إن المتابع للإعلام في دولة الإمارات يلاحظ بجلاء كيف ينشط من أجل أن يشيطن المقاومة الفلسطينية ويحاول تلميع صورة الاحتلال الإسرائيلي خدمة لمؤامرات التطبيع والتحالف القائم بين أبوظبي وتل أبيب.
وجاء حدث قتل الجيش الإسرائيلي زعيم حركة حماس يحيى السنوار مؤخرا في قطاع غزة ليكشف حدة أحقاد إعلام الإمارات على المقاومة الفلسطينية ورموزها.
ولم تعلق الإمارات رسمياً على مقتل السنوار، فما تزال الدولة مكبلة بين موقف المواطنين الحازم بدعم القضية الفلسطينية ومقاومتها الباسلة، وبين موقفها العدائي من “حماس” وبقائها في اتفاقية التطبيع رغم حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من عام.
مع ذلك تفاجئنا بعض مقالات الصحافة الرسمية الإماراتية الكبرى في قراءة ما يحدث في قطاع غزة بعد قتل السنوار، لتساوي بين الجلاد والضحية، وعدم قدرتها على التفريق بين عمليات التحرر الوطنية ضد الاحتلال، والتمردات الداخلية ضد السلطات في الدول، فيما ترسخ أخرى سياسة أبوظبي المعلنة.
بداية من صحيفة الاتحاد التي نشرت مقالاً بعنوان “شعب غزة.. وثالوث الظلم” يقول الكاتب وهو سعودي بالمناسبة: “طرفَا الحرب يحرقان هذا الشعب بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، أحدهما عدو كاسح هو إسرائيل التي أثبتت أنها لن تتهاون في أي مساسٍ بأمنها وسلامة مواطنيها حتى ولو أحرقت الأخضر واليابس، والثاني قريبٌ يحرق هذا الشعب في مجامر الأيديولوجيا التي يؤمن بها ولا يؤمن بها الشعب، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة”.
ينظر المقال لما يحدث من حرب إبادة جماعية في القطاع منذ أكثر من عام على أنها شؤون داخلية بين إسرائيل كسلطة وحركات المقاومة الفلسطينية كجماعة مسلحة متمردة، بل إن “ظلم ذوي القربى أشد مضاضة” كما يقول الكاتب عبدالله بن بجاد العتيبي في مقاله على “الاتحاد” الصادرة من أبوظبي عاصمة الدولة ومصدر القرار السياسي.
علاوة على اتهام الكاتب بأن المقاومة ألقت بالشعب الفلسطيني في “المهالك” فقد ذهب إلى اتهام من يدعم تلك المقاومة بأنه “يقرّ بأنه داعمٌ لكل بشاعات التنظيمات الإرهابية، مثل “القاعدة” و”داعش” وأضرابهما”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ومع ذلك يصرّ أن كلامه “نقد مستحق يجب أن يقال ويجب أن يسمعه الناس في هذه اللحظات العصيبة في غزة وفي المنطقة بأسرها”. متهماً الداعمين للمقاومة الفلسطينية بأن ما يقومون به “مجرد محاولات عابثة لتغطية الأيديولوجيا برداء من العقلانية”، واصفاً إياهم بالطرف الثالث الظالم.
لا يعني ذلك أن المقالات تمتثل لمهاجمة الفلسطينيين، بل أيضاً يوجد موقف يقترب من المواقف الرسمية وأقل حدة لا تساوي بين الجلاد والضحية أو تعتبر المقاومة الفلسطينية تمرداً وكأن إسرائيل سلطة شرعية.
ففي مقال آخر نشر في “الاتحاد” للكاتبة الإماراتية عائشة المري بعنوان “إسرائيل والأمم المتحدة.. عقوق دولي”، ناقشت فيه رفض الاحتلال الإسرائيلي لكل القرارات الدولية، وحالة العقوق الإسرائيلية للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وتقارير الأمم المتحدة التي ساهمت في ولادة إسرائيل.
مقال المري يمتثل للموقف الرسمي المُعلن بوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإعلان قيام دولة فلسطينية، لكن مقالها لم يساوِ بين الجلاد والضحية مثل معظم المقالات.
وتظهر الصحف الصادرة بالإنجليزية أقل حدة تجاه المقاومة الفلسطينية، وتلتزم بوجه النظر الرسمية المعلنة بأنه صراع الأطراف الذي يجرّ المنطقة للحرب.
لكنها لا تنجر إلى نزق الدعم المباشر لدولة الاحتلال كما الكاتب السعودي في صحيفة الاتحاد، فصحيفة ذا ناشيونال كتبت افتتاحية في 18 أكتوبر بعنوان “يحيى السنوار يقود الفلسطينيين إلى طريق مظلم” تقول إن السنوار “ينضم إلى أكثر من 42400 فلسطيني فقدوا حياتهم في عمليات الانتقام الإسرائيلية اللاحقة ــ وهي العملية العسكرية التي تجاوزت منذ فترة طويلة أي تعريف معقول للدفاع عن النفس”. ومع ذلك ترى الصحيفة إلى من ينظرون إلى السنوار وفدائيته من أجل فلسطين باعتبارها “تعزيز للأيدولوجية المتشددة” و”جر فلسطين نحو الهاوية”.
وتضيف: فقد قادت نزعته العسكرية الفلسطينيين ــ والمنطقة ــ إلى طريق مظلم وعنيف، لم يخرجوا منه بعد. ولن يضطر إلى التعامل مع العمل الأقل ثورية ولكنه بطولي المتمثل في صنع السلام وإعادة بناء المجتمع المحطم.
مع ذلك لم تكن المقالات على تلك الدرجة من السوء والتماثل مع الموقف الرسمي، إذ اقتربت بعض المقالات من موقف الشعب الإماراتي الداعم للقضية الفلسطينية، خاصة في الصحف الصادرة من إمارة دبي.
إذ نشرت صحيفة البيان مقالاً بعنوان “التدرج في مشروع نتانياهو” يناقش فيه كاتب عربي عن حالات نتنياهو خلال الحرب وقال الكاتب إن “خمر الانتصارات الأمنية والعمليات العسكرية الناجحة أسكرت الطموح السياسي للرجل، “وجعلته ينتقل من الصدمة إلى رد الفعل، إلى الهجوم، إلى حرب الإبادة. حتى وصل الآن إلى “الاقتناع” بأنه الآن يلعب دور “الشرطي الإقليمي القوي” الذي سيعيد صياغة توازنات القوى في المنطقة كلها.
يناقش الفكرة ذاتها مقال نشر الأحد في صحيفة الخليج، بعنوان “ما بعد السنوار.. تساؤلات ومسارات” يقول فيه الكاتب إن خطاب نتنياهو بعد قتل السنوار “يعني -من ناحية- المضيّ قدماً في الحرب على غزة، وجبهة إسنادها في لبنان، لأهداف لم يفصح عنها، لكنها تتجاوز مسألة الأسرى إلى إعادة ترتيب المنطقة كلها”. مؤكداً: “إنه مشروع حرب إقليمية يصعب استبعادها… ما دام هناك احتلال تكتسب المقاومة شرعيتها بغض النظر عمن يرفع رايتها”.
كما نشرت “البيان” يوم السبت مقالاً آخر لكاتب عربي عن “أمريكا والمحتجون.. والحريات” متحدثاً عمّا يعانيه الطلاب المتظاهرون مع فلسطين في الجامعات حيث يواجهون “مشاكل أكاديمية وقانونية كثيرة، ما قد يحرمهم من التركيز على التحصيل العلمي”.
ويقول فيه”: إحدى أهم نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والآن على الضفة الغربية ولبنان أنه كشف وأكد ازدواج المعايير الغربية وزيف كثير من الشعارات التي ترفعها بعض الدول الغربية فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان والمساواة”.
لذلك عكس صحيفة الاتحاد، تظهر صحيفتا البيان والخليج الصادرتان من دبي أكثر تركيزاً على “إسرائيل” ودورها منها إلى حركات المقاومة الفلسطينية، بل واعتبار المقاومة حركة تحرر وطني، لكن للأسف فإن معظم من كتبوا عن ذلك هم كُتاب عرب.
فيما الكُتاب الإماراتيين فتركز كتابتاهم -في الشؤون السياسية- على ندرتها على الاقتراب من الموقف الرسمي فلا يظهر موقف حقيقي عمّن يفترض أن يكونوا ممثلين لهم (مواطني الدولة).