نبينا صلى الله عليه وسلم أُرْسِل للناس جميعا، فلم يُبْعَث لجيل من الناس دون جيل، ولا عَصْر دون عصر، ولا أمة دون أمة, كشأن وحال الأنبياء والرسل الذين أُرْسِلوا قبله، بل كانت رسالته وبعثته صلى الله عليه وسلم عامة للناس جميعاً، في كل زمان ومكان، عرباً كانوا أو عجماً، وقد صرح القرآن الكريم بذلك، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107)، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}(الأعراف: 158)، قال ابن كثير: “يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ} يا محمد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وهذا خطاب للأحمر والأسود، والعربي والعجمي، {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} أي: جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين، وأنه مبعوث إلى الناس كافة”، وقال السعدي: “أي: عربيكم وعجميكم، أهل الكتاب منكم وغيرهم”. ومن ثم ففي أعقاب صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة النبوية، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سفراء يحملون رسائل منه إلى ملوك وأمراء العالم المعاصر له خارج حدود الجزيرة العربية، يدعوهم فيها إلى الإسلام، ومن هؤلاء الذين أرسل لهم: هرقل ملك الروم، والمقوقس حاكم مصر، والنجاشي ملك الحبشة، وقد ظهر من خلال هذه الرسائل حرصه صلى الله عليه وسلم على إسلام هؤلاء الملوك وشعوبهم الذين كانوا يدينون بالنصرانية

رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم
حمَل دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ رضي الله عنه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، قال ابن حجر في كتابه “الإصابة” عن دحية رضي الله عنه: “كان يُضرب به المثل في حسن الصورة”، وكان مع حسن صورته ومظهره فارساً ماهراً، وعليماً بالروم. واسم قيصر الذى كان بالشام وكتب إليه النبى صلى الله عليه وسلم كتابه: هِرَقل، وهل يقال له: هرقل أم قيصر؟ قال الشافعي: “هو هرقل، وهو قيصر، فهرقل اسم عَلم له، وقيصر لقب”. وقد روى البخاري في صحيحه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى: أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت عليك إثم الأريسيِّين، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(آل عمران64)).
وقد تسلم هرقل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ودقق في الأمر، وفي الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان ـ قبل إسلامه ـ وهرقل، حين سأله هرقل عن أحوال وصفات النبي صلى الله عليه وسلم، وأجابه أبو سفيان عنها، قال له هرقل بعد ما سمعه منه: (إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنتُ أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه (تكلفت المشقة للوصول إليه)، ولو كنتُ عنده لغسلت عن قدميه) رواه البخاري. وذلك لعلم هرقل من خلال النصرانية التي لم تُحَرَّف، ببعض صفات النبي الذي بشر به عيسى عليه الصلاة والسلام، ووجدها هرقل في النبي صلى الله عليه وسلم من خلال كلام أبي سفيان عليه.
وإذا كانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم قد قوبلت باهتمام وتوقير من قِبل هرقل ملك الروم، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لعامله وأميره على بلاد الشام المنذر بن الحارث الغساني، فقد قرأ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم التي بعث بها إليه مع شجاع بن وهب رضي الله عنه ثم رمى بها، وقال: من ينتزع مني ملكي، وهدَّدَ وتوَّعد.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website