قولُ الله تعالى (ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ) (سورة الملك آية 16) عند أهل السنة.
قولُه تعالى (ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ)، لا يجوزُ أن يُعتقَد أنّ اللهَ ساكِنُ السّماء، الملائكةُ سُكّانُ السماوات مَلؤوها، الرسولُ قالَ (ما فيها قَدْرُ كفّ إلا وفيهِ ملَكٌ قائِمٌ أو ساجِدٌ أو راكِع)، فالملائكةُ هُم سُكّانُ السّماوات السّبع، أمّا اللهُ تعالى فلا يجوزُ علَيهِ أن يَقعُدَ بينَ خَلقِه، فهؤلاء لو قيلَ لهم أليسَ قال الرّسولُ (ما في السّماواتِ السّبع موضعُ قدَمٍ) وفي روايةٍ (مَوضعُ أربعِ أصابعَ) وفي رواية (قَدْرُ كَفٍّ إلا وفيهِ ملَكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجِد)، كيفَ تقولونَ اللهُ ساكنُ السماء، يُزاحِمُ الملائكة؟
نعُوذُ بالله مِنَ الجَهل المؤدّي إلى الكفر، (ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ) معناهُ التفسير الصحيحُ مَنْ في السماء أي الملائكة، لأنّ اللهَ تعالى لو أمَرَ الملائكةَ بأن يخسِفُوا بالمشركينَ الذينَ آذَوا نبيَّنا، أهل مكةَ وغَيرهم وأخرجُوه مِن بلدِه مكّة، لو أمَر الله ملائكةَ السّماءِ بأن يخسِفُوا بهؤلاء المشركينَ الأرضَ لبَلَعتْهُم الأرض، لخسَفُوا بهم الأرض، هذا معنى (ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ) أي أنّ الله تعالى لَو أمَر ملائكةَ السّماء بأن يخسِفُوا بالكُفّار الأرضَ لخَسَفُوا بهم، أي انشقّت الأرضُ وبلعَتهُم وأَنزلَتْهُم إلى حيثُ يشاءُ الله، هذا معنى (ءَأَمِنتُم) أي يا مُشركُون، (مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ) أي الملائكة، أن يخسِفُوا بكم الأرض معناه مَن يَستطيعُ أن يحمِيْكُم لو أمَرتُ الملائكة، ملائكةَ السّماء أن يخسِفُوا بكم الأرضَ، مَن يحمِيْكُم يا مشركون، لا أحَدَ يستَطيعُ أن يحمِيهِم.
أهل السنة قاطبة على تأويل المتشابه الذي يوهم معاني لا تليق بالله وعدم حمله على الظاهر، قال الحافظ النووي قال القاضي عياض (المالكي) لا خِلافَ بين المسلمين قاطبةً فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أنّ الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى (ءأمنتم من في السماء) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأوّٙلة عند جميعهم.
ذكره في شرحه على مسلم.
وقال القرطبي في تفسيره عند ذكره قول الله تعالى (ءأمنتم من في السماء)، قيل هو إشارة إلى الملائكة، وقيل الى جبريل الموكل بالعذاب، قلت (القرطبي) ويحتمل أن يكون المعنى خالق من في السماء يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون. انتهى. وليعلم أن الله قادر على كل شيء بلا واسطة.
وقال الرَّازيُّ (واعلم أنّ المشبهة احتجوا على اثبات المكان لله تعالى بقوله (ءأمنتم من في السماء)، والجواب عنه أنّ هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لأن كونه في السماء يقتضي كونَ السماء محيطًا به من جميع الجوانب فيكون أصغر من السماء، والسماء أصغر من العرش بكثير، فيلزم أن يكون الله شيئًا حقيرًا بالنسبة للعرش، وذلك باتفاق علماء الإسلام محال لأنه تعالى قال (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلْ لِلَّهِ)، فلو كان اللهُ في السماء لوجب أن يكون مالكاً لنفسه وهذا محال، فعلمنا أنّ هذه الآية يجب صرفها عن ظاهرها إلى التأويل، أي لاستحالة أن يكون الله مملوكاً فهو مالك الملك سبحانه موجود بلا كيف ولا مكان، ليس كمثله شيء).
وكذلكَ قالَ المُفسِّرونَ من أهلِ السُّنةِ والجَماعة كالإمام الرَّازي في التفسير الكبير، وأبي حَيّانَ الأندلُسيِّ في كتابهِ البَحرِ المُحيطِ، وأبي السُّعودِ في تفسيره والقرطبيّ في الجَامعِ لأحكامِ القرآنِ حيثُ قال في تفسير قوله تعالى (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ)، قال ابن عباسٍ ءأمنتم عَذابَ من في السَّماءِ إنْ عَصيتُموهُ، ثم قال وقيلَ هو إشارةٌ إلى الملائكةِ، وقيل إلى جبريلَ وهو المَلَكُ المُوكَّلُ بالعذاب، قلت ويحتملُ أن يكونَ المعنى ءأمنتُم خالقَ منْ في السَّماءِ أن يخسِفَ بكُمُ الأرضَ كمَا خَسَفهَا بقارُونَ). اهـ
اللهم آتنا فى الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website