على وقع معارك محتدمة يخوضها حزب الله في جنوب لبنان، تتطاير الأسئلة حول إمكانية صموده أمام العدوان الإسرائيلي الدموي المتواصل منذ نحو شهر تقريبا، خصوصا بعد أن فقد قيادات هامة في صفوفه.
ورغم القصف العنيف على طول خط الجبهة وأخرى التي تضرب الضاحية والبقاع، يبدو حزب الله محافظا على قدراته الصاروخية، فهو يشن هجمات مستمرة تصل حتى حيفا وتل أبيب، بالإضافة للمعارك الدائرة في الجنوب.
والخميس الماضي، قال حزب الله اللبناني إن المقاومة انتقلت لمرحلة جديدة وتصاعدية ضد الاحتلال ستظهر في الأيام القادمة.
وأشار البيان إلى أن حصيلة خسائر الاحتلال بلغت حوالي 55 قتيلا وأكثر من 500 جريح من ضباط وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى تدمير 20 دبابة ميركافا، وتدمير 4 جرافات عسكرية وآلية مدرعة وناقلة جند، وإسقاط مسيّرتين من نوع “هرمز 450”.
القتال تحت الضغط
خلال فترة وجيزة، تمكن الاحتلال من اغتيال قادة من الصف الأول للحزب، وربما أهم الشخصيات الموجودة في هرم القيادة، قبيل أن تبدأ بشن عمليته البرية.
وعن ذلك، يقول الخبير العسكري اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي، إن حزب الله تأثر بشكل كبير نتيجة تعرضه لضربات قوية طالت أهم مراكز ثقله، المتمثلة بقياداته من الأمين العام إلى قادة الصف الأول والثاني، وهذا بدوره أدى إلى تضرر منظومة القيادة والسيطرة، التي تعتبر أهم عناصر مراكز الثقل في بنية الحزب بشكل كبير.
وأضاف في حديث لـ “عربي21”: “كان السؤال الأهم الذي أعقب هذه الضربات النوعية، هل يستطيع حزب الله الحفاظ على تماسكه وفعاليته الميدانية؟
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وأوضح: “سابقا خسر قادة كبارا، لكن استطاع تعويضهم في مراحل لاحقة، هذه المرة خسر قيادات دفعة واحدة وخلال أيام قصيرة، وتعتبر بالنسبة له قيادات تاريخية، ولها خبرة على مستوى إدارة المعارك والتنظيم وإدارة مؤسسات مهمة داخل منظومة الحزب، ولها أدوار متعددة”.
واستدرك الخبير العسكري العراقي قائلا: “مدن الكيان ما زالت تتعرض لهجمات مستمرة وبأعداد كبيرة بالصواريخ والطائرات المسيرة، وصلت بعضها إلى جنوب تل أبيب، وهو مؤشر أن الحزب ما زال يمتلك قدرات كبيرة من الأسلحة، وهذا يدحض تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت، والذي تحدث عن تدمير أغلب ترسانة الحزب، ولم يبق لديه سوى الثلث.
وأشار إلى أن الحزب الآن في مرحلة صعبة يحاول إعادة توازنه، وثانيا لمنع الجيش الإسرائيلي من تحقيق أهدافه والمتمثلة في احتلال مناطق جنوب نهر الليطاني، وعلى جبهة عرضها أكثر من 100 كم، وبقوة تصل لـ 5 فرق، عدا أن الكيان يحاول حسم معركة جنوب لبنان بأقل وقت ممكن ولتجنب التورط بحرب طويلة.
وشن حزب الله، الثلاثاء، سلسلة عمليات ضد أهداف للاحتلال الإسرائيلي في ضواحي “تل أبيب” وغربي حيفا؛ ردا على العدوان المتواصل على لبنان، في حين شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات عنيفة على مناطق متفرقة من الأراضي اللبنانية، بما في ذلك العاصمة بيروت.
وقال حزب الله في سلسلة بيانات، إن مقاتليه استهدفوا قبة نيريت وقاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200 في ضواحي “تل أبيب” بصلية صاروخية نوعية.
وأضاف أن مقاتليه استهدفوا بصلية صاروخية نوعية كذلك قاعدة “ستيلا ماريس” البحرية شمال غربي مدينة حيفا، موضحا أن العمليات المشار إليها جاءت “دعما لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وإسنادا لمقاومته الباسلة والشريفة، ودفاعا عن لبنان وشعبه، وفي إطار سلسلة عمليات خيبر، وردا على الاعتداءات والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني”.
قيادات بديلة
ومع محافظة حزب الله على رتم المواجهة، سواء الصاروخية أو البرية، يرى الكثيرون أن الحزب نجح بتعويض النقص في قياداته، كما ذكر القيادي في الحزب نعيم قاسم منتصف الشهر الجاري.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، عن مسؤول إسرائيلي قوله، إن حزب الله أعاد تعزيز صفوف قيادته بعناصر كانت أسماؤهم غير معروفة سابقا لإسرائيل، ما أتاح له مواصلة القتال ضد إسرائيل رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها.
وتحدث المسؤول الإسرائيلي بأن القادة الجدد كانوا في السابق قادة من مستوى أدنى؛ ما ساهم في قدرة حزب الله على تنفيذ عمليات عسكرية رغم الضغوطات المتزايدة.
وأشار المسؤول إلى أن حزب الله حقق نجاحات ملحوظة هذا الأسبوع، حيث نفذ عدة عمليات، من بينها غارة جوية قاتلة على قاعدة تدريب لواء جولاني، وإطلاق طائرة دون طيار باتجاه مقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيصرية، بالإضافة إلى قتله خمسة جنود من لواء جولاني في جنوب لبنان.
من جهته، حذر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك في مقال بموقع قناة 12 العبرية، من قدرة “حزب الله” على إدارة مواجهة تتحدى “إسرائيل”، محذرا كذلك من تحول المواجهات العسكرية بين الطرفين إلى “حرب استنزاف”.
وقال الجنرال الإسرائيلي: “من لديه إلمام بوضعنا الحالي في حرب الاستنزاف، يدرك أن أهداف الحكومة، المتمثلة في القضاء التام على حماس، وإخضاع حزب الله، وتركيع إيران، وقطع صلاتها بأذرعها، ليست أهدافا واقعية”، مؤكدا أن هذه الأهداف لا تعدو كونها “رؤيا قدرية غيبية لبضعة أشخاص يعيشون في جنة الحمقى”.
وخلص بريك في مقاله إلى القول: “للأسف الشديد، هناك كثيرون من الجهلة في إسرائيل الذين لا يفهمون الأمور، ولا يرون أمامهم الصورة الحقيقية للواقع، وذلك إما بسبب الجهل، وإما نتيجة تبني أوهام، أو رغبات لا تتماشى مع الواقع”. وأضاف أن “هذه الحكومة الفاشلة وهؤلاء الجهَلة الذين يتبعونها، كأنهم قطيع من الحمقى، سيواصلون قيادة دولتنا نحو خطر يهدد وجودها”.
الأداء العسكري جنوبا
بحسب القيسي، فإن ما جرى في الضاحية الجنوبية في بداية العملية البرية للكيان أثر على أداء مقاتلي الحزب في الجبهة الجنوبية، وتمكن الكيان من إحراز تقدم على الشريط الحدودي، وتحديدا القرى التي لا تبعد كثيرا عن الخط الأزرق سوى بضعة من الأمتار.
وأضاف: “ما زال الحزب يقوم بإدارة معارك على جبهات مختلفة، وكبد الكيان خسائر مؤلمة من خلال قصف عمق الكيان بالطائرات المسيرة والصواريخ، وكان استهداف قاعدة لواء جولاني في منطقة بنيامين قرب حيفا مثالا على ذلك، عندما تمكنت طائرة مسيرة من اختراق منظوماته الدفاعية وقتل 4 جنود وجرح أكثر من 67 جندي من هذا اللواء، الذي يعتبر أفضل وحدات جيش الكيان فضلا عن استهداف منزل نتنياهو”.
ويشرح اللواء القيسي المشهد العسكري في الجنوب قائلا، إن الاحتلال جمع ست فرق عسكرية على الجبهة اللبنانية، ووزعها كالتالي:
الفرقة 210 تتمركز في أصبع الجليل وكريات شمونة خوفا من عملية تقدم لحزب الله.
الفرقة 98 مقابل بلدة كفر كلا.
الفرقة 91 تقدمت في بليدا.
الفرقة 36 تقدمت تجاه مارون الراس وعيتا الشعب، والآن تحاول الوصول لقرى قزح ورومية.
والفرقة 146 مقابل منطقة النافورة ولم تتقدم مترا واحدا.
كما أضاف أربعة ألوية ليصبح المجموع 6 فرق عسكرية.
استعادة التوازن
ويخلص القيسي إلى أن هذا الأداء يؤكد أن الحزب استعاد شيئا من توازنه، خصوصا في المعركة البرية، كما تعتبر مؤشرات على أن الحزب استطاع ترميم شيء من مستوى القيادة والسيطرة التي ألحقت به خسائر جسيمة.
وأشار القيسي إلى أن المعارك البرية في جنوب لبنان ما زالت في بدايتها، وهي تعتبر اختبارا فعليا لقدرات الحزب ومقياسا لقوته، ومدى قابليته على منع جيش الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أهدافه أو من عدمها.
ورغم التحشيد الهائل للاحتلال، فإنه عجز عن تحقيق خرق كبير، سوى التقدم البسيط في بليدا للفرقة 91، كما تقدم إلى محيط عيتا الشعب عبر الفرقة 36، لكنه تراجع تحت نار الحزب.
أسئلة بلا إجابات
منذ بداية العدوان على غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان، كانت أوساط الاحتلال العسكرية والأمنية تتساءل عن جدوى الحرب وإمكانية تحقيق أهدافها، فضلا عن الخشية من التحول لمعركة استنزاف طويلة الأمد.
وحول تلك النقطة، قال موقع والا العبري، إن “الجيش الإسرائيلي لا يجيب عن أسئلة اليوم التالي في جنوب لبنان، خصوصا بعد مرور أسابيع على العملية العسكرية”.
وأضاف الموقع أن جيش الاحتلال يشير إلى “الحكومة عندما يتحدث بأنه لم يتبق سوى بضعة أسابيع لإجراء مناورات برية في جنوب لبنان، وحتى الآن لا يوجد أي تحرك سياسي في الأفق”، وفق الموقع.
ويوضح الجيش أن أي ترتيب سياسي سيتطلب تطبيقا صارما في المنطقة الحدودية لوضع من شأنه أن يسمح بالأمن للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وبين الموقع، أن “الجيش يرفض تحديد الشكل الذي سيبدو عليه مثل هذا الترتيب على الأرض”.
وتابع: “لقد مر أكثر من ثلاثة أسابيع منذ بدء المناورة في لبنان، وبلغت ذروتها بخمس فرق على الأرض، ويوضح جيش الدفاع الإسرائيلي كمرحلة موجزة مؤقتة أن الوجود البري في جنوب لبنان لا يزال أمامه عدة أسابيع”.