يسود الترقب لطبيعة الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف عشرات المواقع الإسرائيلية، وسط توقعات بأن منشآت النفط الإيرانية قد تكون هدفًا محتملاً بحسب مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، ما يثير التساؤلات حول تأثير ذلك على أسعار النفط عالميًا والدول التي سيلحقها الضرر.
في تصريحات صحفية، كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن وجود مباحثات مع مسؤولين إسرائيليين بشأن إمكانية ضرب تل أبيب منشآت النفط الإيرانية.
فيما توقع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، أن تقوم تل أبيب على الأرجح بشن غارة جوية واسعة النطاق ضد منشآت النفط الإيرانية، وربما شن هجوم رمزي على هدف عسكري مرتبط ببرنامجها النووي.
وتعتبر إيران، وهي عضو في منظمة أوبك، لاعبًا رئيسيًا في سوق النفط العالمي، وأي هجوم إسرائيلي يعطل صادرات طهران من النفط البالغة 1.7 مليون برميل يوميًا من شأنه أن يكون له تداعيات على أسواق الطاقة العالمية، في حين أن أي رد انتقامي إيراني يستهدف المصدرين المنافسين للنفط في الشرق الأوسط من شأنه أن يسبب المزيد من الاضطرابات، بحسب صحيفة “فايننشال تايمز”.
ما هي أبرز منشآت النفط الإيرانية؟
ولدى إيران العديد من المنشآت النفطية، كالحقول والمصافي والموانئ التي تستخدم في التصدير.
وتنتج إيران نحو 4 ملايين برميل من النفط يوميًا، وتشكل نحو 4% من إمدادات النفط العالمية، حيث تمتلك أحد أكبر قطاعات التكرير في الشرق الأوسط، موزعة على 10 مواقع رئيسية.
كما أن أكبر ثلاث مصافي لديها، هي مصفاة أصفهان التي تنتج نحو 370 ألف برميل يوميًا، ومصفاة عبادان التي تنتج 360 ألف برميل يوميًا، ومصفاة بندر عباس التي تنتج 320 ألف برميل يوميا، وفقًا لوكالة “ستاندرد آند بورز”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وتمتلك شركة تكرير وتوزيع النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة (NIORDC)، السيطرة الكاملة على عمليات نقل وتخزين وتسويق وتوزيع المنتجات النفطية في إيران.
ماذا تُشكل جزيرة خارج لقطاع النفط الإيراني؟
أما أبرز الموانئ التي يُصدر منها النفط، على الخليج جنوبي غرب البلاد، ميناء بندر عباس، وميناء جزيرة خارج الذي يُعد بمثابة الجهاز العصبي لقطاع النفط الإيراني.
وتقع جزيرة خارج على بعد حوالي 25 كيلومترًا من الساحل الجنوبي لإيران، وتُعد إحدى أهم منافذ تصدير النفط في إيران، ويتعامل ميناؤها مع حوالي 90% من شحنات النفط الخام.
وخلال الحرب العراقية الإيرانية، تعرضت الجزيرة مرات عدة للقصف من سلاح الجو العراقي، حيث استُهدفت خزانات النفط.
ونقلت “فايننشال تايمز” عن سمير مدني، الرئيس التنفيذي لشركة تانكر تراكرز دوت كوم، التي تقدم تقارير عن شحنات النفط، إن ناقلات النفط الفارغة التي كانت قريبة من محطة تصدير النفط في الجزيرة، انسحبت من المنطقة بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل.
ماذا عن خسائر إيران من الهجوم المحتمل على منشآت النفط؟
وتشير تقديرات مجموعة “سيتي جروب” المصرفية الأمريكية إلى أن أي هجوم إسرائيلي على البنية التحتية النفطية الصغيرة في إيران قد يتسبب بخسارة مؤقتة لقطاع الإنتاج النفطي في البلاد.
لكن الهجوم على حقل خرج قد يؤدي إلى خسارة أكبر وأطول أمدًا تصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، أو نحو 1.4% من الاستهلاك العالمي من النفط الإيراني.
وتعتقد وكالة “بلومبيرغ”، أن ضرب صناعة النفط في إيران من شأنه أن يُلحق ضررًا اقتصاديًا كبيرًا بالنسبة لها، سواء كان الاستهداف للمصافي أو منشآت التصدير التي توفر عائدات حيوية للبلاد.
ويقول توماس أودنيل الأكاديمي وخبير الطاقة والجغرافية السياسية لشبكة “بي بي سي” البريطانية، إن استهداف المصافي الإيرانية، والذي يُعد خيارًا تدعمه واشنطن، يعني حرمان اقتصاد إيران من البنزين والديزل، أي منع إيران من تكرير نفطها الخام وتزويد السوق الداخلي بالديزل والبنزين ومنتجات أخرى، أي “ضرب الاقتصاد الداخلي لإيران”.
لكن اللافت، أنه بالنسبة لإيران، تُشكل الصادرات إلى الصين مصدرًا حيويًا للتمويل، وتُمثل مبيعات النفط التي تجنيها البلاد منها والتي تبلغ نحو 2 مليار دولار شهريًا ما لا يقل عن 5% من الناتج الاقتصادي الإيراني بالكامل، وتموّل هذه الصادرات الحكومة الإيرانية وتوفر لها الأموال النقدية التي تحتاجها لدفع ثمن وارداتها، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
ما تأثير تضرر النفط الإيراني على الصين؟
بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن الصين هي الدولة الأكثر تأثيرًا من أي هجوم محتمل على منشآت النفط الإيرانية، فهي تشتري 90% من صادرات النفط الإيرانية.
التقديرات تشير إلى أن نحو 15% من واردات الصين من النفط تأتي من إيران، أما النسب الأخرى فتأتي بالدرجة الأولى من روسيا، ثم العراق والكويت والسعودية والإمارات وأنغولا، حيث تعتمد بكين على الاستيراد من مختلف أنحاء العالم لتلبية ما يقرب من ثلاثة أرباع استهلاكها من النفط.
فيما قال روجر فوكيه، المتخصص في الطاقة بالجامعة الوطنية في سنغافورة، إن “أي انقطاع في صادرات النفط الإيرانية من المرجح أن يتم استبداله بسرعة بزيادات في مصادر الإمدادات الأخرى في الصين”.
كما أن الصين، عملت خلال السنوات الماضية على توسيع احتياطياتها من النفط، وعملت على بناء خزانات لتخزين النفط، وذلك استعدادًا لصراع محتمل مع تايوان.
وعليه، بحسب الخبراء، فإن الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد الصيني نتيجة انقطاع النفط الإيراني حتى على المدى الطويل سيكون ضئيلاً، شريطة أن تزيد الدول الأخرى من شحناتها لها.
ما تأثير الهجوم المحتمل على أسعار النفط عالميًا؟
يرى أودنيل أن خيار استهداف المصافي الإيرانية، ربما يترك تأثيرًا إيجابيًا على الأسواق العالمية، لأنه إذا لم تستطع إيران تكرير نفطها، فقد ترسل المزيد من النفط إلى السوق، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض سعر النفط.
ووسط المخاوف من هجوم إسرائيلي محتمل على صناعة النفط الإيرانية، ارتفعت العقود الآجلة للخام الأمريكي نحو 5% الخميس الماضي.
فيما نقلت شبكة “سي ان بي سي” الأمريكية عن دان سترويفين، الرئيس المشارك لأبحاث السلع العالمية في جولدمات ساكس، أنه “إذا رأيت انخفاضًا مستمرًا بمقدار مليون برميل يوميًا في الإنتاج الإيراني، فسنرى ارتفاعًا حادًا في أسعار النفط العام المقبل بنحو 20 دولارًا للبرميل”.
ولكن بحسب سترويفين، فإنه إذا تمكن أعضاء رئيسيون في أوبك+ مثل السعودية والإمارات من تعويض بعض خسائر الإنتاج، فإن أسواق النفط قد تشهد دفعة أصغر بنحو أقل قليلاً من 10 دولارات للبرميل.
ويوضح أودونيل أن أوبك تستطيع تعويض النقص بسهولة، في ظل ما لديها من ما لا يقل عن خمسة أو ستة ملايين برميل من النفط يوميًا تحجبها عن السوق.
كما أن هناك أيضًا قدرة في نصف الكرة الغربي على المساهمة، لذا لن تكون أزمة، على الرغم من أنها قد تؤدي إلى ارتفاع مؤقت، بحسب أودونيل.
وعلى الرغم من اعتقاد بعض المحللين أن أوبك+ لديها طاقة احتياطية كافية للتعويض عن أي انقطاع في الصادرات الإيرانية، فإن الطاقة النفطية الاحتياطية في العالم تظل مركزة إلى حد كبير في الشرق الأوسط، وخاصة بين دول الخليج، والتي قد تكون معرضة للخطر إذا تفاقم الصراع على نطاق أوسع.
أين تكمن المخاطر الحقيقية لسوق النفط عالميًا؟
بحسب المحللين، فإن الخشية لا تكمن من “التصعيد المحدود” بين إيران وإسرائيل، بل توسعه ليصبح “حرب نفطية” في الشرق الأوسط، بناء على سلوك طهران بالرد على الهجوم الإسرائيلي.
حيث يخشى المحللون من أن رد إيران ووكلاؤها، قد يشمل عمليات الطاقة في مختلف أنحاء المنطقة، بما في ذلك عمليات الشركات الأمريكية أو حلفاء الولايات المتحدة.
كما قد تتجه إيران ووكلاؤها، إلى تكثيف الهجمات على ناقلات النفط، مما يؤدي إلى تعطيل الإمدادات وإجبار حركة المرور على تغيير مسارها.
ويقول جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إن السيناريو الأصعب يتمثل في التهديد الإيراني لمضيق هرمز، وهو الممر البحري الذي يمر عبره واحد من خمسة براميل من استهلاك النفط الخام العالمي كل يوم.
كما يمر عبر المضيق ذاته، في المتوسط 2,500 سفينة تجارية كل شهر، وفقًا لبيانات “مارين ترافيك”.
وخلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، قامت طهران بتلغيم المضيق فيما أصبح يعرف بـ”حرب الناقلات”.
بحسب “فايننشال تايمز”، فإن أي تحرك لإغلاق المضيق، من شأنه أن يؤثر على صادرات إيران ذاتها، وهو ما يجعل الأمر غير مرجح، وقال بوردوف: “أعتقد أن هذا الحدث احتماله ضئيل، وسيكون تنفيذه صعبًا، حتى لو أرادت إيران ذلك”.
فيما قال محللون في “سيتي جروب”، إن سيناريو إغلاق مضيق هرمز، قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار “بشكل يتجاوز كثيرًا مستوياتها القياسية السابقة”، وكان أعلى مستوى لبرنت على الإطلاق 147.50 دولار للبرميل في عام 2008.