن الفلسطيني هو من باع أرضه وتنازل عن قضيته، وبالتالي فقد حاول أن يشوه مفهوم العلاقة ما بين القضية الفلسطينية وعمقها العربي والإسلامي”.
وأكد أن “هذه العملية جاءت لتعيد البوصلة مرة أخرى إلى أن القضية الفلسطينية لا تخص الفلسطينيين فقط، وإنما هناك امتداد عربي وإقليمي وإسلامي شعبي تجاه القضية الفلسطينية، وهذا ما يفسر أيضا طبيعة المسيرات التضامنية مع القضية الفلسطينية على مدار شهور الحرب بشكل كامل”.
ويعتقد بشارات أن “المحور الخطير الآخر بالنسبة للاحتلال، أن هذه العمليات يمكن أن تُشكل في لحظة معينة إلهاما لشبان عرب ومسلمين من جغرافيا متعددة، وليس بالضرورة فقط من الجغرافيا المحيطة بفلسطين أو على تماس معها”.
وتابع: “بالتالي فإن هذا يعمل على عملية إمكانية أن تنطلق مثل هذه العمليات مرة أخرى، وبالتالي الدفع باتجاه استهداف الاحتلال الإسرائيلي. والنقطة الثانية في هذا الاطار؛ أن حالة الإلهام هذه يمكن أن تتطور في لحظة معينة من أعمال فردية كما نشاهدها إلى إمكانية أن تتحول إلى أعمال منظمة”.
وأردف: “صحيح أنه حتى هذه اللحظة لم تحدث هذه الأعمال المنظمة، لكن الاحتلال الإسرائيلي يخشى من أن تتحول الأعمال الفردية إلى أعمال منظمة، وبالتالي تكون هناك إمكانية لتطور هذا العمل، ويكون له تداعيات وتأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على الاحتلال الإسرائيلي”.
وأكد أن “الخطر الأهم بالنسبة للاحتلال يقع على المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث حاول قادة الاحتلال الإسرائيلي على مدار سبعة وستين عاما من أن يقنعوا الشارع الإسرائيلي بأن معركته ومواجهته الحقيقية هي مع الفلسطيني فقط وأنه يمكن قبول إسرائيل ضمن معادلة الشرق الأوسط”.
وأوضح أنه “الآن لا يمكن للقيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية أن تقنع الإسرائيليين بأن ذلك تحقق، بل بالعكس سيكون هناك إعادة للنقاش حول جدوى السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ولماذا تستخدمها إذا ما كانت ستولد مزيدا من الكراهية والمواجهة والصدام مع شعوب المنطقة ككل، وبالتالي فإن هذا الشيء باعتقادي يُشكل مشكلة أساسية”.
المسار التفاوضي
وحول احتمالية تأثير عملية معبر الكرامة على المسار التفاوضي، يعتقد بشارات أنها “ستضيف نقطة إلى النقاش والجدل الدائر حول جدوى الحرب، وفي الخشية من تداعيات الحرب واستمرارها، وأن ممارسات الاحتلال وسياساته ومنهجيته وتبني اليمين المتطرف والصهيونية الدينية لكل هذا المنهج هو من أوصل الاحتلال للمحطة التي هو الآن فيها، وبالتحديد أن تنطلق هكذا عمليات باتجاه الداخل الإسرائيلي”.
واستدرك بالقول: “لكن للأسف في نهاية المطاف أيضا هناك قراءة أيديولوجية إسرائيلية تقول إنه يجب أن يتم تكثيف استخدام القوة بحق الفلسطينيين حتى وإن ظهرت مثل هذه الأعمال، وظهر هذا الأمر ربما في خطاب بنيامين نتنياهو بعد العملية وفي كلمته في مستهل جلسة الحكومة، عندما حاول أن يصدر الاتهام والأزمة إلى إيران وحماس ومحور المقاومة وأطلق عليهم محور الشر حتى يتهرب من المسؤولية”.
وخلص إلى القول: “بالتالي فقد لا تؤثر بشكل مباشر على المسار التفاوضي، لأن اليمين المتطرف والصهيونية الدينية وبنيامين نتنياهو ما زالوا هم من يسيطرون على صناعة القرار الإسرائيلي، وبالتالي فإنهم سيحاولون استغلال مثل هذه الأحداث ربما لإقناع المجتمع الإسرائيلي بضرورة أن يتم رص الصفوف في إطار المعركة الوجودية كما سماها نتنياهو، وبالتالي، فإنه باعتقادي قد لا يكون لها تداعيات مباشرة على الملف أو المسار التفاوضي”.
من جهته قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد: “أعتقد أن السياق الطبيعي هو أن يذهب الجانب الإسرائيلي باتجاه الموافقة على المسار الدبلوماسي ومفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار حتى لا تتصاعد العمليات أكثر من ذلك”.
وتابع: “لكن من تتبعنا لطريقة تفكير الجانب الإسرائيلي وخاصة اليمين فأعتقد أن هذه العملية لن تؤثر في المسار التفاوضي، بل إنها على العكس قد تُستغل من قبل الجانب الإسرائيلي للتصعيد أكثر وفي محاولة خنق مناطق الضفة الغربية بحجة الخوف من العمليات الأمنية والاستشهادية”.
وحول تأثيرها على العلاقات الأردنية الإسرائيلية، قال أبو زيد: “منذ تولي اليمين المتطرف إدارة الكيان الصهيوني، لم تكن هناك أبواب مواربة في العلاقة الدبلوماسية بين الأردن وإسرائيل، بل إنه على العكس كان هناك تصعيد ومحاولات تحرش دبلوماسي من قبل الجانب الإسرائيلي بالأردن”.
وأكد أن “هذا التحرش الدبلوماسي الإسرائيلي ظهر في عدة محطات، منها الخارطة التي عرضها وزير المالية سموتريتش والتي أظهرت الأردن كجزء من إسرائيل، بالإضافة إلى محاولة إثارة ملف مناطق غور الأردن التي يحاول اليمين الإسرائيلي السيطرة عليها، وهي خارج سياقات اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وبالتالي فالعلاقة لم تكن رطبة ولم تكن هناك أي محاولات ترطيب من الجانب الإسرائيلي”.
وتابع: “أيضا ظهرت في تصريحات على لسان يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي حين نادى بعملية تهجير لأهالي الضفة الغربية، وبالتالي عمليات التهجير تؤطر لما يدور في ذهن اليمين الإسرائيلي من الضغط على الأردن من خلال قضيتين، الأغوار والوطن البديل، أو من خلال استخدام أدوات التهجير، وبالطبع فإن هذه القضايا كلها تُزعج الجانب الأردني، وبالتالي لم تشهد العلاقة الأردنية الإسرائيلية أي محاولات دبلوماسية ناعمة نتيجة حدة تطرف الخطاب الإعلامي الإسرائيلي”.