الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النِّعمةُ وله الفضلُ ولهُ الثَّناءُ الحسن صلواتُ اللهِ البَرِّ الرحيمِ والملائِكةِ المُقرَّبينَ على سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشرفِ المرسلينَ وحبيبِ ربِّ العالمينَ وعلى جميعِ إخوانِهِ منَ النَّبييّنَ والمُرسلينَ وءالِ كُلٍّ والصَّالحينَ وسلامُ اللهِ عليهِمْ أجمعينَ.
أمّا بعدُ، فقد وَرَدَ في الحديثِ عن النبيِّ عَلَيهِ الصلاةُ والسلام: “من أتى مسجدًا وكان هَمُهُ أن يَتَعَلَمَ أو يُعَلِمَ خيرًا كَانَ لَهُ أجرُ حَجٍ وَعُمرَةٍ تَامين”.
هذا الأمرُ يُعطيهِ اللهُ لمن قصد موضعًا نيتُهُ أن يتعلم الخير أو يُعَلِمَ الخير، والعلمُ، علم الدينِ واسعٌ جدًا إنما أهم الأمورِ تعلمًا وتعليمًا هو الاعتناء بعقيدةِ أهلُ السُنَّةِ والجماعةِ وهو عند الله مهمًا جدًا، لذلك قال العلماءُ يجب على الإنسانِ أن يتعلم الواجبات من علم الدِّينِ ويجب عليه أن يعلمها لغيره.
ورد في الحديث المعروف بحديث جبريل أن الرسول كان مع أصحابه فدخل عليهم واحدٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ ولا يظهر عليه هيئة المسافر. من جملة ما سأل جبريل النبي قال: “فأخْبِرني عَن الإيمَان”. قَالَ: “أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ”. رواه مسلم.
أَمَّا قوله عليه الصلاة والسلامُ: “أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ“: معنى كلمة الإيمان لُغَةً التصديقُ، وشرعًا تصديقٌ مخصوص، وهو التصديقُ بِمَا جَاءَ بِهِ النبيُّ صلى اللهُ عَليهِ وَسَلَم. إذًا الإيمانُ التصديقُ أن تُؤمِنَ باللهِ يعني أن تُصَدِق بوجودِ اللهِ أنَهُ مُوجودٌ قبلَ الموجوداتِ، موجودٌ لا يُشبِهُ الموجودات.
فانظر كيف بدأ النبي عليه الصلاة والسلام بالإجابة لما سأله جبريل عن أهم أمور الإيمان، كيف رتب الجواب عن مسائل الإيمان المهمة. قال أولًا: “أَنْ تُؤْمِنَ بالله”، لأن هذا هو أساس وأصل الإيمان وهو الإيمان بالله، الإيمان بأنَهُ مُوجودٌ وأنه لا يجري عليه زمان، موجودٌ بلا مكان لا يحتاج إلى المكان كسائر المخلوقات. واللهُ تعالى ليس جسمًا وليس له أعضاء، هو واحدٌ لا إله سواه لا شريك له وليس له أجزاء أو فروع. والإيمان بالله أيضًا يتضمن أنه موجودٌ بلا بداية فلم يكن أبدًا هناك زمان لم يكن الله به موجودًا ثم وجد. والله تعالى لا يلحقه فناء بل هو خالق الأشياء كلها بقدرته وعلمه وإرادته، لا يحتاجُ إلى أحَدٍ من خلقه ولا يشبه شيئًا من خلقه، متصفٌ بالسمع والبصر يرى المبصرات بلا حدقه أو ضوء أو ءالة أُخرى، ويسمع المسموعات من غير أُذُنٍ أو ءالَةٍ أُخرى.
الإيمان الصحيح يتضمن الإيمان بكل هذه الأمور، فمن ءامن بالله يؤمن بأن الله هو خالق كل شيء، هو المالك الحقيقي للأشياء كلها وأنه يستحق العبادة والطاعة. فمن ءامن بأن الله يستحق العبادة والطاعة فعليه أن يعرف كيف يعبده وكيف يطيعه. فالله تفضلًا منه ورحمة أرسل رسلاً ليبلغوا الناس ويدعوهم لعبادته ويعلموهم كيف يعبدونه وكيف يطيعونه، فمن ءامن بالله يؤمن برسله وبالوحي المنزل على الأنبياء.
الاعتقَادُ الصَحيحُ هو أساسُ الأعمالِ هُوَ رَأسُمَالِ المُسْلِمِ، بدونِ الإيمانِ لا تُقبَلُ أعمالُ الإنسان؛ المؤمن لو عَمِلَ ذَرَةً مِنْ عَمَلٍ تُقبَلُ عِندَ اللهِ تعالى.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
أَمَّا قوله عليه الصلاة والسلامُ: “وَمَلاَئِكَتِهِ“: معناهُ الاعتقادُ بِأَنَّ الملائِكَةَ عِبَادُ اللهِ خَلَقَهُم اللهُ مِن نور من النورُ الصافي، الجِنُّ خُلِقوا من نار والبَشَرُ خُلِقوا من تُرَاب. الملائِكَةُ اللهُ جَعَلَ مَسكَنُهُمْ السموات، هَذِهِ السَموات الضخمةُ التي الأرضُ بالنِسبَةِ إِلَيها كلا شيء اللهُ جَعَلَهَا مسكنًا للملائكَةِ. حتى أَنَّ النبيَّ عَليهِ الصلاَةُ والسلام وَصَفَ السماءَ أطتِ السماءُ، الأطيطُ إذا الشيء حُمِّلَ أَكْثَرُ مِمَّا يَحتَمِلْ. معناها أنَّ السماءَ امتلأت وَحُقَّ لها أن تمتلأ. ثُمَّ قَالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: “ما في السماء مَوضِعُ أربع أصابع إلا وفيها مَلَكٌ قائِمٌ أو ساجِدٌ أو راكِع“.
ثُمَّ هؤلاء الملائكة الكرام واجبٌ على المسلمِ أَن يَعتقِدَ أنهم لا يعصون الله، قال اللهُ تعالى: ﴿لاَّ يَعصُونَ اللهَ مَآ أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَروُنَ﴾ معناهُ أنهم في الطاعة منذ خلقهم الله تعالى.
أما من حيث الصورةِ فهم ذوي أجنحة، قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلآئِكَةِ رُسُلاً أُولِي~ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلٍّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ فاطر / ۱.
ثم من شأن الملائكة أنهم إن تصوروا بصور بني ءادم يظهرون بصور الرجال من غير ءالة الذكورة لا يتشكلون بصور الإناث، والملائكة ليسوا إناثًا ومن قال عنهم إنهم إناث فقد كفر. العرب القدماء كانوا يقولون الملائكة إِناث، كانوا يقولونَ لنا الذَكَرُ وَلَهُ الأُنثى لا يجوزُ تصويرُ الملائِكَةُ بِشَكلِ الإِناث كما يُصَّوِرُ البَعضُ فوق صورةِ سيدنا عيسى عليهِ السلام، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِالأَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ المَلآئِكَةَ تَسمِيَةَ الأُنثَى﴾ النجم / 27.
المَلَكُ قَدْ يَتَشَكَلُ بِصُورَةٍ غير صُورَتِهِ الحَقيقيَة، يَتَشَكَلُ بِصورةٍ حَسَنَةٍ كما جبريلُ كانَ يتشكلُ للنبيِّ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ كما في الحديثِ الذي نَحنُ بِصَدَدِ شَرْحِهِ “شَدِيدُ بَياضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ” هذا يَجوزُ أن يَحصُلُ للملائِكَةِ.
وَكما جاءَ جِبريلُ عَلَيهِ السَّلاَمُ لِمَريَمَ لَمَّا جَلَبَ لها روح عيسى عليهِ السَّلاَمُ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ مريم / ۱٧. وَهُوَ لَيسَ بَشَرًا فقالت لَهُ مريم: ﴿قَالَتْ إِنِّي~ أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ مريم / 18. ثُمَّ أَخبَرَهَا: ﴿إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا﴾ مريم / 19.
مِنْ هُنَا قَالَ الفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَشَكَلَ المَلَكُ بِصورةِ الرِجَال مِنْ دُونِ ءَالَةِ الذُكُوريَةِ.
أَمَّا هُو جِبريلُ فقد رَءاهُ النَبيُِ على هَيئَتِهِ الأصلية، مرةً كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بمكان يقال له “أجياد” فقال له جبريل: أطلب من ربك أن تراني في صورتي الأصلية، فطلب فظهر له من المشرق فسدَّ ما بين المشرق والمغرب فَصُعِقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي غُشي عليه) ثم أخذه جبريل وقد تحوَّل إلى الصورة البشرية فضمّه إليه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا جبريل ما ظننت أن الله تعالى خلق أحدًا على مثل هذه الصورة” فقال جبريل: “إنَّ اللهَ خلقني على ستمائة جناح وما نشرتُ منها إلا جناحين وإن الله خلق إسرافيل على ستمائة جناح، الجناح الواحد منها مثل كل أجنحتي“.
قالَ لَهُ جِبريلُ: أدعوا اللهَ أن تَراني مَرَةً ثَانِيَةً. وَلَمَّا عُرِّجَ بِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رَءَاهُ مَرَةً ثَانِيَةً، قَالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرَى عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ المَأوَى﴾ النجم 13- 15.
وورد في الحديث الصحيح “إن جبريل عليه السلام خُلق على ستمائة جناح يتناثر منها تهاويل الدر والياقوت“. التهاويل هو شيء يهول المنظر أي يبهر الأنظار كالدّر والياقوت، يسقط من أجنحته شيء يبهر الأنظار.
ثُمَّ الملائِكَةُ الكِرَامُ اللهُ تعالى جَعَلَ لَهُم وَظائِفَ خَصَّصَ لَهُم وظائف هم طائِعونَ لِلهِ مِنهُم مَن في السماءِ يَتَصَرَّفُ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ. مِنهُم في الجَنَّةِ يَقولونَ لأَهلِ الجَنَّةِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ الزُمَر / 73. وَمِنهُمْ في النَّارِ وعلى رأسِهِم مَلَكٌ يُسَمَى مَالَكٌ والذينَ مَعَهُ يَسَّمَونَ الزَبانية يتلذذون بِطَاعَةِ اللهِ لا يتعذبونَ هُم يُعَذِّبُونَ الكُفَارَ كَمَا أُمِرُوا.
وَهُنَاكَ مَلاَئِكَةٌ وَظيفَتُهُمْ في أَشياءَ لأجلِ بَني ءِادَمَ كإنبَاتِ الزَرْعِ وإِيصَالِ الأَرواحِ إِلى الأَجِنَّةِ، اللهُ تَعَالى يُرْسِلُ مَلَكٌ في ساعَةٍ مُحَدَدَةٍ في وَقتٍ مُحَدَدٍ. مَلَكُ الرَّحِمِ في الوَقتِ الذي شَاءَ اللهُ لِلمَرأَةِ أَن تَحمِلَ يُلقي الرُّوحَ في الجنين وكذلِك هذا المَلَكُ يُصَّوِرُ الجنينَ ذَكَرًا أو أنثى والصِّفَةُ التي شَاءَهَا اللهُ، يَنْفُخُ الرُوحَ بعد مائةَ وعشرين يومًا كما وَرَدَ في الحَديثِ. هؤلاءِ الملائِكَةِ المُسَمَّوْنَ في القُرءَانِ المُدَبِرَات قال الله تعالى: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ سورة النازعات / 5. يُدَبِرونَ أُمورَ بَني ءَادَمَ مِنْ غَيرِ أَنْ يَشْعُرَ.
ثُمَّ هُنَّاكَ مَلاَئِكَةٌ وَظيفَتُهُمْ سُؤالُ النَّاسِ في القُبُورِ مُنكَرٍ وَنَكير مَنظَرُهُم مُخيف أسوَد وأزرق يأتون الأموات يَخرِقَانِ القَبْرَ بأنيابِهِمْ إِنْ كَانَ مُؤمِنًا مع شِدةِ مَنظَرِهِمْ اللهُ يُثَبِتُ قَلبَهُ. لا يجوز الاستهزاءُ بهم؛ الاستهزاءُ بِهِمْ وَبِغَيرِهِم من الملائكةِ كُفرٌ والعياذُ بِاللهِ.
ومن الملائكة من يكتب حسنات وسيئات العباد، فالملك رقيب مأمور بكتابة الحسنات والملك عتيدٌ مأمور بكتابة السيئات، وهؤلاء الملائكة ليسوا على الأكتاف كما شاع بين الناس.
كذلك هناك ملائكة الله خصصهم لحمل السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء يوصلون السلام بالاسم مهما كَثُرَ المُسلِمونَ هذا لَيسَ بِعزيزٍ على الله، إِيصالُ سلامهم إِلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم هذا فيه تَحريضٌ للإكثارِ من السلامِ على رسولِ الله. وهناك سبعون ألفَ مَلَكٍ ينزلون كل يومٍ على حجرة النبي عليه الصلاة والسلامُ.
ثُمَّ الملائكة منهم من يعينون العباد كما جاء في الحديث الَّذي أَخرَجَهُ الحافظ ابن حجر في الأمالي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله ملائكة سوى الحفظة سيّاحين في الفلاة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة في فلاة فلينادِ يا عباد الله أعينوا” قد يتشكلون للعبدِ ويعينوه على ما هو فيهِ.
الله تعالى يُسْمِعُ هؤلاء الملائكة الذين وكّلوا بأن يكتبوا ما يسقط من ورق الشجر في البرية نداء هذا الشخص لو كان على مسافة بعيدة منهم ، فهذا الحديث فيه دِلالة واضحة على جواز الاستغاثة بغير الله لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نقول إذا أصاب أحدنا مشكلة في فلاة من الأرض أي برية “يا عباد الله أعينوا” فإن هذا ينفعه بإذن الله تعالى.
وهناك ملائكة موكّلون بزيارة المؤمنين الصالحين لينفحوهم بنفحات خير؛ كان رجلّ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمّى “العرباض بن سارية” كبر سنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يشعر بضعف وانحطاط في جسمه فكان يتمنى الموت فيقول: “اللهم إنه كبر سني ورقَّ عظمي فاقبضني إليك غير مفتون“. فبينا هو ذات يوم في مسجد دمشق رأى شابًا جميل الشكل يلبس ثوبًا أخضر على ثوب أخضر فقال له: لا تقل هكذا، قال له: ماذا أقول؟ قال: قل “اللَّهُمَّ حسِّن العمل وبلِِّغ الأجل” فقال: جزاك الله خيرًا، يا ابن أخي من أنت (هو ظنه من البشر) فقال: أنا “رتائيل” الذي يسُلُّ الحزن من صدور المؤمنين.
فهذا الملك الذي ظهر للعرباض بن سارية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الشكل البشري من ملائكة الرحمة الذين هم مأمورون بأن يدوروا في الأرض لزيارة المؤمنين الصالحين ليفرجوا كربًا أو يعلموا فائدة دينية أو ينشطوهم على طاعة الله. هذا من جملتهم ويقال لهم ملائكة الرحمة.
كما أَنَّهُ يَجبُ تَحذيرُ النَّاسِ أَنَّهُ لا يَجوزُ الاستهزاءُ بِمَلَكِ المَوتِ عَزرائيل بعضهم يَسِبُونَهُ وبعضهم يقولونَ: “جاءَ ليَقْبِضَ روح فلان فضَيَّعَ العُنوان” وهذا كُفرٌ والعياذُ بالله، قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَئْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ سورة يونس / 49. مَنْ سَبَّ واحدٌ من الملائكةِ أو استخف به فليس بمؤمن عند الله.
كذلك واجِبٌ التحذيرُ وَتَعليمُ النَّاسِ أنَّهُم لا يَعصونَ اللهَ، فالشيطان قد يأتي لإنسانٍ وَيَقولُ لَهُ أنا مِنَ المِلائكَةِ من السماء السادسة مثلاً، فإن عَمِلَ الشيطان عملاً حرامًا واعتقد الشخصُ أن هذا الشيطان هو مَلَكًا فقد كفر.
الإنسانُ عَليهِ أن يتعلمَ صفاتُ الملائكَةِ إن لم يعرف ذلك يهلك، الشيخُ عبد الله قالَ في بِلاَدِ الحَبَشَةِ شَخصٌ يَجْمَعُ الناس عنده يقول: أنا تأتي لعندي الملائكة. صاروا يسمعون صوتًا من بعيد، يسألُ ثُمَّ يُجابُ من بعيد. ذَهَبَ شَخصٌ مِن أَهلِ العِلمِ قَالَ: أنا أُريدُ أَن أُكَلِمَهُ. قَالَ: مَنْ أنت؟ قَالَ بَيتٌ من الشعر عن الملائكة. سأله عن صفات الملائكة ثُمَّ قال له: ما اسمُكَ، قال: فلانٌ ابن فلان. قال له: كذبت يا عَدوَ الله. فانقطع وَلَم يَظهر ثانيةً. نعم فالملائكة ليس لهم أبٌ ولا أُمٌّ.
ثُمَّ الملائكة تحب الهبوط إِلى مجالس العلم، اللهُ تعالى يأمرهم بالهبوط إِلى مجالس العلم يحفونها بالرحمة ويستغفرون للجالسين لذلك الشخص الذي يذهب مرات كثيرة يشعر بتغيير. قال اللهُ تعالى ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ سورة الأحزاب / 43.
ففي حضور مجالس العلم بَرَكَةً لاَ يُعرَفُ قَدرُها إِلا يَومَ القِيامَةِ فلا تُفَوِتوا هذا الخيرَ إِخوةَ الإيمان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يَشبَعُ مُؤمِنٌ مِنْ خَيرٍ يَسْمَعُه حتى يكون منتهاهُ الجَنَّةَ“، النَّاس اليوم حال أكثرهم أنَّهُم لاَ يَشبَعونَ مِنَ الدُنيا.
الإِنسانُ مِنا يَعيشُ فترةً من الزَمَنِ لا يَعرِفُ قد تَكونُ قصيرةً أو طويلَةً عندما تنتهي تَظْهَرُ لَهُ الملائكة عندما يحتضر، إِمَّا يقولوا لَهُ: أبشِر برحمةِ الله، فلا يكون له أسعَدُ شئٌ على قَلبِهِ مِنهُ؛ وإِمَّا أن يَقولوا لَهُ: أبشِر بِسَخَطِ اللهِ، فَلا يَكونُ شيئًا أَتعَسُ عَلى نَفسِهِ مِنهُ. فلينصَرِفْ الوَاحِدُ منا لتعليم الخير.
ومن جملة الأشياء التي يجب معرفتها في حَقِ الملائكةِ الكرامِ أيضًا أَنَّهُ وَرَدَ في الحديثِ عَنهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أَنهُم لا يَحضُرونَ بيتًا فيهِ صورة أو تمثال أو كلب. والمقصود بالصورة هنا ما كان على شكل ذي روحٍ مجسمًا ليس الَّذي على الورق إنمَّا إِن كان مجسمًا نافرًا بصورةٍ كامِلَةٍ هذا وجوده في البيت يمنع دخول الملائكة.
أمَّا إذا لم يكن على هيئةِ صورَةٍ كامِلَةٍ فهذا لا دخل لهُ في الحديثِ كأن كان رأسًا أو جسمًا بدون راس هذا لا يدخُلُ في الحَديثِ.
ويستثنى لعبة البنات الصغار التي هي خاصةً للبنات وهذا ورد في الحديث، وكذلك يستثنى من قوله عليه الصلاة والسلام في وصف الكلب، الكلب ما كان للحراسة والصيد، أمَّا ما كان لغير الصيد والحراسة هذا حرامٌ اقتناؤه وإدخاله البيت.
يبقى هناك معرفة أَنَّ هُناكَ فَرقٌ بَينَ الملائِكَةِ والجِنِّ لأَنَّ الجِنَّ يُتَوقَعُ مِنهُم أَنْ يُطيعوا وأَن يَعصوا أمَّا الملائكة لا يعصون، قال تعالى: ﴿لاَّ يَعصُونَ اللهَ مَآ أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَروُنَ﴾ سورة التحريم / 6. لذلك لا يجوز الاعتقادُ أَنَّ إِبليسَ هُوَ زَعيمُ الملائِكَةِ فإبليسُ مِنَ الجِنِّ.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ سورة الكهف / 50.
هُوَ كَانً في الجَنَّةِ يَعْبُدُ اللهَ مع الملائِكَةِ لكن لا يُقالُ ما يَقولُهُ البَعضُ أَنَّهُ كانَ طاووس الملائكة أو زعيمُ الملائكةِ. إِبليسُ هو أبو الجِنِّ، الجِنُ من ذُريَتِهِ أصلُهُم مِنَ لهيب النار الصافي فيهُم المؤمن والكافر، فيهُم التَقيُ والصالِحُ والفاسِقُ والعَالِمُ والجَاهِلُ والذَكَرُ والأنثى. أما الملائِكَةُ صِنفٌ وَاحِدٌ كلهم مؤمنين، كلهم أولياء الله ليسوا ذكورًا ولا إِناثًا.
اللهُ اخبرنا في القرءانِ بوجودِ الجِنِّ لا يَجوزُ إنكَارُ وجودهم هناك سورة في القرءانِ اسمها سورة الجِن فيها عن نَفَرٍ مِنَ الجِنِ استمعوا إِلى القرءانِ من النبيِّ صلى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ. قال اللهُ تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانًا عَجَبًا﴾ سورة الجن / 1.
قال عليه الصلاة والسلام: “وَكُتُبِهِ“: معناهُ أنَّهُ يَجِبُ الإيمانُ بالكُتِبِ السماويةِ التي كانت تنزل على الأنبياء والرسل من حيثُ العدد هي مائة وأربعة، واجِبٌ على الإنسانِ أن يُؤمِنَ بالكتب السماوية.
المشهورُ مِنهَا هَذِهِ الأربَعَةُ: التوراة أُنزِلَت على موسى بِالعِبرية والزَبور أُنزِلَ على دَاوُدَ بالعِبرية وأُنزِلَ الإنجيلُ على عيسى بالسُريانيَةِ وأُنزِلَ القُرءَانُ على مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالعَربِيَةِ. وهناكَ أيضًا صُحُفًا أُنزِلَت على إبراهيم وموسى وشيث.
هذه الكتب نُؤمِنُ بأنَّهَا كُلَهَا نَزَلَت على الرُسُلِ، فيها عقيدة واحدة وهي الإيمانُ بوجود اللهِ وأنَّهُ لا يُشبِهُ شيئًا مِنَ المَخلوقَاتِ، كُلها واحدة في العقيدةِ إِنما الذي يختلف هو الشرائع.
ثُمَ هَذِهِ الكتب كلها كلامُ اللهِ والمعنى أنَّ ما فيها ليس من تأليفِ مَلَكٍ أو بَشَر ولا جبريل بل هُوَ كَلاَمُ اللهِ تعالى أنزلَهُ على رُسُلِهِ وأنبيائِهِ. كَلاَمُ اللهِ تَعَالى لَيسَ كَكَلاَمِ البَشَرِ لاَ يُقَالُ يَتَكَلَمُ بِالعَرَبِيَةِ أَو العِبريَةِ أو السريانية، إِنَمَّا أُنزِلَت هَذِهِ الكُتُبُ بهذه اللغات كي يفهمها النَّاسُ. أُنزِلَت هَذِهِ الكُتُبُ كَي يُعرَفُ ما أُحِلَّ وما حُرِّمَ. كَلاَمُ اللهِ لَيسَ بِحَرفٍ ولا صوتٍ ولا لُغَةٍ ولا إطبَاق شفتين ولا هواء من الصدر، كذلك يقالُ القُرءانُ كَلاَمُ اللهِ ويقالُ كلام الله بلا حرف ولا صوت فإن قيل: كَيفَ الجَمْعُ؟ يقال لهم: هذا كلام بِحَرفٍ يَدُلُ عَلَى كلام الله الذاتي الذي لَيسَ بِحَرفٍ وَلاَ صوتٍ، العِبَارَةُ غَيرُ المُعَبَرِ عَنْهُ، كَلاَمُ اللهِ بِلا ابتداء بلا انقطاع بلا انتهاء لا يُشبِهُ كَلاَمَ المَخلوقَاتِ.
وَتَقريبُ ذَلِكَ أَنَّ الإنسانَ لَو كتب على الحَائطِ لَفظَ الجلالة “الله” ثُمَّ لو سُئِلَ ما هذا يقول: “الله” لا يعني بذلك أن هذا اللفظ هو الذات المقدس الذي نَعْبُدُهُ إنما هذا اللفظ هو عبارة عن الذات المقدس يدل على الذات المقدس الذي نَعْبُدُهُ. وكذلك اللفظ المنزلُ على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبارة عن الكلام الذاتي الذي ليس حرفًا ولا صوتًا، وكلٌّ يطلق عليه كلام الله، وكلٌّ يطلق عليه القرءان.
أَيضًا كلمةُ النَّارِ لو كتبها الإنسان لا تحترق الورقة؛ لما نقرأ القرءان باللغة العربية هذا يُعَبِرُ عن كلام الله الذاتي الأزلي.
ثُمَّ سيدنا موسى عليه السلام يسمى “كَليمُ اللهِ” مَعناهُ سَمِعَ كَلامَ اللهِ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا. قال اللهُ تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ سورة النساء / 164. أي أسمَعَهُ اللهُ كلامَهُ الأزليَّ الأبديَّ الذي لا يشبه كلام المخلوقين. فلا يجوزُ أن يعتقد إنسانٌ أن كلام الله الذاتي الذي هو صفة ذاته الذي سمعَه سيدنا موسى أنه لغة عربية أو غيرها من اللغات، هذا ضلال لأن فيه تشبيهًا لله بالمخلوقين. والله مباينٌ أي غير مشابهٍ للمخلوقات لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال.
وَمِن أوضَحِ الأدلة أَنَّ كَلاَمَ اللهِ لَيسَ حَرفًا ولا صوتًا قَولُهُ تعالى ﴿ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ سورة الأنعام / 62.
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَنتَهي مِن حِسَابِ العِبَادِ فِي لَحظَةٍ مِنْ مَوقِفِ من مواقِفِ القيامةِ، ويومُ القيامَةِ كُلُهُ خَمسونَ أَلفَ سَنَةٍ. حِسَابُ النَّاسِ أي توقيفُهُم على أعمالهم.
فلو كان حسابُ اللهِ لِخَلقِهِ مِنْ إِنسٍ وَجِنٍّ بِالحَرفِ والصوتِ ما كَانَ ينتهي من حِسَابِهِم في مائةِ أَلفِ سَنَةٍ لأَنَّ الخَلقَ كَثيرٌ ويأجوجُ ومأجوجُ وحدهم يوم القيامة البشر كلهم بالنسبةِ لهم كَوَاحِدٍ مِن مَائةٍ، وفي روايةٍ كَوَاحِدٍ من ألفٍ، وَبَعضُ الجِنِ يَعيشونَ آلافًا من السنين، فلو كَانَ حِسَابُ الخًلقِ بالحَرفِ والصوتِ لكانَ إبليسُ وَحْدَهُ يأخُذُ حسابه وقتًا كثيرًا لأَنَّ إِبليسَ عَاشَ نحو مائة ألف سنة أو أكثر أو أقلَ ولا يموتُ إلا يوم النفخة، وحسابُ العباد ليس على القول فقط بل على القَولِ والفِعلِ والاعتِقَادِ وكذلك الإنسُ منهم من عاش ألفي سَنَةٍ ومنهُم من عاشَ ألفًا وزيادة، ومنهم من عاش مئات من السنين فلو كان حِسَابُهُم بالحَرفِ والصوتِ لاستغرقَ حسابُهُم زَمَانًا طويلاً جدًا ولم يكن اللهُ أسرَعُ الحَاسِبينَ بَل لكان أبطأ الحاسبينَ، والله تعالى يقول: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾، ثُمَّ الحُروفُ تَتَعاقَبُ مهمَا كَانَت سريعةً لأخَذَ شَيئًا مِنَ الوَقتِ. أمَّا الله تعالى فكلامُهُ أزليٌّ أبَديٌّ لَيسَ حَرفًا ولا صوتًا ولا يُبتدأُ ولا يُختَتَمُ ولا يَزيدُ ولا يَنقُصُ، فمعنى قَولِنا القُرءانُ كَلاَمُ اللهِ لَيسَ بمعنى أن اللهَ نَطَقَ بِهِ كما نَحنُ نقرأه، إِنما معناهُ أنَّهُ يَدُلُ على كلامِ الله الذي لَيسَ حرفًا ولا صوتًا، على هذا المَعنى نَقولُ القرءانُ كَلاَمُ اللهِ. فَيُفهَمُ مِن هذا أنَّ جبريلَ لَم يَسمَعِ القُرءانَ مِنْ كَلاَمِ اللهِ الأزلي الذي ليس حرفًا ولا صوتًا.
وَلَيسَ معنى ذَلِكَ أَنَّ جِبريلَ لا يَسمَعُ كَلاَمَ اللهِ، بَل جِبريلُ من الملائِكَةِ الَّذينَ يَسمعونَ كَلاَمَ اللهِ ويفهمونَ مِنهُ الأوامر، فَسَمِعَ جِبريلُ كَلاَمَ اللهِ وَفَهِمَ مِنهُ أنَّ اللهَ يأمُرُهُ بأن يَقرأَ ذَلِكَ الصَوتَ الذي سَمِعَهُ مُرتَّبًا بِحُروفِ القرءان على سيدنا محمد، فأنزله على سَيِّدنَا مُحَمَّدٌ مُفَرًقًا على حَسَبِ ما أمَرَهُ الله.
أمَّا الدليلُ على أن العبادَ يَسمَعون كلاَم الله يومِ القِيامَةِ فَمأخوذٌ من حَديثِ رَسولِ الله صلى اللهُ عَليهِ وسلم: “ما منكم من أحَدٍ إلا سَيُكَلِمُه رَبُّه يومَ القيامة ليس بينه وبينه تَرجمانٌ ولا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ” رواه البخاري.
ثُمَّ الذي نُؤمِنُ بِهِ هِيَ الكُتُبُ السماوية الأصلية ليس المُحَرَّفَة، اليوم يوجَدُ مع اليهودِ كتابًا يسمونه “التوراة” ومع النصارى كتابًا يسمونه “الإنجيل” هذه لا نُؤمِنُ بِهَا. نُؤمِنُ بِما أُنزِلَ على موسى وعيسى. التوراةُ الأصليُ فيهِ: لا إِلَهَ إِلا الله موسى رسولُ الله، فيهِ أن اللهَ لاَ يُشبِهُ شيئًا.
اليوم التوراة الأصليَةُ لا تُوجَدْ، المُحَرَّفُ الموجود مع اليهود اليوم فيهِ أن عُزيرٌ ابنُ الله وأنَّ موسى ءاخر رسول، كذبوا وافتروا على نَبيِّ اللهِ مُوسى عَلَيهِ السلامُ، اليهود بعد موسى عَلَيهِ السلامُ حَرَّفُوا في اللفظِ صاروا يُحَرِّفُونَ ثُمَّ حَرَفوا بأيديهم، وهذا لا تَخلو صَفحَةٌ مِنهُ مِنَ الكُفرِ، كَتَبوا فيهِ والعياذُ باللهِ تعالى أنَّهُ نَزَل على موسى أنَّ عُزيرٌ جُزءٌ مِنَ اللهِ، عُزيرٌ هُوَ صَالِحٌ لَمْ يَرِد إِنْ كَانَ نَبِيًا أو وَليًا. حَصًل في زَمَنِ بني إِسرائيل خَرابٌ في بيتِ المَقدِسِ فلم رأى ذلك عزير قال: ” أَنى يُحيِ هذَِهِ بَعْدَ مَوتِهَا؟“، لَم يَشُكُ في قُدرَةِ اللهِ إنَما قَالَ في نَفسِهِ “كم سيستغرِقُ بناؤها؟”. أماتَهُ اللهُ مائةَ عَامٍ ثُمَ أحياهُ، كَانَ مَعَهُ زادٌ وحَمارُهُ؛ زَادهُ بقي كما هُوَ أما الحمار فَصَارَ عِظَامًا. ثُم أَحيا اللهُ له حماره أمام عينيه فقال: “أعلَمُ أنَّ اللهَ على كل شيء قدير”. خلال تلك المائة عام بنو إسرائيل لم يكن بينهم من هو حافِظٌ للتوراة فَقَامَ يَتلو التوراة، فقالوا: هذا كان عند أبيهِ الله فعبدوه وكفروا بالله.
ثُمَّ هذا التوراة الذي كتبوهُ جعلوا فيه الفواحش، حَرَّفُوا فيه، جعلوا فيهِ تَشبيهَ لِلَّهِ، قالوا إِنَّ يعقوب صعد إِلى السماء فوجَدَ مخلوقًا ضخمًا وَصارَعَهُ فَغَلَبَهُ يعقوب فقال له: ما اسمك، قال: يعقوب، قال: اسمك إسرائيل أنت تأسر العالم، أنا رَبُكَ؛ وهذا كُفرٌ فيه تشبيهٌ.
يقولون أنَّ موسى مَرَّ بقومٍ من بني إِسرائيل فلم يكلموهُ فقال لهم: “أنتم حمير”، قالوا: فأوحى اللهُ لَهُ: “كَيفَ تَقولُ حَميرٌ لمن خلقتهم على صورتي؟” هذا في تشبيهٌ وَكُفرٌ.
وفيهِ من الفظائِعِ والبَشائِعِ الشيء الكثير. يقولون أن شعيب عَلِمَ بأمرٍ مُعَينٍ ثُمَ دَعَا بناته الأربع فجامعهم ثُمَ ضَرَبَ على ظهورهم وقال: حتى يبقى النسب الشريف لبني إسرائيل؛ والعياذُ باللهِ تعالى الأنبياء لا يفعلون هذا.
كذلك المسمى “الإنجيل” الذي يَدَّعي النصارى أنَّهُ أُنزِلَ على عِيسى لا تخلو صفحةٌ فيهِ من الكفرِ فيهِ نِسبَةُ الزَوجَةِ للهِ والابن وهذا كُفرٌ، ثُم فيهِ من التناقض والتعارض ما يَدُلُ على أنهُ من فعلِ البَشَر. فيهِ يقولونَ أنَ كُلُ فَردٍ من بني ءادم فيه لطخةٌ مما فعله ءادم من خطيئته كما قالوا. قالوا: أتى عيسى (يسمونه المُخَّلِص) وَصُلِبَ على خَشَبَة حتى خَلَصَ البشر من خطيئَةِ ءَادَمَ.
ءَادَمُ عَليهِ السَلامُ تَابَ اللهُ عَليهِ قال تعالى ﴿فَتَلَقَّى~ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ سورة البقرة / 37.
هُم يَقولونَ في دينهم إذا شَخصٌ عَصى اللهَ وأتى إلى ما يسمونه “خوري” يقولُ لهُ: “اغفر لي” فيقولون إذا قال له: “غَفَرتُ لَكَ” وَيُغلِقُ النافِذةَ، يقولون: ذهبت الخطيئة. ولا يَقبَلونَ أن الله غَفَرَ لآدم. ءادمُ عليهِ السَلامُ تَابَ. أهذا جَزاءُ الأبِ إنْ أكَلَ من تِلكَ الشجرةِ أن يُقالَ عَنهُ أنَ كُلُ وَاحِدٍ مِنَ البَشَرِ يَتَحمَلُ خَطيئتهُ.
هذا التناقُضُ واضِحٌ ودليل أنه كلام بشر انهم حَرَّفوا الكلام ثُم يصورون فيه عيسى عليه السلام الإنسان المدمن على الخمرِ قالوا عنهُ انهُ كان يتردد إلى أَماكن يُعصىَ اللهَ فيها.
يقولونَ أنَّهُ أتى مع تلامذته شَرِبَ جرن خمرٍ ثُم لما شربهُ كُلُهُ قال لأُمِهِ: “اجلبي لنا الخمر أيتُها الحمقاءُ”. فقالت لَهُ: “أظهر لنا معجزةً”، قالوا: ضَرَبَ الجُرنَ فنبع الخمر.
من يَقبَلُ هذا الكلام، هم شاربوا الخمر قالوا هذا الكلام كي يحللوهُ قالوا هذا وعيسى عليه الصلاةُ والسلامُ مُبرأٌ مِنْ كُلِ هذا.
في مواضع أُخرى يقولونَ أنهُ كان يأوي في الليلِ إِلى بيوتِ الزناةِ يأكُلُ قتات طعامهم ويتدفأ بشعورهنَ ويشربُ من خَمرتِهِم، هذا أيُ عَقلٍ يَقبَلُهُ.