من دلائل نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ زهده في الدنيا وإعراضه عنها، وإيثار الآخرة عليها، مع أن الدنيا كانت بين يديه، ومع أنه أكرم الخلق على الله، ولو شاء لأجرى الله له الجبال ذهباً وفضة، وقد خُيِّر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أن يكون ملِكاً نبياً أو عبداً رسولاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جلس جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى السماء فإذا ملَك ينزل، فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك، قال: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا؟، قال جبريل: تواضع لربك يا محمد: قال: بل عبدا رسولا ) رواه أحمد .
ذكر ابن كثير في تفسيره عن خيثمة أنه قيل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك، ولا نعطي أحداً من بعدك، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله، فقال: اجمعوها لي في الآخرة، فأنزل الله ـ عز وجل ـ في ذلك : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً }(الفرقان:10) .
وعن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أبصر جبل أُحدٍ فقال لأصحابه: ( ما أحب أنه تَحوَّل لي ذهباً، يمكث عندي منه دينارٌ فوق ثلاث، إلا ديناراً أرصدُه لدَين، ثم قال: إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، وقليل ما هم ) رواه البخاري
طعام وشراب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
كان غالب طعامه وشرابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ التمر والماء، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ( ما شبع آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خُبز البُرِّ ثلاثًا حتى مضى لسبيله ) رواه مسلم . وقالت: ( إن كنا آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنمكث شهرًا ما نستوقد بنار، إنْ هو إلا التمر والماء ) رواه مسلم .
وعن عروة ـ رضي الله عنه ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تقول: ( والله يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال – ثلاثة أهِلَّة في شهريْن – وما أُوقِد في أبيات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه ) رواه البخاري .
بل ما شبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يشير بإصبعه مرارًا يقول: ( والذي نفس أبي هريرة بيده، ما شبع نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهله ثلاثة أيام تباعًا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا ) رواه مسلم .
وعنه أيضا ـ رضي الله عنه ـ أنه مرَّ بقومٍ بين أيديهم شاةٌ مَصْلِيَّة فدعوه، فأبَىَ أن يأكل وقال: ( خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ) رواه البخاري .
وقد أدركت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ حال أبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعرفت زهده في الدنيا، فأتته ذات يوم بكِسْرةِ خبزِ شعير، فأكلها ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ وقال: ( هذا أول طعام أكله أبوكِ منذ ثلاث ) رواه أحمد
فراشه وثيابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
أما فراشه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فكان الحصير الذي يؤثر في جنبه، ويصف هذا الفراش عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فيقول: (إنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليفٌ، وإن عند رجليه قَرَظًا مصبوبًا، وعند رأسه أَهَبٌ معلَّقة، فرأيت أثرَ الحصير في جنبه فبكيت، فقال ـ صلى الله عليه وسلم: مَا يُبْكِيكَ ؟، فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) رواه البخاري .
وأما وسادته التي يتكئ وينام عليها ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتصفها عائشة ـ رضي الله عنها ـ فتقول: ( كان وسادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي يتكئ عليها من أدَم (جلد)، حشوها ليف ) رواه البخاري .
ودخلت امرأة أنصارية بيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرأت فراشه مثنية، فانطلقت، فبعثت بفراش فيه صوف إلى بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رآه قال: ( رُدِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله عليَّ جبال الذهب والفضة، قالت عائشة: فرددته ) رواه أحمد .
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه ـ قال: ( اضطجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح عنه، فقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا فبسطت شيئا يقيك منه، تنام عليه، فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فقال (نام) تحت شجرة ثم راح وتركها ) رواه أحمد .
ولم يكن حاله في ثيابه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأحسن مما سبق، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية ) رواه مسلم .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وعن أبي بردة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( دخلت على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فأخرجت إلينا إزارا غليظا، مما يصنع باليمن، وكساء من تلك التي تدعى الملبدة، فأقسمت بالله لقد قُبِضَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذين الثوبين ) رواه البيهقي
ميراثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
حين غادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدنيا لم يترك عند موته درهما ولا دينارا، فعن أمِ المؤمنين جويرية ـ رضي الله عنها ـ قالت: (ما ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمَة ولا شيئاً، إلا بغلتَه البيضاء وسلاحَه، وأرضاً جعلها صدقة ) رواه البخاري .
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( تُوفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما في رفِّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ ) رواه البخاري .
ومات ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودرعه مرهونة عند يهوديّ مقابل شيءٍ من الشعير، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( قُبِضَ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ودرعه مرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين صاعا من شعير، أخذها رزقا لعياله ) رواه أحمد .
ستظل هذه الأخبار الدالة على زهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ شاهد صدق على نبوته وإيثاره الآخرة وما عند الله ـ عز وجل ـ
وَرَاوَدَتْهُ الجِالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهبٍ عَنْ نَفْسِهِ فأراها أيُّما شَمَمِ